خريف عين أزال الثقافي بداية برنامج واعد وثري
شكّلت تظاهرة خريف عين آزال المنظمة مؤخرا تجربة أولى في مجال التنظيم قام بها المحامي والروائي ورئيس اتحاد الكتاب الجزائريين فرع سطيف، الذي يحدثنا من خلال هذا الحوار، عن نتائجها والعراقيل التي صادفتها معرّجا على أحوال المثقف وأهمية المعارض والملتقيات في إعادة تنشيط الفعل الثقافي.
- «الشعب ويكاند»: تعتبر تظاهرة خريف عين آزال التي قام اتحاد الكتاب الجزائريين فرع سطيف بتنظيمها مؤخرا، رجوعا إلى الفعل الثقافي بعد طول انقطاع، كيف تفاعل الكتّاب والأدباء والجمهور مع الحدث؟
الروائي سفيان مخناش: مباشرة بعد إعلان الوزارة الأولى عن رفع الحجر الصحي والعودة إلى تنظيم التظاهرات الثقافية والرياضية وجميع الأنشطة الشبانية، سارعنا نحن مكتب سطيف لاتحاد الكتاب الجزائريين إلى افتتاح الموسم الثقافي بشكل رسمي، ودعونا من خلال جميع الفاعلين في المشهد الثقافي السطايفي بالخصوص إلى مدّ يد العون ولو بكلمة فقط من أجل تحريك الجمود الذي شهدته الساحة المحلية وحتى الوطنية.
مكتب سطيف لاتحاد الكتاب الجزائريين الذي نصّب تقريبا منذ ثلاث سنوات ظلّ راكدا أو مشلولا منذ يومه الأول بسبب الوضع الذي عرفته البلاد، وبعدها مباشرة الأزمة الصحية وكورنا التي عصفت بالعالم بأكمله، ومما ساهم في دفع عجلة النشاط الثقافي، تعطش شريحة كبيرة من المجتمع لفعاليات التظاهرات، ولعلّ «سيلا» أو الصالون الدولي للكتاب خير دليل، وتعطش شريحة المثقفين للملتقيات، والمبدعين لقرائهم، والقراء لكتابهم المفضلين.. وأيضا حماس القائمين على فرع الاتحاد بسطيف.
تظاهرة خريف عين آزال الثقافية هي وليدة قرار سريع بين مؤسسة كينج بريدج للمعارض وفرع سطيف لاتحاد الكتاب الجزائريين، وكان سباقا فعليا مع الزمن، حيث تمّ الاتصال بمجموعة من دور النشر المحلية وتلك التي تنشط عبر مختلف ولايات الوطن لتقديم إصداراتها وتمكين أكبر عدد من المبدعين الذين تمّ نشر أعمالهم عندهم من جلسات البيع بالتوقيع، وأيضا تمّت دعوة عديد الأسماء التي تؤثث المشهد الثقافي الجزائري وصنعت لها مكانا يطمح إليه أي مثقف أو مبدع مغمور من خارج الولاية على غرار الشاعر كريم العيداني من برج بوعريريج، الشاعر كمال طويوي والروائي رمزي بولعراس من ولاية ميلة، والدكتور فيصل الأحمر من جيجل، والشاعر حمام إبراهيم الخليل من الأغواط والكثير من الأسماء المحلية التي ليست بحاجة إلى دعوة.
لقد كان إقبال الجمهور كبيرا على هذه التظاهرة بالخصوص كونها تحتوي على عديد الفعاليات الموازية لمعرض الكتاب المقام على مدار أسبوع كامل مثل العروض المسرحية، وصلات موسيقية للفرقة النحاسية، وصلات غنائية وطربية لفنانين من سطيف وخارجها، عروض فكاهية وسكاتشات، وحيّز للأطفال فيه الكتاب الشبه المدرسي والتعليمي، وعروض البهلوان..
- هل صادفتكم عراقيل لدى التنظيم وتسيير التظاهرة وكيف تمّ التغلّب عليها؟
كما هو الحال مع أي تظاهرة، فإن تظاهرة خريف عين آزال الثقافية عانت هي الأخرى من نقائص لأسباب، منها: أولا لأنها النشاط الثاني مباشرة بعد أيام قليلة من افتتاح الموسم الثقافي، ثانيا خبرتي كمنظم في مجال التنظيم محدودة وتحولي من روائي إلى منظم ليس بالأمر الهين، ثالثا، المثقفون في حدّ ذاتهم يصعب التعامل معهم، ومنهم من يزيد بؤسه إلى بؤس الوضع البائس من الأول، رابعا، محدودية الميزانية التي تنعدم في أحايين كثيرة، فتظاهرات مثل هذه تحتاج إلى ميزانية ودعم لوجيستي على الأقل للتكفّل بالمدعوين من حيث الإقامة والإطعام والنقل والإكراميات، خامسا، وهذه النقطة الحساسة، البيروقراطية التي يتلقاها المنظمون من طرف الإداريين وهو ما يعاني منه المثقف كثيرا لما يجد المناصب يشغلها إداريون فيصعب تمرير الخط بين الطرفين، وفي غالب الأحيان يحدّ الشقاق ويفشل النشاط قبل أن يولد، ناهيك عن البيروقراطية في الملفات والوثائق للترخيص أو حجز قاعة، أو طلب دعم. لكن يوم الافتتاح نجدهم في الصفوف الأولى في القاعات يفتخرون بالمنجز، وعند الكاميرات يتباهون بالنشاط ويلومون المنظم إن كان هناك نقص أو تقصير.
- ما هو الجديد المقبل بالنسبة لاتحاد الكتاب فرع سطيف؟
ستكون هناك مستقبلا، نشاطات أخرى واعدة وواعدة جدا في المستقبل القريب تمنح وجها آخر لسطيف التي لا يليق بها إلا الجمال، وسنستضيف وجوه لم يسبق لها زيارة سطيف إبداعيا من قبل، على ان تكون الحصرية لمكتب اتحاد الكتاب الجزائريين بسطيف. فقط ننتظر الدعم من الجمهور والمسؤولين ومن المثقفين كفّ ألسنتهم.
المركزية الرئيسية والمركزية المصغرة
- ما هي الإضافة التي قد تقدّمها المعارض والتظاهرات المحلية للمشهد الثقافي الذي طالما عانى من مركزية التنظيم؟
هنا وضعت إصبعك على جرح قديم لا يريد أن يندمل، والكل يعلم سواء المسؤول أو المواطن أن الأمر موجود ويعترفون به حتى لا نقول أن النداء لم يصل إلى فوق، لكن لماذا لا يتم التدخّل لإنقاذ الوضع هنا السؤال الذي يُطرح ولو أن الأمر ليس بالصعب، تخيلي مثلا مدينة بحجم سطيف الثانية تقريبا بعد العاصمة في كل الميادين ليس بها مرافق ثقافية على غرار مسرح، مكتبة رئيسية، سينما.. وعلى ذكر السينما الجمهور السطايفي محروم من مشاهدة فيلم هيليوبوليس الذي شرف الجزائر في أكبر محفل سينمائي عالمي وهو حفل الأوسكار، ناهيك أن بعض أحداثه تخصّ سطيف حول مظاهرات الثامن من ماي ألف وتسعمائة وخمسة وأربعين، والسبب أن هذه الولاية العملاقة ليست بها سينما، ولا تحتكم لتقنيات لعرض الفيلم.
هذا فيض من غيض فقط، وقسّ على ذلك المعارض الوطنية للكتاب التي اختفت شيئا فشيئا حتى اندثرت، والمهرجان الدولي للسماع الصوفي الذي كان يشغل العالم بصيته. اليوم كل التظاهرات والفعاليات أصبحت حكرا على العاصمة وعلى من يرغب في حضور حفل للموسيقى الكلاسيكية أن يسافر إلى العاصمة، ومن يرغب في مشاهدة الفيلم أن يكون بالعاصمة وغيرها.
هذه عن المركزية الرئيسية، كون هناك مركزية مصغرة والتي يعمل اتحاد الكتاب الجزائريين فرع سطيف على إلغائها، تماما كما دعا رئيس الجمهورية إلى ازالة مناطق الظل، فهنا ليس فقط إيصالها بالماء والغاز والكهرباء، الثقافة أيضا عنصر حيوي للشعوب، أردنا أن نخرج بالكتاب والكتّاب والمشاهير والعروض الفنية والموسيقى والمسرح إلى هذه المناطق لفكّ العزلة عنها وألا يبقى المواطن الذي يقطنها يسمع عنها فقط عبر الراديو أو يشاهدها عبر القنوات.
- من كاتب روائي إلى منظّم تظاهرات ثقافية، كيف وجدت التجربة؟
لم يعد هناك شيء يخفى في الجزائر، وبالرغم من هذا وأنني لبيت وحضرت جلّ الدعوات التي وجهت إليّ إلا أنني لم أكن أدرك صعوبة المهمة، بل في مرات عدة أحسد زملائي وأصدقائي لأن لهم مهرجانات وملتقيات يشرفون عليها، لا أنكر أنني لما حضرت بعضها وبسبب قلت الموارد المالية كما يعلم الجميع أو انعدامها في أحايين كثيرة يلجأ المنظم إلى استعمال علاقاته والاستنجاد بمعارفه في حالة ما خيبه المسؤول وكثير ما يفعلون، ولأنقذ الموقف أدعم أحيانا بمالي وجهدي وحتى سيارتي عن طيب خاطر، كون الهدف هو إنجاح التظاهرة.
الآن، دخلت المعترك، ومرات أقول يا ليتني ما دخلت، الأمر جالب لحرق الأعصاب، وانقباض النفس، وفوران الدم وغيرها من المشاكل الصحية والنفسية التي قد تنجرّ من وراء التنظيم، لأساب عدة، إخلاف المسؤولين بالوعود، انعدام الدعم والتمويل المادي، عدم تسخير الإمكانيات اللوجيستية، انعدام المرافق أو البخل بها، كل هذا كوم، والكوم الثاني يأتيك من المثقفين أنفسهم، هذا يغتاب والآخر ينتظر منك دعوة ويا ويلك إن لم توجّه له دعوة، وهذا يحرّض عليك ما استطاع لإفشالك، وآخر يركّز على النقائص متجاهلا الإيجابيات والنتائج في ظل شح الإمكانيات.. مرات قد يصادفك أمر واحد مما ذكرت يجعلك تقطعين أيمانا غليظة للكف عن أي نشاط.
- كيف هي أحوال المثقف اليوم؟
زفت. ولو أنه هناك من يستحق الزفت.
- هل تنظيم المعارض هو الحل بالنسبة للكتّاب والناشرين؟
أجيبك بنعم، مع غياب سياسة لتسويق ونشر الكتاب على الرغم من أن الإرادة السياسية موجودة، وأن قانون الكتاب مصاغ وينتظر فقط التطبيق، وأن الناشر وصانع الكتاب والكاتب أكبر الغائبين عن الندوات والجلسات التشاورية التي تعقدها الوزارة، مؤخرا حلت كورونا وأكثر شريحة تضرّرت هم الناشرون والمكتبيون والكتاب أنفسهم، لكن ما من قرارات سريعة ولا أخرى مؤجلة لإنقاذ الوضع، لهذا المعارض المحلية والوطنية والمعرض الدولي للكتاب صار الملاذ الوحيد للناشرين لعرض إصداراتهم بدليل أنه في وقت مضى كان من العار نشر خمسمائة نسخة، الآن صرنا نسمع عن طبع الخمسين وأقل.
أما عن ما إذا كان اتحاد الكتاب الجزائريين فرع سطيف يطمح إلى تنظيم تظاهرات مشابهة، فأنا أقول بل أطمح إلى ما هو أكبر وأكثر، فقط قليل من الدعم أقول قليل، تسخير قاعة أو فضاء أو الإنقاص من الإجراءات البيروقراطية وهذا أضعف الإيمان، ونحن نعد بالأفضل والذهاب بالاتحاد إلى بعيدا.