المسرح الإذاعي أنعش المشهد الثّقافي وعودته ضرورة ملحّة
التّنشيط الرّياضي يحتل حيّزا مهمّا في مساري المهني
عروف في الوسط الرّياضي بقوّة صوته الإذاعي الشجي، وتنشيطه بكل حماس شغف واحترافية لمقابلات الكرة المستديرة الوطنية والدولية على أمواج الأثير، له أدوار في مسلسلات تلفزيونية وأفلام سينمائية، كما له بصماته في الصحافة المكتوبة من خلال مقالات مع شخصيات رياضية وثقافية. إنّه المنشّط الرّياضي والفنان فؤاد بوطالب، الذي يكشف من خلال هذا الحوار مع «الشعب»عن آرائه ومشاريعه.
- الشعب: ما هي نظرة فؤاد بن طالب إلى التّنشيط الإذاعي بن الأمس واليوم؟
فؤاد بن طالب: كان التنشيط بالأمس يعتمد على شخصيات معينة، على غرار جمال خويدمي،
عز الدين بوكردوس وآخرون، حيت كان لابد أن تكون للمنشّط ثقافة عامة أي في الفن وتاريخ الفن، وأن يمتلك صوتا جوهريا ويتميز بالتلقائية والالتزام والرؤية المستقبلية التي توحي له بالجديد. فالتنشيط يحتاج دوما إلى البحث والتنقيب عن الجديد.
أما اليوم، وبكل احترام للمنشطين، أصبح التنشيط سحابة صيف، يقول المنشط ما يحلو له على أمواج الأثير، متناسيا أن عمله يعتمد على الذكاء والرزانة. منشط اليوم وبالرغم من كونه جامعيا إلاّ أنّ ثقافته أصبحت جوارية، خلاصة القول منشط الأمس يعتبر أقوى وأرقى من منشط اليوم، الذي هو مطالب بالاحتكاك أكثر مع المثقّفين والصحافيين كي يتمكن من صقل موهبته.
- هل يكمن في نظرك تدارك الفرق بين الجيلين بفضل التّكوين؟
جيل زمان كان تنشيطه عفويا وحب وعشق للميكرفون ولقاء مع الجمهور، الآن هناك تكوين للمنشطين ولكن يجب أن يشرف عليه أصحاب المهنة لأنّ المنشّط هو سفير للثقافة الجزائري أمام الجمهور. التنشيط ليس هدية تهدى للإنسان بل هو عمل يحتاج إلى ثقافة وإلمام لما نريد أن نقدمه للجمهور، على شرط أن يكون تحت إشراف منشطين كبار مخضرمين.
- كان للمسرح الإذاعي رواجا كبير ودورا فعّالا في التّرفيه والتّثقيف، هل يمكن إعادة إحياء هذا المجال اليوم؟
في بداياتي الفنية بدأت مع الحاج الطاهر فضلاء في 1958، كان عمري 10 سنوات مع مسرح الهواة بالاضافة إلى علي فضي، يوسف حطاب والسيدة نضيرة زوجه الطاهر فضلاء، هذا المسرح الذي خرج من رحمه العديد من الممثلين الإذاعيين.
وبعد ذلك أنشئ مسرح إذاعي عمل فيه كبار الممثلين أمثال عجايمي، شلوش عبد النور، جغافلية، وقد كان له في السابق بصمة كبيرة في التنشيط الثقافي، لكن مع مرور الزمن اختفى ولا أدري ما الأسباب، لكن ما أستطيع قوله أن المسرح الإذاعي مهم جدا ولابد من التفكير في إعادة إحيائه في القنوات الوطنية والمحطات الجهوية، كما يجب السهر على تكوين الممثلين ومساعدتهم على تطوير مواهبهم، وكذا إثراء ثقافتهم الفنية التي لا تحتاج إلى شهادات جامعية بقدر ما تحتاج الى التزام وارادة ومواظبة على العمل، فالممثل علي عراب على سبيل المثال كانت له ثقافة فنية هائلة بالرغم من أنه ليس جامعيا..والثقافة الفنية يمكن من خلالها توصيل الرسالة.
لابد على المسرح الإذاعي أن يعود إلى الواجهة، لأنه قادر أن يضيف بصمة أخرى للمشهد الثقافي، هناك اليوم مسارح جهوية يتخرج منها الكثير من الشباب الموهوب يمكنهم أن يعيدوا للمسرح الإذاعي أمجاده، ويبقى هذا مجرد رأي فنان ومثقف.
- ما هي نظرتك لواقع الثّقافة اليوم في الجزائر؟
المشهد الثّقافي الجزائري مرّ بمحطّات تذبذب فصحوة ثم نجاح، مرحلة تميزت بعدم تواجد التواصل في تنشيط الحفل الثقافي عبر مسارح الوطن، فترة الصحوة فهناك بعض الولايات شبابها مثقف، استطاع أن يقفز قفزة نوعية بالثقافة، تم تأتي المرحلة التي بدأ ينتعش فيها المسرح والسينما والأدب والفن، وأعيد للفنان والمثقف مكانتهما، هذا بفضل إرادة رجال ونساء غيورين على الوطن.
- كيف تقيّم ظاهرة التّنشيط في الحفلات والملتقيات وغيرها من المحافل اليوم؟
أنا ضد المهرّجين لأن الشعب مثقف فمثلا «ثلاثي الأمجاد» تنشيطهم مهذّب أم البعض الآخر فلا، لأن الشعب محتاج إلى تنشيط ثقافي وليس إلى تهريج. قديما كان عندنا سيد أعلي فرنندال في التنشيط التلفزيوني، كان قامة دخل بطريقة عفوية ترفيهية تثقيفية، وكان ممّن يدخلون البهجة على الجمهور.
- هل التّظاهرات الفنية كافية حاليا لتلبية طلبات الجمهور؟
نحن في حاجة اليوم إلى حفلات وترفيه، وإلى لقاءات فنية واجتماعية في إطار التنظيم المعقول، ولكن ليس في الفوضى وهذا ما كان أيام الزمن الجميل، دور السينما، المسارح الجهوية، كل هذه الفضاءات غابت اليوم، ولابد من البحث عن الأسباب التي أدت إلى عدم اهتمام الشعب بالثقافة، والعمل على تصحيح الوضع.
المشرفون على المهرجانات والفنون الثقافية لهم دور كبير في إحياء الأمسيات الثقافية، وتشجيعها وحصرها في مناسبات، وهذا غلط لابد أن تلعب السلطات المحلية والوطنية دورها في التنشيط الثقافي لانتعاش الأجواء وتقديم الترفيه للمواطنين خاصة الشباب.
- حدّثنا عن تجربتك مع التّنشيط الرياضي؟
دخلت الإذاعة أواخر 1968 بفضل مسابقة أشرف عليها الأستاذ حماني عبد القادر، الذي كان المسؤول الأول عن الإذاعة والتلفزيون، والحمد لله غطيت مئات المقابلات الوطنية والدولية على مستوى الفرق والأندية والنخبة الوطنية، هذا بفضل الإذاعة الوطنية التي أكنّ لها كل الاحترام لمسؤوليها الأحياء والذين رحلوا عنّا، فقد قدّمت لي خدمات كبيرة.
- وماذا عن إسهاماتك في مجال الكتابة الصّحفية؟
نشرت لي سابقا مقالات ومساهمات في مجلة الإذاعة، «المساء»، «النصر» جريدة «الشعب» حاليا، فهذه كلها عناوين فسحت لي المجال للكتابة عن شخصيات كثيرة وطنية ودولية.
^ كانت لك تجربة في التّعليم وفي المسرح المدرسي، هل الانطلاقة كممثل بدأت آنداك؟
^^ اقتحمت مهنة التعليم في 1962 ومع عبد القادر طالبي رحمه الله، كان قامة في الثقافة الفنية، كنّا نقدّم أسبوعيا عرضا دراميا في المسرح المدرسي. كان عشقنا للتعليم لا يضاهيه سوى حبنا للفن والمسرح، الذي استقينا حبه من المرحوم الحاج الطاهر فضلاء وعلي فضي والشيخ الدحاوي، أساتذتنا الذين تعلمنا على أيديهم الإلقاء وأداء الأدوار الدرامية.
- وماذا عن التّمثيل المحترف؟
كانت أول تجربة لي عام 1995 بتشجيع من المخرج مسعود العايب، تم توالت الأعمال في المسلسلات التلفزيونية ‘’البذرة 1’’، «البذرة 2’’، «حنان امرأة»، «الأخطاء’’، «الغائب»، أما الأفلام نجد «كريم بلقاسم»، «الهجرة»، «شوارع الجزائر»، «الأجنحة المنكسرة»، حوالي 30 عملا بين المسلسلات التلفزيونية والسينما.
- هل فكّرت يوما في كتابة مذكّراتك؟
حاليا أنا بصدد تحضير كتابين، الأول في المجال الرياضي، يتطرق الى حقبة مهمة من تاريخ كرة القدم الجزائرية من 1957 تاريخ تأسيس فريق جبهة التحرير إلى غاية 2014 سنة احتضان البرازيل كأس العالم، وهو كتاب أتناول فيه تاريخ فريق جبهة التحرير الوطني إلى الاستقلال، وكل من مرّوا في تاريخ الرياضة الجزائرية، أتمنى أن يكون لهذا الكتاب فائدة وإضافة للقارئ الجزائري.
والكتاب الثاني ثقافي، أقوم حاليا بجمع المادة الخاصة بمساري كفنان، وما كتب عليّ وما أبدع حولي في الإذاعة والتليفزيون.
في حياة الفنان علاقات ودية حميمية، مثل لقائي مع مفيد زكريا، طاهر بن عيشة، البرناوي، سيدي علي كويرات، عجايمي، شلوش عبد النور، بهية راشدي، رشيد جمعة والكثير، سيكونون كلهم في كتابي وهم الذين شجّعوني..وتحياتي وتقديري إلى الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة الذي يشجّع الفنانين ويقدّم لهم الدعمين المادي والمعنوي، بالاضافة إلى تكريمه للفنانين من حين إلى آخر.
هذه المحاولات راودتني مند سنين وتشجيع صديقي سعيد خرافي مدير الأخبار في الإذاعة حاليا، حيث يقول لي يوميا: «أين أنا؟»، ويشجّعني أن أتقدّم إلى الديوان لطبع هذين العملين.
- كلمة أخيرة.
أقول اليوم إنّني أدّيت مهمّتي صوتا وقلما،وكتابات بقيت منقوشة في قلوب قرّائي لازلت في أوج العطاء الإذاعي والثقافي.
وبكل روح رياضية أقول إنّ جريدة «الشعب» من أهم المؤسّسات الاعلامية الجزائرية، لأنّنا فتحنا أعيننا عليها ومرّ عليها إلى غاية اليوم مديرون كبار وإعلاميون كثيرون أذكر منهم الرئيسة والمديرة العامة والإعلامية القديرة أمينة دباش، التي وضعت بصمة جميلة للجريدة ورفعت مستواها، إضافة إلى الطاقم الصحفي ورؤساء الأقسام.
لازلت في أوج العطاء الإذاعي لأنّني في خدمة الشباب والوطن.