جاءت رواية «الحزن دساس» للكاتبة وردة مداس، بحلة فلسفية معمقة تحمل رسائل إنسانية، ومقاربات امتزجت ما بين الطابع السياسي والاجتماعي، تناولت عدة أفكار من بينها فكرة الانتماء بأبعادها الثلاثة الديني، القبلي والإيديولوجي، إلى جانب فكرة الطابو ومظاهره المتعددة المسكوت عنها وراثيا في المجتمعات العربية خاصة، كما تناولت الرواية النظرة الإبستمولوجية لدور الحب، الذي لا يعرف الحدود ولا يعترف أبدا بالقوميات.
وقفت رواية «الحزن دساس» التي جاءت في 126 صفحة، الصادرة عن دار ببلومانيا للنشر والتوزيع بمصر، على محطات قديمة جديدة ذات فحوى اجتماعي وبمدلولات سياسية، حيث كان الأسلوب البسيط لبناء أفكار الرواية هو الأنسب والأكفأ، للطرح المباشر المتمثل في رصد تلك الجملة القيمة من الاستفهامات التي حازت على الجانب الأعظم من القالب الفلسفي، الغالب على البنيات الجمالية والابداعية بداية من أول الرواية إلى نهايتها.
وفي ذات الصدد، صرحت الكاتبة وردة مداس لـ «الشعب»، بأن رواية «الحزن دساس»، رواية فلسفية سياسية اجتماعية تغطي ما يدور من أفكار تطال الشارع العربي والإنسانية على حد سواء، كما ذكرت أيضا بأن الرواية تتكلم عن فكرة الانتماء الذي يضع أبطال الرواية في سلسلة أحداث تبرز هذا الصراع في التعايش وعدم قبول الآخر.
وفي نفس السياق، أضافت المتحدثة حول فكرة الطابو التي حاولت توضيح خطورتها، كون أنها مازالت تعتبر هاجس المجتمعات العربية عموما المسكوت عنه غالبا، حيث قالت في هذه الجزئية: تطرح الرواية أيضا «طابو» جد خطير، وهو التحرش ومفهوم العذرية ومفاتن المرأة، فنحن مكبّلون بالعودة الماديّة لا الروحية لدوامة الوجود ومجتمعنا الغارق بذكوريته يلد شباب الذلّ والقهر، فنحن في هذا الشرق لا يوحّدنا سوى القهر الذي يتجسد في أبطال الرواية، الذين ورثوا الحزن وورثوه، وأكدت الرواية بكل تفصيل أن جذر الحزن هو اللاوعي المدفون بالأعراف والتقاليد والقولبة الجامدة.
مقتطف من الرّواية
كانت سارة سماء تتدلى عناقيد حيرة بتلك الحفلة الأندلسية ساعة داهمها سيل التيه الجارف وهي في مقتبل الحب، سيل يهوي وئيدا بها إلى أخاديد الأسى والوجع أين تحترق حقيقتها بخباياها المظلمة. انبثقت حرارة مسمومة من جلدها الأجوف ساعة جلس بقربها بالمقعد الخلفي بالسيارة، وهبت نسمة مسمومة من ماضي طفولتها، الذي جعل شبابها يتهادى في الضياع والحزن. أي خلل أصابها حين نظر في عينيها، حين أمسك بيدها لهنيهة من الزمن يساعدها على الخروج من السيارة عند وصولهم إلى المسرح. انه يقرع بحضوره باب مدينتها المشبوهة، يوقظ أصواتها المحبوسة بالأعماق، يدفع بها أن لا تقف على الحياد أمام صوت الأنثى الذي دفن بالقاع. ها هي الآن طفلة وليست بصخرة صلدة لكنها لا تقول، طفلة مبللة بالوجع تغرق وتطفو لكنها لا تصرخ، ها هي سنبلة صفراء تموجها بلطف ريحه الصيفية لكنها تخشى منجل الماضي فتلتزم الصمت.