اكتشـاف بقايــا عظميـة لحيـوان وحيـد قــرن بـواد مــلاح
واحد من الشباب الطّموحين إلى ترك بصمة الباحث في ميدان الآثار والحفريات، تجده على غير العادة يتنقّل من مكان إلى آخر، كلما سمع أن هناك حفريات في مكان ما، فيراوده الاكتشاف إلى خوض التجربة، منطلقا من خزانه العلمي والمعرفي اللذين جعلاه يعشق ميدانه حتى الثمالة.
هو الباحث والأكاديمي عيساوي بوعكاز، إضافة إلى كونه يمارس العمل الأكاديمي داخل الحرم الجامعي، يواصل مهامه البحثية في ميدان الآثار، «الشعب» التقته وأجرت معه هذا الحوار.
الشعب: ساهمتم في الكشف عن موقع أثري بالجلفة؛ حدثنا عن حيثيات هذا الاكتشاف؟
❊❊ الباحث عيساوي بوعكاز: كانت البداية من خلال صورة عبر التواصل الاجتماعي تمثل جزءا لعظم مجهول، ثم تنقلت مجموعة من الباحثين من المهتمين بتراث المنطقة للموقع ومعاينته، وتم الاتصال بي لإبلاغي بالاكتشاف أين أكّدت للمجموعة أنها عظام تعود لحيوان كبير وقد يكون وحيد قرن، بعدها أشعرنا مدير الثقافة بالاكتشاف الذي بادر بالاتصال فوراُ بمدير المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وفى علم الإنسان والتاريخ.
وبعد تأخّر هذا الأخير ونظرا للنشرات الجوية الاستثنائية (أمطار وسيول)، وخاصة أن المستحاث يتواجد في واد ملاح المعروف بسيوله الجارفة، كما أنّه قد تكشّف منه جزء كبير وأصبح أكثر عرضة لفقدانه، عاودنا الاتصال بمدير الثقافة الذي زوّدنا برخصة للقيام بحفرية إنقاذية مستعجلة كأستاذ جامعي في علم الآثار، وشكلّت فريقا مصغرا من الباحثين متكونا من السادة شويحة حكيم، بن سالم المسعود، جاب الله محمد، شويحة عبد القادر وبحضور ممثل مديرية الثقافة.
❊ ما هي الظّروف التي جرت فيها عملية الكشف الحفرية؟
❊❊ باشرنا بإعداد العدّة اللازمة والمستلزمات الضرورية ثم انتقلنا الى مكان الاكتشاف «واد ملاّح» على بُعد 02 كم شمال مدينة الجلفة، وعند الوصول الى الموقع تمت عملية المعاينة ورفع المقاسات الضرورية ثم وضع خطة لتنفيذ مراحل الحفرية، حيث تم في كل المراحل التقاط الصور العلمية بسلّم القياسات وتنظيف مختلف الأجزاء التي يتم استظهارها مع غربلة الأتربة وتدوين كل المعطيات.
تمّت عملية الاستخراج باستخدام لفافات جبسية وقد كلّلت بنجاح نتيجة لاحترافية الفريق في عملية الانقاذ وسرعة التدخل، وانتهت المهمة بالتوصل الى تشكيل جمجمة كاملة لحيوان وحيد القرن مع مجموعة من العظام من مختلف أجزاء جسمه وعظام أخرى.
ثم كمرحلة ثانية قمنا بتنظيف المجموعة العظمية بطريقة جافة (تنظيف ميكانيكي) والتعرف على الأجزاء العظمية مع إعادة تشكيل ما يمكن تشكيله من أجزاء تخص الجمجم، كما تمت عملية جرد كل اللقى وذلك بوضع جدول جرد أولي فيه معلومات عن رقم العظم ونوعه وأبعاده ووضعيته.
❊ ما نوع الاكتشاف وما هي أهمّيته؟
❊❊ أفضت العملية إلى استخراج فكّين في حالة حفظ جيدة وعدة عظام مختلف الأحجام لحيوان ضخمة، وتم نقلها إلى مقر مديرية الثقافة. وبعد معاينة العظام تم التوصل إلى خلاصة أولية تتعلق بتحديد نوع الحيوان وهو»وحيد القرن الأبيض ceratothérium simum».
في انتظار دراسة معمقة وتحديد فصيلته وتأريخه كما التعرف على عظام لحيوانات أخرى كالحصان وحيوانات أخرى صغيرة، والتي ستكون محل دراسة في قادم الأيام من خلال المختصين في المجال.
أمّا عن أهمّيته فوحيد القرن ممثل في محطات صخرية عديدة بالجلفة وما جاورها كفايجة اللبن وزكّار وعين الناقة وواد الرميلية، وبالتالي فسيمكننا لاحقا من تحديد الكائنات التي عايشها الانسان، كما أنها ستفتح اشكاليات وفرضيات علمية جديدة في المنطقة، خاصة وأنّ هناك آثار لمواقد بشرية في نفس الموقع.
❊ هل تمّ التنسيق مع مراكز بحث في الجزائر؟
❊❊ في الحقيقة نحن قمنا بحفرية إنقاذية مستعجلة أما الدراسة البعدية، فهي من اختصاص المركز الوطنى للبحوث فى عصور ماقبل التاريخ وفى علم الإنسان والتاريخ، والذي نتمنى أن تكون هناك شراكة حقيقية مع جامعة الجلفة خاصة أنها تحتوي على تخصص علم الآثار، وهي فرصة للتكوين الميداني للطلبة من خلال الحفريات المنتظمة في هذا الموقع وغيره.
❊ كيف هو واقع المواقع الأثرية بالمنطقة خاصة مع العدد الكبير للمحطّات الصّخرية والقصور؟
❊❊ في الحقيقة وضع المواقع الأثرية في تدهور مستمر على الرغم من المجهودات الجبارة التي تقوم بها وزارة الثقافة، إلاّ أن شساعة الولاية وغناها بالمواقع الأثرية التي تعود لفترات مختلفة صعّب من المحافظة عليها وتثمينها، ولقد نبّهنا لهذا الواقع من خلال التوصيات في الملتقيات الوطنية كان آخرها اليوم الدراسي الذي نظّمته المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية جمال الدين بن سعد العام الماضي، وبمناسبة شهر التراث وتحت شعار «تراثي مستقبلي» بالتنسيق مع كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية شعبة الآثار لجامعة زيان عاشور لولاية الجلفة بعنوان «التراث المادي لولاية الجلفة…الواقع والمأمول».
❊ ماذا تنتظرون من الوزارة الوصية لأجل حماية هذا الموروث الثقافي؟
❊❊ سيفتح هذا الاكتشاف باب الأبحاث الأثرية والانثروبولوجية على مصراعيه في منطقة الجلفة، وسيدعم اثار المنطقة التي تدعم الاكتشافات الأخيرة بعين بوشريط بسطيف، وبالتالي فالدعوة مفتوحة للباحثين من كل الجامعات ومراكز البحث الوطنية والأجنبية.
أما عن زيارة وزير الثقافة فهي تعتبر دعما حقيقيا للبحث في هذا المجال، خاصّة أنه هو من يعلن رسميا عن الاكتشاف، كما نأمل أن يعلن عن موقع أثري ويعنى بحفرية منتظمة بنفس الموقع، خاصة وأننا قد لاحظنا وجود دلائل ومؤشرات عن وجود بشري قديم بالموقع،ونتطلّع الى تفعيل المتحف الجهوي وإثرائه وضرورة إشراك جامعة الجلفة (قسم الآثار) في أي مشاريع بحثية مستقبلية.
❊ كلمة أخيرة؟
❊❊ الجلفة ستكون قبلة أخرى للباحثين في مجال الآثار والباليونتولوجيا، لأن ما تحتويه هذه الأرض المباركة من الجزائر هوخزان حقيقي من التراث بكل أنواعه، كما لا يفوتني التنويه بالمجهودات الجبارة الذي قام به توفيق ضيف والي ولاية الجلفة، وجزيل الشكر له وللسلطات المدنية والعسكرية على الاهتمام والدعم. كما أشكر زملائي وفريق الحفرية، واسمحوا لي أن أهدي هذا الاكتشاف إلى عائلتي الصغيرة وابني أنيس والى كل الشعب الجزائري، وفي الأخير أشكر جريدة «الشعب» من خلالكم وهنئيا للجزائر بهذا الاكتشاف.
عيساوي في سطور
الباحث عيساوي بوعكاز المدعو «معتز» من مواليد 1979 بمدينة الجلفة.
- متحصل على شهادتي بكالوريا (علمي، أدبي).
- شهادة الليسانس في الأدب واللغة الانجليزية.
- شهادتي الليسانس والماجستير من معهد الآثار جامعة الجزائر في تخصص الصيانة والترميم.
- أستاذ مساعد من 2009 إلى 2012 بمعهد الآثار بالجلفة.
- أسس رفقة زملائه تخصص علم الآثار في جامعة زيان عاشور.
- شهادتي الدكتوراه والتأهيل الجامعي بجامعة الجزائر2
شارك في تربص تطبيقي على استخدام المجهر المستقطب بمخبر الجيولوجيا – جامعة مولاي إسماعيل – المغرب وأخر بمخبر الأبحاث للمباني التاريخية « LRMH « « باريس– فرنسا»، وتربص تطبيقي استخدام الأشعة السينية»DRX» بالمركز الجهوي لصيانة وترميم التراث « CICRP « (مرسيليا – فرنسا)، بالإضافة إلى زيارات علمية لجامعات كبرى كجامعة هارفارد وبوسطن والقاهرة واسطنبول والشارقة وبريتوريا والجنان اللبنانية....كما نشّطت عدة أيام دراسية وملتقيات محلية ووطنية حول التراث عموما والتراث الأثري خصوصا.