يشهد المعرض الدولي للكتاب بمدينة الرياض السعودية من الفاتح أكتوبر الجاري إلى 10 منه، حضور رواية «نجم الدين صانع العطور» للروائية السعودية ريم عبد الباقي، التي أبدعت في تصوير لحظات الاحتضار الحرجة لشاب سعودي من أم جزائرية، حيث لم تقف عند هذا الحد، بل استرسلت في سرد تفاصيل خيالية لحقبة زمنية عاش من خلالها بطل الرواية مواقف متنوّعة جمعته بشخصيات تاريخية، وسجّل عبرها بصمته في عدة بلدان قادته إليها رحلته، وبالتالي جعلت منه أسطورة في صناعة العطور.
تعتبر رواية «نجم الدين صانع العطور»، التي تقع في قرابة 350 صفحة والصادرة عن دار بوك لاند، ثالث عمل للروائية ريم عبد الباقي، بعد كلا من روايتي «زهرة الصباح» و»وكأنّه لم يحدث من قبل»، وبالرغم من أن الرواية جاءت في طابع تاريخي وبشخصيات خيالية؛ إلا أنها تعكس صورة واضحة عن أهم أحداث فترة مهمة في تاريخ العالم أجمع.
رواية «نَجْم الدين صانع العطور»، تحكي عن شخصية خيالية، ترمز لحياة الإنسان بكل تفاصيلها، بدءاً من براءة الطفولة إلى طيش الصبا ثم مرحلة النضج، حيث تبدأ قصته من حيث تنتهي قصة أي إنسان آخر؛ على فراش الموت، وهو ابن التسعين من عمره، قبيل أن يسلم روحه لخالقه، فمن خلال تلك اللحظات الحرجة يستشعر ويرى وجود والدته الجزائرية التي حرم منها يوم مولده؛ فيحكي لها فيضًا من تلك الرحلة الطويلة المؤلمة التي بدأت منذ ولادته عام 1896 مرورا بأحداث وشخصيات ومواقف أثرت في حياته بشكل جوهري؛ كابن عمته المعاق ذهنيًّا، والذي أصبح بطريقة ما توأمَهُ وقصة فراقهما المغمور بشعور الذنب الذي حمله نجم الدين طوال سنوات عمره.
وفي ذات السياق، جاء في الرواية أيضا قصةِ جدة البطل نجم الدين وعمته اللتين كانتا تمثل له ذلك الأثر الطيب في حياته بشكل عام، إلى جانب لحظات رحيل والده في بعثة لتمويل الجامعة الإسلامية، مرورا بأهم الأحداث التي مرَّتْ على المدينةِ المنورةِ مسقط رأسه، وزمن السفر برا، إلى أن يسافر نجم الدين إلى إسطنبول ويلتقي بخاله الذي يجد فيه شخصية الوالد الذي حُرِمَ منه؛ ولكن بسبب لقائه بزمرد، وهي فتاة ألبانية الأصل وإنقاذه لحياتها؛ تتغير حياته ويضطر للهروب إلى الهند، حيث يقابل أشخاصًا يؤثرون في حياته ويتقن صناعة العطور التي ستصبح محور حياته وهويته، ثم يعود مرة أخرى لخاله الذي رحل الى دمشق، وبعد سنوات من الغربة وبطريقة غير متوقعه يعود إلى المدينة المنورة مرة أخرى ليجد المزيد من المفاجآت.
مقتطف من الرّواية
هل أصغيتِ من قبلُ يا أمّي إلى صوتِ السّكون؟
لا تتعجّبي..نعم صوتُ السكون..إنّه صوتُ تناغمِ الكون، وسكونُ العقلِ، وسكينةُ النفس.
كلُّها أصواتٌ لا تسمعينها إلا عندما يحلُّ السكونُ، عندما تُغلقين كلَّ حواسّكِ عمّا حولَكِ، ولا يبقى إلا ذلك الصوتُ المنبعثُ من داخلك..
تدخلين ذلك المحرابَ وحيدةً متجرّدةً، تتركين على أعتابه كلَّ ما لا ينتمي لذاتك، لعقلك، لقلبك، لوعيكِ الداخلي، وصوت ضميرك، تتجرّدين من أسمالِ الحياةِ، وتَخُطِّينَ بقدميكِ في تلك العتمة المريحة، ما بين الوعي واللاوعي حتى لا يعود للوجود
قيمة، تتمرّدين على رضوخك للرغبات العابرة الى حالة من الصفاء المطلق فتتحرّرين حتى من قيد جسدك..
في رحلة طويلة من البحث عن الذات والحكمة ينطلق نجم الدين من المدينة المنورة الى إسطنبول ومنها الى الهند في محاولة لجمع قطع أحجية حياته المبعثرة المتناثرة، حاملاً ذنبه وشوقه وحبه الضائع على عاتقه.