الروائية جميلة طلباوي ترافع عن أدباء الجنوب وتؤكد:

نصوصـي فصل من تاريـــخ سيبقــى للأجيال

نورالدين لعراجي

 التجارب الإنسانية الجزائرية غنية بالأحداث المفصلية

 جمعت بين الكتابة والإعلام فتألق إسمها في سماء الأدب، عرفها المستمع عبر الأثير من خلال برامجها الإذاعية بينما عرفها القراء عن طريق إصداراتها الأدبية في مختلف الأجناس من الشعر إلى القصة القصيرة وصولا إلى الرواية، ابنة الساورة ببشار جميلة طلباوي تؤكد في حوار مع الشعب أن ثراء التجربة الإنسانية عند الجزائري تجعل نصوصه عميقة مميّزة، لأنه عرف القهر والظلم على يد أكبر قوة استدمارية وثار ضدّها في ثورة تحريرية مجيدة اعترف بها العالم كله وافتك استقلاله، ثمّ واجه عشرية سوداء لم تبق لا على الأخضر ولا على اليابس، ثمّ عاش حراكا غيّر الكثير من واقعه كلّ هذا يجعل النص الجزائري أكثر إنسانية وصدقا ليفتك التميّز والجوائز في المحافل الأدبية.
الشعب : من ياسمينة خضرا مرورا بحسين فيلالي وصولا إلى جميلة طلباوي أين هي صاحبة «وردة الرمال «من هذه التجارب الأدبية ؟
الروائية جميلة طلباوي : بداية لنؤكّد على اسم كاتب لطالما سقط سهوا ولم يأخذ حقه من التعريف وهو محمد ولد الشيخ آغا الذي كتب رواية مريم بين الرمال عام 1936، هذه التجربة الرائدة أعتقد أنّه وجب الارتكاز عليها عندما يتعلّق الأمر بالحديث عن التجربة الأدبية في منطقة الجنوب الغربي الجزائري، ثمّ يأتي ياسمينة خضرا ابن مدينة القنادسة ويأتي الراحل حسين فيلالي رحمه الله، كلّها أسماء كبيرة وجميلة.
 لي الشرف أنّه تجمعني بها بيئة واحدة ووطن واحد وذاكرة شعبية واحدة، لذا أجدني صوتا أدبيا ينهل من نفس مناهلهم، لأكتب ذاتي، لأكتب الصحراء، لأكتب الإنسان، الآخر المختلف عنّي، لهؤلاء الكبار السبق والريادة ولي إيماني الكبير بأنّ النصوص التي نكتبها هي فصل من تاريخ سيبقى لأجيال، فهي عصارة الفكر والروح ،و هي ترجمان لنبض الأماكن وأسرار التاريخ وأثر الإنسان في هذا الجزء من الوطن الغالي .

- كيف ترين المشهد الثقافي في بشار وهل له تأثيرا على كتاباتك ؟
 مدينتي الجنوبية بشار أنجبت أسماء أدبية ذاع صيتها داخل وخارج الوطن مثل ياسمينة خضرا، مليكة مقدم، حسين فيلالي، عبد القادر بن سالم، عبد الرحمان مزيان، محمد جابري، عبد الحفيظ بن جلولي، وليد خالدي، عبد الرحيم بلغنامي، زين نور الدين، بوقربة لطفي، بوقربة عبد المجيد، حسين بوحسون، كواري مبروك، بركة بوشيبة ...و غيرها من الأسماء التي قدّمت إصداراتها في الرواية والشعر والدراسات النقدية ،كما أنّها تتوفر على هياكل ثقافية مهمة نذكر منها ،دار الثقافة، المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية، مكتبات في كل بلدية من بلديات الولاية، مسرح جهوي، مسرح الهواء الطلق، معهد الموسيقى، السنماتيك.
 لكن عندما يتعلق الأمر بالحديث عن المشهد الثقافي فهي كعديد المدن الجزائرية ظلّت ملتحفة بالصمت ولم تصنع عاداتها الثقافية التي تجعل القاعات تكتظ عندما يتعلق الأمر بالمحاضرات وبالأمسيات الثقافية والشعرية، وهي لن تستقطب ذلك الجمهور المفترض أن يكون متعطشا لمعارض الفنون التشكيلية والعروض المسرحية .
كما أنّه كان جديرا بعاصمة الساورة أن تنظم سنويا ملتقيات أدبية وفكرية وأيام للمسرح، مثل هذه التظاهرات يمكنها أن تصنع جمهورا مثقفا وأن تخلق عادات ثقافية وأن تكرّس لفعل القراءة والانفتاح على مختلف الفنون الأخرى، لكن للأسف نلاحظ بأنّ بشار خسرت بعض التظاهرات التي كانت تنظمها مثل عكاظية الشعر الشعبي ومهرجان الفيلم القصير، وبقي المهرجان الوحيد المتعلق بموسيقى الديوان والذي كان بالإمكان الاستثمار فيه لتكون على هامشه أنشطة أدبية وعروض مسرحية وإبراز لفلكلور المنطقة خاصة وأنّ بشار منطقة سياحية تتميّز بمناظرها الخلابة التي تجعل من تنظيم الأنشطة الثقافية بها فرصة للتعريف بهذه الإمكانيات السياحية، وفرصة لتكون ملهمة للشعراء والكتاب والمبدعين في مختلف الفنون الأخرى، وفتح لشهية الباحثين والدارسين للبحث في شواهدها التاريخية وما تكتنزه من تراث مادي ولا مادي .
لكن كل هذا لم يحدث ممّا يجعل الواقع بائسا لولا محاولات لرسم المشهد الثقافي بألوان أكثر بهاء تقوم بها أندية وجمعيات ثقافية تحاول جمع شتات المبدعين وعشاق المطالعة مثل نادي تنوين ومنصة إضاءة، ونادي بشار تقرأ وجلسات المقهى الأدبي وكاتب وكتاب، هي عادة تنشط بالمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية لولاية بشار بمبادرة وتشجيع من مديرها السابق عادلي أحمد. وقبل أن تعطل جائحة كورونا حياتنا كانت صالونات الكتاب بدار الثقافة للمدينة وبالأروقة الجزائرية سابقا تعج بعشاق الكتاب والقراءة .
-   وماذا عن الإبداع في ظل أزمة كورونا ؟
لا بدّ لي أن أقف عند مرحلة جائحة كورونا التي عشنا فيها ضغطا كبيرا لولا تدخل مديرية الثقافة لولاية بشار وبفضل إطاراتها الشابة التي بادرت إلى خلق منصات في العالم الافتراضي كانت متنفسا حقيقيا للكتاب والمبدعين وجمهور الثقافة .
أمّا عمّا أضافه المشهد الثقافي لكتاباتي فهو تلك المتابعة النبيلة لرواياتي خاصة الخابية، وادي الحناء وقلب الإسباني من طرف نقاد من مدينتي وبالمناسبة أتقدم بالشكر الجزيل للأساتذة الأفاضل عبد الحفيظ بن جلولي، حسين بوحسون، ووليد خالدي، هذه المتابعة كان لها أثرها الطيب في لفت انتباه الجمهور إلى هذه العناوين التي وجدت لها طريقا إلى الجامعة ومذكرات الطلبة بفضل الأساتذة الأفاضل بكلية الآداب واللغات بجامعة طاهري محمد ببشار والذين أحييهم بالمناسبة .

- بين الأثير والكتابة الإبداعية هل هي علاقة تكاملية في مسيرتك الكاتبة جميلة أم أن العمل الإذاعي يقبر الإبداع؟.
الميكرفون صديقي وملاذي ونافذة أخرى لي إلى دواخل الإنسان وعوالم الجمال، لذا فلقد كانت علاقته بكتاباتي علاقة تكاملية، فالأديبة التي تسكنني أضافت لعملي الإذاعي وعملي الإذاعي أيضا أضاف لي فيما يتعلّق بالتجربة الإنسانية واستكشاف أغوار الصحراء من خلال الجولات الإذاعية التي قمت بها إلى قصور وواحات الساورة .
أمّا أن تكون الإذاعة مقبرة للإبداع فاعذرني إن لم أوافقك على هذا المصطلح، صحيح أنّ العمل الإذاعي قد يسرق وقتك وجهدك وتفكيرك، لكن بالمقابل هو يخلق داخلك نوعا من التحدي لاستكمال مشروعك الأدبي الذي بدأته، ولعلّ أصعب مرحلة في مسيرتي الإذاعية شعرت فيها بأنّه لا يمكنني أن أكتب مرّة أخرى وبأنّ روايتي التي أشتغل عليها حاليا لن تكتمل أبدا هي المرحلة التي عيّنت فيها كمديرة بالنيابة، والسبب يعود إلى رغبة ملحة داخلي في ترميم مقرّ الإذاعة .
 كنت أقول دائما بيني وبين نفسي بأنّ إذاعة بشار التي تأسست في 20أفريل 1990 يليق بها مقر أجمل بكثير، لذا تحولت بين ليلة وضحاها إلى مقاولة، فانصب تفكيري إضافة إلى تسيير الإذاعة على طريقة للحصول على الإسمنت والبلاط ومختلف مواد البناء والأبواب والكراسي والطاولات، كانت تجربة صعبة .
 لكن في نفس الوقت كانت مغامرة لذيذة وجميلة، رغم التعب وجدت نفسي وفي ظرف خمسة أشهر غيّرت وجه المقر بشكل كبير وهذا بفضل المساهمين والقلوب الطيبة التي ساندت مشروعي ،لكن بعدما أخذت قسطا من الراحة مؤخرا عدت أقلب صفحات روايتي الجديدة لأنقحها قبل أن تأخذ طريقها إلى المطبعة وتصير كائنا مستقلا عنّي يملكه القارئ.

-  مابين القصة ،الشعر والرواية أيهما الأقرب إلى جميلة الإنسانة تعبيرا؟
 بين الرواية والقصة والشعر أقول بأنّني ساردة وتسكنني شهرزاد التي تؤمن بأنّ الحكي هو سبيلها للخلاص.

-  هل توقفت بوصلة الإبداع بعد روايتك «قلب الاسباني « التي طبعت سنة 2018 ؟ ام ان المسيرة لا تزال مستمرة ؟
 بعد روايتي قلب الإسباني التي صدرت عام 2018 وافتكّت جائزة يمينة مشاكرة عام 2019 أشتغل منذ ثلاث سنوات على رواية جديد أعطيها من الوقت كي تنضج كما يليق بقارئ ينتظر منا أن نقدّم له نصا يشبهه .

- النصوص الجزائرية تحتل مكانة مميزة في المشهد الأدبي العربي، أي الظروف التي ساعدت في ذلك حسب رأيك ؟
 إنّ ثراء التجربة الإنسانية عند الجزائري تجعل نصوصه عميقة مميّزة، فالجزائري عرف القهر والظلم على يد أكبر قوة استدمارية وثار ضدّها في ثورة تحريرية مجيدة اعترف بها العالم كله وافتك استقلاله، ثمّ واجه عشرية سوداء لم تبق لا على الأخضر ولا على اليابس، ثمّ عاش حراكا غيّر الكثير من واقعه كلّ هذا يجعل النص الجزائري أكثر إنسانية وصدقا ليفتك التميّز والجوائز في المحافل الأدبية .

جميلة طلباوي في سطور

صدر للكاتبة جميلة طلباوي عدة أعمال أدبية من بينها» شظايا « وهي مجموعة شعرية، ثم أصدرت رواية قصيرة تحت عنوان» وردة الرمال « ثم رواية آخر قصيرة « شاء القدر « عام 2006 ،لتليها رواية أخرى «أوجاع الذاكرة» وأعمال إبداعية مثل « كمنجات المنعطف البارد»، «الخايية»، «وادي الحنّاء»
قلب الإسباني «و قصص أخرى منشورات اتحاد الكتّاب العرب دمشق 2008 ،كما نشرت العديد من الأشعار والقصص القصيرة في الصحافة الوطنية والعربية ومتحصلة على عدة جوائز من بينها أحسن قصة قصيرة نلتها في مسابقة أدبية نظمتها جمعية أحمد رضا حوحو ببشار .

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024