الروائي الأردني صبحي فحماوي هو الذي تألق في سماء الإبداع، وحملت رواياته العربية البعد الإنساني والروحي، والرؤى الفلسفية الكّاشفة، حيث جسد فيها الروح العربية الأصيلة في كشفه عن هذا الواقع المتأزم، ونقده له، من خلال تعبيره عن الإنسان، وعن الطبيعة، وعن الحياة وما تحمله من مفارقات في صور ربما تبدو مضحكة وساخرة كمعنى ظاهري، ولكنها في حقيقتها تحمل واقعاً مراً ومبكياً كمعنى باطني خفي لا يظهر للعيان، وهذا هوأسلوب السخرية الذي ليس مجرد طريقة لإمتاع القارئ وإضحاكه، وإنما للكّشف عن تركيبة هذه الحياة، فهوالوجه الأكثر فاعلية في نقد الظّلم والقهر والقمع في شتى صوره، وإبراز وجه المفارقة والتّناقض الذي يكسوالواقع ويغطيه.
هذا ما استعمله الروائي صبحي فحماوي في أغلب رواياته التي عبر فيها عن الواقع وأبرز آلامه، بطريقة هزلية، هادفاً إلى إصلاح هذا المجتمع وتطويره، ومهاجمة الفساد، وإعادة صياغة مجتمع جدي، فكتابته الروائية وقصصه وما يحملان من أحداث وشخوص ووقائع
أفعال درامية تعكس رؤيا واضحة ومعبرة
وحاملة لفكرة المفارقة والتناقض مع وقائع الحياة، وقد تم تسليط الضوء على بعض رواياته كرواية: «الحب في زمن العولمة»، ورواية: «حرمتان ومحرم»، و»الأرملة السوداء»، و»الإسكندرية 2050 «...حيث كانت فيهم نزعة المفارقة الساخرة واضحة وجلية على الأوضاع والأحوال، وهذا ما يجعل القارئ يُبحر في عالم آخر، متلهفاً للغوص والتغلغل في الخفايا النفسية الماورائية، واستنباط الإحساسات الخفية المقصودة، واستنتاج الأسباب والأهداف التي دفعته إلى هذا التوظيف،
وجماليته ودلالة معانيه، ولغته المتناقضة التي تؤكد واقعية هذا الواقع.
البلاغة الجميلة في ثوبها، والحزينة في جوهرها إن نزعة السخرية والمفارقة متجذرة في أعمال صبحي فحماوي وسمة أساسية
ومحورية في أعماله، إذ يحاول من خلالها تسليط الضوء على بؤر محددة تتجسد فيها مفارقة الواقع، بطريقة بسيطة ومضحكة أحياناً لكنها تحمل في دلالاتها كماً هائلاً من التّناقضات والمفارقات، بلغة متضادة، في مساهمة جادة في تعرية هذا الواقع الأليم، بغية منه بتحرير النّفس الإنسانية من ربقة الظلم والفساد، فتصبح المفارقة السّاخرة صادقة في تناقضها، لكنها تحمل رموزاً لا يفهمها إلى من يملك مرجعية ثقافية عن الكاتب، فهناك أمور كثيرة ومواقف قد تضحكنا إلى حد القهقهة، لكنها في جوهرها جارحة إلى حد البكاء، وهذا هوسر هذه البلاغة الجميلة في ثوبها، والحزينة في جوهرها، خصوصاً إذا زادها طابع الإيحاء والتّلميح غموضاً واستعصاء على الفهم.
توظيف أسلوب السخرية في الأعمال الروائية ليس بالأمر السهل ولا اليسير، وإنما يتطلب مبدعاً وفناناً حاذقاً يتميز بالذكاء والدهاء، متمكناً من اللغة، ومن تقنيات هذا الأسلوب، وهوليس ببعيد عن المبدع والروائي الكبير «صبحي فحماوي»، الذي استطاع من خلال أسلوبه الساخر أن يوصل المعنى والدلالة المقصودة للقارئ، بطريقة ممتعة ومشوقة، وأن يؤثر فيه، حيث كتب بحس مرهف، وبقريحة مشتعلة، وبعشق يبرقُ في ثنايا إبداعاته المتعددة، كما أخلص هذا الروائي لعمله، ولوطنه، وإنسانيته، وكانت جُل إبداعاته كاشفة للواقع المعيشي المأزوم، وكان للقضية الفلسطينية نصيب كبير في أعماله، ولبست جُل شخصياته عباءة هذا الواقع المتشظي، حاملة رسالة إنسانية تستهدف دواخلنا جميعاً، بذائقة فنية إبداعية لا يملكها إلا مبدع أصيل وناقد حصيف وروائي متألق كصبحي فحماوي.