قصة

الوعد الكاذب

بقلم وفاء براني ـ بريكة

في رسالة كتبتها له أجهضت فيها ذاكرتها الحبلى منذ سنوات،فرقصت أفكار مجنونة على بقايا ذكريات متعبة، خطتها بحبر دموعها الممزوج بكحل عينيها، والحزن يقبع على ضفاف جداول مقلتيها، تسأله عن سبب رحيله المفاجئ وغيابه الذي طال، أيقظها جرح قلبها الذي نزف مفزوعة فنطت والغرفة يكسوها ظلام حالك وجلست دون شعور إلى مرآة الحلاقة، كتبت تقول:
 ـ مع غيابك ذبلت أحلامي وقد سقتها دموعي أجاجا حتى الثمالة، يا للوجع الذي بعثر الأماني كقصاصات ورق تطايرت مع الرياح، والحنين يشدني إليها، سأظل أطاردها وأحلق معها. كم هو جميل النوم على صدرك ونحن نجوب حدائق الورود الهولندية بحثت عن رسائلك المسربة في سمر الليل والمخضبة بالشوق عبر الهاتف، والتي طالما أرقصت فؤادي المتيم بك ولم أجدها..
 تقف فجأة وترمي بخطواتها التي مزقت الظلام محاولة الوصول إلى الخزانة تسمرت بالقرب منها ثم تراجعت وقد كانت ستفتحها، قلمت أظافرها بأسنانها وبطريقة سريعة وغريبة هاهي تبتعد عن الخزانة، واصلت كتابة الرسالة في كنف الظلام وهي تضحك ضحكات هستيرية، ثم تحزن فجأة.
ـ .. لا أذكر أني لبست فستان الزفاف يوما، سأخبرك بأن البائع قد أحضر فستاني الأبيض، وطقمك الأسود وهو يعتذر عن هذا التأخير،لكن أنا أخشى أن أجده والطقم قد مزقتهما أيادي الإجرام الدخيلة ولطختهما بدم الغدر والخيانة. بغيابك أصبحت عصبية ومتوترة، كم يزعجني حديث صديقاتي الذي أشتم فيه سؤالهن عن موعد زفافنا،هن ينتظرن بطاقات الدعوة...
 شعرت بالخوف فأغلقت أذنيها، فهي لم تعد تريد سماع هذا الصوت كتبت هذا في رسالتها وهي في حالة هوس الجنون.
  ـ .. لا أريد سماع صفير القطار، ولا صوت أي وسيلة تعمل على سرقة الأحباب والحب، هذا الصوت يذكرني بيوم ركوبك مركب الرحيل، وامتطائك سفينة الغياب، مع رفرفة الشراع حينها، انسلخ وشاحي مني بهزة ريح قوية وانساب مطر أخلط مساحيقي التي وضعتها للتجميل والتي لم تشفع لي عندك وأنا التي لم أتزين لغيرك أبدا.....
تمدّ يدها وتدفع ما وضع على الطاولة من أدوات تجميل وعطور،وترمي بها فتتبعثر على الأرض، ثم تكمل كتابة الرسالة.
 ـ .. ومنذ رحيلك لم أضع أي مسحوق تجميل، حتى أن مساحيقي   انتهت صلاحياتها كلها، وأصبح أحمر الشفاه أسودا كقلبي المتفحم   من حرقة الألم والشوق لمن غاب بلا سبب، فضلتَ الاغتراب أو اختارك  الرحيل على البقاء رفيق درب حياتي، من أين لك بهذه القسوة وقد كنت طيب القلب حنون...
تزيد نبضات فؤادها، تُسرع دقاته أصوات لأطفال يلعبون خارج الغرفة، تخترق ضحكاتهم التي تشبه النغم سمعها، كانت تتمنى أن تنجب منه أطفال بعدد أصابع يدها، ويملئون فضاء حياتهما سعادة،حلمت وحلمت وتمنت حياتها معه سعيدة وجميلة جمال قلبه قبل الرحيل. فجأة وعلى بكاء طفلها الرضيع انتفضت مستيقظة من نومها،أخذت ابنها من مهده وضمته إلى حضنها والدموع في عينيها،والتفتت بهدوء إلى يمينها بعد أن تحرك زوجها مستيقظا هو أيضا، ثم عاد إلى النوم  فتكلمت في نفسها وهي تنظر إليه بحزن.
 ـ للآسف أضحت كل وعودك كاذبة واخترت أن تعيش معنا جسد بلا   روح.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024