«وسم جزائري»... الحلقة المفقودة؟!

فتيحة كلواز

هي حرف تقليدية تصنع أنامل أصحابها تحف فنية اكتسبت تفاصيلها عبر مراحل متعددة فكانت تلك الرموز و الرسوم بمثابة كتاب مفتوح على تاريخ الجزائر و شاهد عيان لم يمعنه زمان مضى ولا مكانٌ تعرض لتغيرات كثيرة منذ أول إنسان وطئت قدماه هذه الأرض الطيبة من إعطاء الحاضر كل أسرار الماضي وان مات الإنسان الذي صنعه، ليكون الحاضر يعيشه ماضيه في معادلة صعبة اسمها الحرف التقليدية.
لن تكون تلك التفاصيل الدقيقة من ألوان و خطوط و أشكال و مخططات بناء بل حتى الأكل الذي عرفت به الجزائر إلا خليطا متجانسا لتطور حضاري كان قبول الآخر ترياقه السحري الذي صنع الخصوصية و التميز في الحرف التقليدية التي نعرفها اليوم فكانت كل منطقة من الشمال إلى الجنوب و من الشرق إلى الغرب تروي تحفها التقليدية حكاية إنسان عاش في تناغم تام مع الطبيعة التي احتضنته فكانت حاضرة في كل ما صنعته يده من تحف سواء كانت فخار أو معادن أو خشب.
لكن رغم الغنى و الثراء و رغم التنوع و التميز لم نستطع أن نجعل للمغرب الأوسط أو الجزائر وسما تاريخا خاصا بنا، ما جعل حرفنا التقليدية تائهة بين مغربي و تونسي و بين أندلسي و تركي رغم أن الواقع يقول و بالأدلة أنها مزيج لا يتكرر لكل الحضارات التي مرت ذات يوم من هنا، بل وصل الأمر إلى سرقة هوية بعض الحرف بإعطائها جنسية أخرى و كأننا لم نكن يوما و لم نعرف الحضارة إلا منذ عهد قريب أو أننا وجدنا في الألفية الثالثة من العدم.

 الحرفي ملزم بمعرفة تاريخ صنعته

لعل السؤال الأهم لماذا لا يستطيع معظم الحرفيين إعطاء المهتم بالتحف التي يصنعها ذاك الزخم التاريخي التي تميز حرفنا التقليدية؟، لماذا يعجز عن فتح ممر عبر الزمن ليروي له حقائق تاريخية وراء صنع تلك التحفة التي يبيعها؟، لماذا تحول التحفة إلى مجرد رقم فيه ربح أو خسارة، ألا يعي القائمون على هذا المجال إن البعد التاريخي للحرف التقليدية هي الإضافة الحقيقية التي تجعلها عالمية لأنها الخصوصية التي تحولها إلى عملة نادرة او لنقل ورقة هاربة من الزمن الماضي ، إذا لمستها فكأنك في رحلة عبر التاريخ فتكون في لحظات آلة الزمن التي طالما حلم بها الإنسان.
هي الخلفية التاريخية بكل ما تعنيه الكلمة غائبة عن معارض الصناعات التقليدية و الحرف التي تقام هنا و هناك بل الرمزية التاريخية للمنتجات الحرفية غير موجودة بل يجهلها الكثير من الحرفيين لان الحرفة بالنسبة لهم مجرد مهنة تفتح لهم بيتا تسد أرباحها المادية حاجياتهم اليومية،لكن الأكيد أن العبء لا يتحمله الحرفي وحده فانعدام ارادة حقيقية من السلطات المعنية، من خلال عملي المتواصل كصحفية في معارض الصناعات و الحرف التقليدية غالبا ما يكون حديث العارضين محصورا في نقص  المواد الأولية أو قلة الزبائن و المهتمين بشراء تلك المنتجات التقليدية أما أن يحدثك عن الحرفة كتاريخ أو كتاب مفتوح على الماضي فلا.
هذا ضرب حقيقي للخصوصية الجزائرية و لعل قلة التكوين والاطلاع حوَلنا إلى مجرد مقلدين لجيراننا أو آخرين ممن سكنوا جنوب أوربا لأنه ذوبان صريح في الآخر و اضمحلال مُخزٍ يجعلنا مع مرور الزمن غير مرئيين كـ»وسم جزائري» له خصوصيته و ميزته التاريخية المنفصل عن أي وجود آخر فوق الكرة الأرضية، بل وصل ببعض الفنادق عندنا إلى تأثيث غرفهم بمنتجات تقليدية لجيراننا خاصة التونسية و مغربية عوض اختيار منتجات تقليدية جزائرية، لتجد نفسك لا شعوريا غريبا في مكان كان من المفروض أن يتحدث جزائري في كل شيء موجود داخله.


 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024