تكلم الباحث عبد القادر عامر حميدة في كتاباته بلغة غير تلك المعهودة في البحث الديني فأنتج فكرا وجدناه قد جذب إليه القارئ الذي يبحث دائما عن الجديد، هذا التجديد الذي قد أجاب بحسب أهل الاختصاص على الكثير من الأسئلة التي تراود الباحث عن الحقيقة المطلقة عند لحظة انعزاله عن العالم، ودخوله في وجودية «الأنا» المحققة بالتفكير. دكاترة وعلماء باركوا كتاباته؛ بل ومنهم من شرح بعض أفكاره، هذا القبول جعلنا نسلط الضوء على بعض أفكاره؛ فكان لنا معه هذا الحوار.
- الشعب: ما الجديد في كتاباتك؟
عبد القادر عامر حميدة: سؤال لو طُرح على القارئ لكان أفضل وأحسن جوابه: ربما وجدت نفسي وعلى سبيل المثال؛ قد أعدت صياغة النظام الغيبي في مادته الأهم، والمتمثلة في موضوع القضاء والقدر؛ بطريقة طرح لم أُسبق إليها .. طريقة كانت نتائجها تتجاوب مع المادة الأصل في هذا الموضوع؛ نتائجها تعتبر نقطة التقاء مع بعض ما قيل داخل مدارس متنافرة كالمدرسة الصوفية ممثلة في أقوال شيخها الأكبر، والمدرسة السلفية ممثلة في أقوال جهبذ من جهابذتها ممن وصلت إليه الرياسة على هذا الطريق.
- حدّثنا عن هذه الطريقة..
الحديث عنها سيأخذ منا أكثر من هذه المساحة المتاحة لشخصي على صفحة جريدتكم المحترمة، باعتبار أننا نتكلم عن فضاءات فكرية متداخلة مع بعضها البعض تحتاج إلى الكثير من التفصيل؛ إلا أنّ هذا لا يمنع من أن أُشير في عجالة إلى بعض المفاهيم التي تمخضت عن طريقتي المقترحة كمفهوم المتعلق بالموضوع السالف الذكر المتعلق بالقضاء والقدر، والذي أرى فيه بأن القدر يعد الأساس الذي يقوم عليه هذا النظام الوجودي بينما القضاء يعد المادة التي تحفظه في استمراريته. كذلك ما يتعلق باللوح المحفوظ والكتب المتولدة عنه المتمثلة في الصحائف التي بين أيدي الملائكة، موضوع مشحون بالتناقضات في الثقافة الإسلامية؛ كانت لنا رؤية فيه أرغمتنا على وضع المصطلحات كـ: كتب نسبية، كتب مطلقة، إلى غير ذلك من إعادة صياغة الأساسيات المتعلقة بهذه المادة وفق املاءات الطريقة المقترحة.
- ذكرتم سيدي كتب نسبية، كتب مطلقة، هل تفضلتم علينا بالشرح بإعتبار أن المصطلح قد سيق من شخصكم الكريم.
نعم بكل سرور؛ «كتب نسبية» بمعنى كتب أقدارها مقيدة بغيرها غير مطلقة الأحكام، ومصطلح «كتب مطلقة» أي لا تقبل الاحتمال». أيضاً؛ الرباعية التي عادة ما يبدأ بها في مثل هذا الموضوع والمتمثلة في «جماد، نبات، حيوان، إنسان» اختزلناها لتصير «معطى، اختيار»؛ اختيار في حد ذاته يُعد معطى له قوابل امكانية في العالم المستقبلي. رؤية في مجملها تفصح عن مسيرة الإنسان الدنيوية المتراوحة بين التخيير بين أقدار الله والتسيير إلى ما قضاه الله. وهذا المفهوم في حد ذاته جواب مختصر للسؤال الأبرز على هذا الطريق .. «هل الإنسان مسير أم مخير»؛ مفهوم لطالما كان معلَمه مفقود.
- على أي أساس قام بناء هذه المفاهيم؟
هذه الطريقة مستنبطة من بعض القواعد التي إرتكز عليها علم البرمجة الحاسوبية، وُظفت على بعض التفسيرات القطعية فأنتجت بناءات فكرية قد يراها من بعيد؛ من بصره في الفكر حديد. هذا لأننا في الحقيقة في جو يستثنى من رؤية المحاولات الجادة لاعتبارات كثيرة نضع في الوقت الراهن تحتها الكثير من الخطوط.
- وجدناك في كتابك الأخير تنتقد المهندس محمد شحرور في مسألة العلم الإلهي بطريقة ساخرة.. كيف تفسر ذلك؟
أتعتقد أنها كانت كذلك.. لقد وجدت أن هذا الأخير قد تكلم عن أشياء لا تحتاج إلى معادلات لتفنيدها. مثلا وعلى سبيل المثال؛ يرى هذا الشخص بأن علم الله علم إحتمالي، وأنه ليس في علم الله إحتمال مرجح معرفيا على إحتمال آخر؛ بل كل الإحتمالات في علمه متساوية سواء التي إختارها الإنسان أو التي لم يخترها دون تمايز معرفي مسبق بينها، هذه الرؤية الجديدة في نظر معتقدها جعلته يعتقد أن القرارات التي يتخذها الإنسان ويعزم عليها لا يعلمها الله إلا حينما يختارها الإنسان من جملة الإحتمالات التي تكون واردة أمامه؛ فيتحول بها علم الله من علم احتمالي إلى علم يقيني. يرى أن الله لا يعلم في الأزل إن كان أبو جهل سيؤمن أم سيكفر؛ علمه في هذا يبنى على الاحتمالات بنسب متساوية، يتحول هذا العلم من باب الاحتمال إلى باب اليقين بعد أن يقرر أبو جهل وجهته المختارة مع عدم وجود فارق زمني بين لحظة القرار وعلم الإله كما يقول؛ بمعنى أن أبا جهل أو كما ذكر في مثاله عن ذلك أعلم من الله تعالى لأن الترتيب هنا قد فرضته العبارة. هذه النظرة تجعل الإله كائنا متزمنا أو قل «متأنسنا»، في حين أن التأله قد أضحى من طبيعة الزمن. كيف لا وهذا الأخير قد كوّن حاجزا غيبيا يفرض نفسه دائما بالقوة عند كل نقطة من النقاط الزمنية المتدفقة بين حاضر الإله ومستقبله .. مع هذا الطرح «الإله» مجرَّد من صفات الكمال، غير مؤهل لأن يُعبد، وهذا وهم فاحش محال على الله تعالى.
- دعنا نتكلم عن بدايتكم مع هذه الأفكار؛ كيف كانت؟
كانت مع كتاب «أسلوب حياة، البرمجة الربانية من منظور إبداعي» الصادر سنة 2010، هذا الكتاب الذي رأى فيه البعض الجانب التطبيقي لأفكاري. هذا الذي تبلور نتاج اعتقادي بوجود تقاطعات بين ما وجدته في كتب التفسير عند بعض الآيات وبعض المفاهيم الحاسوبية عالم الرقمنة المنبثق من القرآن «الكتاب المرقوم» هذا الكتاب الذي جمع بين عوالم مختلفة؛ «عالم الأمر التكويني، الملائكة، عالم الأعمال والإنسان»، وفسر تلك التحولات الغيبية للأقدار من شقها المعلق إلى شقها المبرم. كل هذا وغيره شرحته في كتابي «المعقبات بين العلم والدين – مفاتح الغيب» الصادر سنة 2015، عند تطرقي فيه إلى الجمع بين الرؤى التفسيرية المتعلقة بمطلع الآية الحادية عشرة من سورة الرعد.
يعيب عليكم بعض النقاد عدم تسويق أفكاركم من خلال ملتقيات أو ورشات عمل، وعدم طرحها بشكل آخر خارج ما يسمى بـ: «كتابة كتاب». هذا لأن صناعة إسم في المجال الفكري تتطلب ذلك. واسمك أستاذنا الفاضل مع احترامنا لشخصكم الكريم لم يُشِّع بعد، هذا بالرغم من ثقل ما تحملونه من أفكار.
ربما الكتابة في الفكر لم تستهوينا لذاتها وإنما شغف البحث عن الحقيقة فعل فعلته بنا ففاضت عنه ورقات بحثية قد يكون لهذه الورقات عمراً آخراً بعد رحيلنا نأمل ذلك التاريخ علمنا أنه ينصف دائما الأفكار الجادة ويُخلد أصحابها. يكفيني من كل هذا أنني اشتغلت بطريقة مختلفة على المطلق إشتغلت عليه حباً فيه لا حباً في الطريقة هذا الإختلاف في المعالجة؛ سيذكر التاريخ حكايته كلما نطق المطلق بالجديد.
- بمعنى؟
اعلم سيدي الفاضل أنه وبالرغم من كلامكم الصحيح والصريح إلا أنني قد تلقيت بعض الدعوات للمشاركة في ملتقيات وأمسيات. كان من بين تلك الملتقيات التي دعيت للحضور فيها بمداخلات؛ الملتقى الدولي الحادي عشر للشيخ عبد الجبار التيجاني الذي أقيم بولاية الأغواط سنة 2016. كذلك ومن حين إلى آخر تصلني بعض الدعوات من جمعيات ناشطة في المجال الفكري من داخل الوطن وخارجه. أيضا أُبشرك سيدي إن كان في هذا الخبر ما يُفرحكم، أنني أعمل على إعداد حصة تلفزيونية مع فريق عمل وجدت فيه المحرك الذي سيُسيِّر عربة «ما نعتقد» إلى أماكن تواجد المشاهد الذي يبحث عن هذه الأفكار. سيكون ظهورها قريبا إن شاء الله.
-نتمنى ذلك .. كلمة أخيرة
في الأخير أشكرك سيدي الفاضل على هذا الاهتمام، كما أشكر من خلالكم السادة القراء على اختيارهم لهذا المنبر الإعلامي؛ هذا لما لمسناه ووجدناه من كرم الضيافة وحسن الإلقاء والإصغاء. تحياتي.