هل يمكن القول، إن رجوع المثقفين بقوة إلى المشهد السياسي صحوة بعد غياب وتغييب، وهل هي خطوات صحيحة في المسار الانتخابي يقود إلى مجالس شعبية وولائية تقوم على الفكر والثقافة والمعرفة، وهل يمكن للمثقف أن يقدّم قيمة مضافة فيغيّر في سبل اتخاذ القرار بما يخدم المواطنين؟
أسئلة وغيرها طرحتها «الشعب ويكاند» للنقاش مع عدد من المثقفين من شتى ولايات الوطن، ومن النقاط المشتركة التي تجمعهم، تكوينهم الجامعي وانتمائهم للمشهد الثقافي والفني ونيتهم في إحداث التغيير.
المؤلف والمخرج المسرحي دريس بن حديد:
المثقف والسلطة قوة ضاربة يمكن أن تحقّق الكثير
يرى المؤلف والمخرج المسرحي دريس بن حديد أن حظوظ المثقف في ربح الانتخابات المحلية المقرّرة في 27 نوفمبر الجاري، قائمة بشرط أن يكون ممارساً وأن يكون خدوما وأن يستمد ذلك من إيمانه واقتناعه بالمواطنة وتشبّعه بثقافة المدينة تلك المدينة التي يعيش فيها ويتعايش مع ألامها وأمالها عدا ذلك فتسمية المثقف لا تليق به».
أكد دريس بن حديد في تصريح لـ»الشعب ويكاند»: «أن غياب المثقف سابقا عن المشهد السياسي ودوائر القرار قد أخلى مكانه ليحتله المدعين وأشباه المثقفين من المتسلقين والانتهازيين الذين يخدمهم غياب وتغييب المثقف الحقيقي».
خاصة، - يضيف - أن «المثقف المتخصّص الذي يمارس عمله داخل مبحثه الخاص والقادر على المساهمة في نجاحه إن هو وجد إرادة سياسية تسانده وتحميه ولها نفس الأهداف التي يتبناها ويسعى لتحقيقها، مشيرا أن «المثقف والسلطة قوة ضاربة يمكن أن تحقّق الكثير، وهنا، يضيف، لا أتحدث عن «مثقف السلطة» ويكون عادةً أداة لتغييب المثقف الحقيقي ذو المبادئ والأفكار المناهضة التي أحياناً تصل حدّ قيادة الراي العام. من هنا غيّبت الحكومات الفاسدة تلك الطبقة لأن أي حكومة وسلطة فاسدة لا يخدمها المثقف الذي يذوب في المجتمع وينزل من قصره العاجي.. المثقف الذي يمارس السياسة وينخرط في الجمعيات، لكن أظن أن الحال قد تغيّر وأن بوادر الجديدة قد لاحت في الأفق والجميع يحس ويشعر بذلك وخاصة المثقف لأنه الأقدر على قراءة ما بين السطور.
من المهم القول، حسب بن حديد «أن هذا الأمر قد أسهم في بث الطمأنينة في قلب المثقف وجعله يشعر بالأمل وفكر في الرجوع إلى ممارسة السياسة في حلتها الجديدة».
البيئة السياسية جدّ ملائمة
«نحن كمثقفين نحس أن البيئة السياسية أصبحت ملائمة وتطهرت من مخلفات المال الفاسد وأصحابه وبالتالي نرى أن الوقت ملائم لخوض غمار السياسة، فالانتخابات في هذا الوقت بالذات من تاريخ الجزائر جمعت بين الحق والواجب، فليست كل الوظائف صالحة لكل الناس ولا كل الناس صالحون لكل الوظائف. وعليه فإن شروط السلطة الانتخابية قد أنصفت المثقف والمجتمع المدني وحاملي الشهادات والشباب. وهذه شروط أصبحت مشتركة بين جميع القوائم الانتخابية وأمراً واقعاً فرض على جميع الأحزاب والمنظمات، حتى طريقة التصويت تغيرت وتغير معها قانون الغاب الذي وضعته الديناصورات أصحاب المال الفاسد والنية الفاسدة.
والمطلوب اليوم من المثقف أن تكون له مصداقية وصدق الخطاب ـ فما أحوجنا ـ يقول المخرج المسرحي « إلى أن يقول السياسي كلاماً يصدّقه الجمهور ويرافق ذلك الكلام فعل».
« وليست المصداقية وحدها ما يضمن نجاح المثقف هناك المعرفة أيضاً معرفة الحقوق والواجبات وأن يحسن التفريق بينهما بل وأن يدافع عن الحق والواجب في آن دون أن يُتهم باللعب على الحبلين «يضيف المتحدث».
وفي هذا الصدد ذاته قال: «فما رأيناه، قبل الآن من هوة بين المثقف والسياسي وبين المُنتَخَب والمُنتخِب هُوَة، ساهمت في تردي الأوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية فعزوف الطرفين عن خوض غمار السياسة والانتخابات لن يأتي بالحل بل على العكس يفتح المجال للصوص وذوو النيات الهادمة للوطن والمجتمع، وهنا يأتي دور المثقف ليعيد تلك الثقة المفقودة من الطرفين ليس على بث الأمل وإرشادهم إلى الطريق الصحيح بل وخوض المعترك السياسي وأن يكون في أوله خلفه البقية وهو في المقدمة وبيده مصباح ينير طريقهم».
فارق الجغرافيا والتهميش سبب ترّشحي
وفي سياق آخر، كشف بن حديد أن «الأسباب التي دفعت به شخصيا للترشح إلى الانتخابات كثيرة ومتعدّدة، أولها وأهمها، المشاركة في التغيير والرغبة في أن أكون جزءا منه والمساهمة في تبديل بعض القوانين المجحفة التي عادة ما يكون ضحيتها الأولى والوحيدة هو المواطن البسيط والطبقة المعوزة».
«ملفات الشغل وملفات التنمية وظلم الجغرافيا، حال الفنان والثقافة في مدينتي أيضاً وغيرها، من الأسباب»، - يضيف قائلا- «دفعتني للترّشح وأنا أزعم أنني قادر على المساهمة في إيجاد حلول موضوعية وناجعة لتلك المشكلات وغيرها، بما أنني فاعل جمعوي وقد كنت ضمن العديد من الجمعيات الخيرية والثقافية طيلة 24 سنة، أسست خلالها الكثير من الجمعيات كما أنني إطار في بلدية تندوف يحز في نفسي إشكال البيروقراطية والثقة المفقودة بين الإدارة والمواطن».
للإشارة: دريس بن حديد حامل ليسانس قانون أعمال، مخرج ومؤلف مسرحي وناشط جمعوي، حمل على عاتقه قضية إنشاء مسرح لولاية تندوف.