الكاتب العراقي كه يلان محمد لـ«الشعب»:

أدب الأزمات فرصة لإعادة النظر في أحوال الإنسان

حوار :حبيبة غريب

العقلي والانحطاط الروحي نتيجة لتهميش الفلسفة

يرى الإعلامي والكاتب العراقي كه يلان محمد أن «على المثقف أن يلعب دور المراقب للتوتر النفسي والاجتماعي الذي خلفته جائحة كورونا وأن يسعى إلى نشر الهدوء والأمل في الأنفس « معرجا من خلال هذا الحوار «على العديد من النقاط الخاصة بتعامل النخبة مع الأزمة الصحية وكيف يمكن توظيفها في أدب الأزمات وفي البحث عن الإنسان».

- »الشعب»: ما هي في نظركم انعكاسات الأزمة الصحية التي تمر بها المعمورة على المثقف والفنان؟
 كه يلان محمد: باغت فايروس كورونا العالم وكان التحصن بالعزلة خياراً وحيداً في البداية لتفادي تداعيات هذه الهجمة الوبائية ولكن ما لبث أنَّ تبين أنَّ ذلك ليس حلاً أمثل فبدأت المساعي لإيجاد البدائل لهذا الواقع المُختنق والموبوء إذن لم يعد الفضاء مفتوحاً بوجه النشاطات الإنسانية وما زاد من صعوبة الموقف هو أن الانتظار قد طال قبل أن يرتفعَ الدخان الأبيض من صومعة العلم ما يعني أنَّ مساحة اللامتوقع في الحياة لاتزال أوسع. ومن الخطأ الحديث عن نهاية التاريخ أياً كان حجم المكتسبات العلمية والمنجزات التكنولوجية والحال هذه فمن الطبيعي أن يكون السؤال قائماً عن دور المثقف والفنان في الأزمنة المتأزمة هل يتمُ الاكتفاء بسرد الكوارث الطبيعية أو الإنسانية التي حلت بكوكب الأرض على مرِّ التاريخ؟ في الحقيقة لابُدَّ أن يلعبَ دوراً أكثر فعاليةً في متابعة أعراض هذا الواقع المرهق على المستوى النفسي والاجتماعي والسلوكي كما يمكنُ للمثقف أو الفنان المشاركة في إعادة الهدوء إلى الأنفس المتوترة، من خلال نشر المواد التي تؤثر إيجابياً على نمط التفكير. صحيح أنَّ المثقف قد خسر كثيراً من رصيده مقابل القيام بأدوار شكلية وحضور باهت إلى أن تحولَ إلى ملحق للكيانات المؤثرة في الفضاء العام غير أنَّ الأزمات الكبرى هي بمثابة اختبار مصيري لأصحاب المشاريع الفكرية والثقافية. وقد تسفرُ هذه التحولات عن التبدل في المواقع والأدوار وقد شهدُ العالم بأسره بأنَّ ما تحتاج إليه المجتمعات هو وجود الكوادر الطبية والعلمية فيما قد بدا السياسيون أقلَ تأثيراً وفقدوا زمام المبادرة على كل المستويات، والأخطر من الأزمة الوبائية هو أن يستوعبَ العالم متطلبات مرحلة ما بعد كورونا ونحن نتراوحُ في محطات الترقب.
- سنة أخرى من التصدي لوباء كورونا موجات عدوى، مصابين وقتلى ولقاح وبروتوكول صحي بتعليمات صارمة ...هل يمكننا القول أن الإنسان قد اكتسب التجربة اللازمة للتعايش والتكيف مع الجائحة ومستجداتها؟
 طبعا يكتسبُ الإنسان خبرة فالضربة التي لا تقضي عليه تزيدهُ قوةً على إدارة الأزمة والتقليص من آثارها على المجالات الحيوية. نجحت الدول الأوروبية في تنظيم بطولة رياضية على مستوى القارة كذلك أقيمت دورة الأولمبيات في اليابان كل ذلك مؤشر إلى أنَّ العالم على طريق التعافي النسبي وأصبح الجميع أكثر إدراكاً لقيمة الحياة والعيش على هذا الكوكب.
- كيف تتعامل مع الجائحة وهل كان لها أثر ما على موهبتك وإنتاجك الإعلامي والأدبي؟
 في البداية، استفدت كثيراً من الوقت وبدأتُ بقراءة الكتب والروايات التي تفيدُ لدعم المناعة النفسية إذ وجدت بأنَّ العودة إلى نيتشه ضرورة ملحة في هذه المرحلة لأنَّ فلسفته تقومُ على تقويض الوهم ورفض الشكوى ناهيك عن احتفائها الحميم بالحياة، وحاولت حتى خلال إصابتي بالوباء متابعة بعض العناوين التي تتناول إمكانية تحويل التجارب الحياتية إلى فرصة لمراجعة أجندتك غير أنَّ الإرهاق والقلق قد استنفد الطاقات والمشكلة الأساسية هي أنَّ هذا الوباء يطوع المصاب رغما عنه أداةً لغزو الآخرين ومن هنا تشتدُ أعراض الحالة النفسية.
- هل وفقت الأنشطة الفكرية والفنية في ملئ الفراغ الذي خلفه إلغاء وتوقيف البرامج الثقافية بسبب الجائحة؟
ما أن أعلن الإغلاق العام على مستوى العالم بأسره وانسحب الجميعُ إلى المساحات المحدودة حتى بدأت النشاطات الثقافية والفنية في الفضاء الافتراضي، طبعا أنَّ ذلك كان له دور إيجابي في تخفيف من هيمنة العزلة وإلى الآن ثمة مبادرات لإجراء الحوار وإطلاق البرامج من خلال منصات بديلة.
- هل نحن على أبواب عصر أدب الأزمات أو بالأحرى هل سيرافق كورونا كتابات المؤلفين في السنوات القادمة؟
موضوع الأوبئة ليس بجديد في الأعمال الأدبية ولا ينفصل الأدبُ عن واقع الحياة وما يختبرهُ الإنسان من التجارب المتعددة كما لا يخلو من البعد النبوئي، ودور الأدب يتمثلُ في ردم الفجوة القائمة بيننا وبين الحقيقة المنسية وهي أنَّ المصير الإنساني مترابطُ، فبالتالي الانتماء إلى الإنسانية هو ما يشتغل عليه الإبداع الأدبي ومن هذا المنطلق يتعاطى مع الظواهر البشرية والطبيعية.
- أنت من المرافعين على ضرورة تمركز الفلسفة في الخانات الأولى من الاهتمامات والدراسات والتعليم هل ما آلت إليه الساحة الثقافية العربية هو من نتائج إهمال الفلسفة؟
إذا لاحظت أنَّ الاهتمام بالفلسفة قد ازدادت في الآونة ولاسيما الجانب التطبيقي من هذا النشاط العقلي والهدف من الفلسفة هو تحسين نمط التفكير يقول ديكارت أنَّ حسن التفكير يؤدي إلى حسن السلوك إذن لا يمكن الحديث عن قيمة التسامح والتعايش والفضيلة قبل تنظيف العقل من الشوائب الخرافية كما تنظفُ المداخن. لاشك أنَّ ما نعانيه من الكسل العقلي والانحطاط الروحي وغياب الإرادات المبادرة هو نتيجة لتهميش الفلسفة لا يتوقع وجود الثقافة العقلانية الجريئة دون الاهتمام بالفلسفة ولكن مع الأسف الحملات متواصلة لحقن العقول بالشعارات الغوغائية الفارغة لذلك لا استغراب من التقهقر إلى الوراء والمشي بعكس اتجاه حركة التاريخ.
- رسالتكم للجميع في هذه الأوقات الصعبة؟
العودة إلى القيم الإنسانية الرفيعة والإيمان بأن الحياة فن قبل أن تكون طموحاً بلا حدود.
- هل من مشاريع جديدة؟
يجبُ أن نتعامل مع كل يوم باعتباره مشروعا جديداً ونقدر أشياء بسيطة ولعلَّ أهم مشروع بالنسبة للجميع هو اكتساب القوة على الفرح.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024