رحل الكـروان.. يا سعيــد

نورالدين لعراجي

من الصعب أن يدلي الإنسان بشهادته في حق صديق رافقه لأكثر من ثلاثة عقود ونيف وبين ليلة وضحاها يصمت صوته للأبد، يصمت الشاعر سعيد كروان وتصمت معه قصائد الحب لتنخرط في تعويذة حزينة بعدما افتقدت كروان حروفها ووهج فوانيسها.
بقيت علاقتنا في تواصل دائم وامتداد لم ينقطعان رغم كل الظروف التي عرفتها الجزائر في العشرية السوداء، فكنت عندما أعبر الطريق السيار شرق – غرب أعرج على مدينة خميس مليانة فنحمل بعضنا البعض ونعرج إلى ضريح الولي الطاهر بن يوسف الغبريني، نتنفس الصعداء هناك على امتداد شموخ جبال زكار، وبركات عين سور، حيث أجده في بيته يقاوم جحود الأمكنة وافتقاد الفضاءات الثقافية.
أخبرني ذات ليلة أنه سيحضر اجتماعا بجريدة الشعب خصّص لمراسلي الجهة الوسطى للوطن حيث طلب رأيي في الموضوع، وأخبرته أن الأمر لم يعد بيدي، لأنني لم أعد أشرف على هيئة التحرير وأنا الآن اشتغل بالقسم الثقافي وسأكون في صبيحة الجمعة متواجدا بقاعة التحرير يمكن أن نلتقي ونتحدث، ومثلما كان التقينا في آخر محطة بيننا بشارع الشهداء قبل ولوجه القاعة الكبرى وكان يحضر معنا عميد المراسلين بجريدة الشعب الحاج محجوب اعرايبي الذي كان يغطي ولايتين وهما الشلف وعين الدفلى، حيث صارحني ساعتها أنه إذا أصر محجوب على تغطية أخبار عين الدفلى فإنه لن يسمح لنفسه بمزاحمة صديقه إلا إذا تنازل هذا الأخير على تغطية ولاية واحدة مسقط رأسه، ولن أكون سببا في حرمانه من ذلك، هكذا كانت أخلاق الفقيد كروان.  
عرفت الشاعر المتمرس كروان سعيد مع مطلع التسعينيات من القرن الماضي، عرفته شاعرا لا يشق له غبار متمكن في مغازلة الكلمات فتأتيه طوعا محملة على طبق من التميز والإبداع، فهو من جيل الشباب الذين فجروا كينونة اللغة وجعلوا من وهجها نبراسا وسراجا، ولم تخذله الأيام ولا المواقف ولا حتى الظروف التي عاشها أبناء جيله خلال الأزمة الأمنية التي مرت بها الجزائر، فكروان شق فتوحات الشعر وحده وله فتوحات مع انتصارات سابقة في المشهد الثقافي بعين الدفلى وعبر عديد ولايات الوطن.
هاهو النورس المغرد كروان يصنع الاستثناء في هذا الزمن ليغرد هذه المرة خارج السرب تاركا الأحبة والأصدقاء من مبدعين وكتاب، يتامى يذكرون بعثه الإبداعي شعرا من خلال إصداراته وقصائده، وللنقاد الوقوف عند تجربته في الكتابة الشعرية التي أذهلت كبار الكتاب والنقاد وجعلت الدكتور عبد الله الركيبي رحمه الله لما كان استاذا بجامعة الجزائر يتنبأ له بذلك في أمسية شعرية احتضنتها قاعة النفق الجامعي بالعاصمة سنة 1994 قائلا في حقه «الجزائر ستكون فخورة بك شاعرا في مقام نزار ودرويش وسميح القاسم «، فالشاعر لا يحتاج إلا لحظة حب صادقة.. وداعا أيها السعيد. .. وداعا أيها الكروان.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024