« الشعـب» فـي جولة بالقصبة في يومها الوطني

أزقة وجدران المدينـة العتيقــة شاهد على حضــــارة عريقــــة

أسامة إفراح - تصوير: عباس تيليوة

عبق التوابل وحكايات ألف ليلة وليلة وأساطـــير تـــروى للأجيـــال

تحتفل القصبة اليوم بيومها الوطني، في مناسبة لاستذكار تاريخها العريق وماضيها الضارب في القِدم..ولكن أهلها يعيشون صور الماضي كل يوم، ففي كل شارع، ممر، زقاق وزاوية، تختبئ حكاية أو أسطورة، وعند كل عين أو نافورة ماء، نسمع تسبيح رجل عابد، أو حكايا نسوة يحملن الغسيل..القصبة ليس فقط عمليات ترميم، ومخططات تصميم، بل هي تلك اللقاءات العفوية، والحكايات الشخصية، هي قصص الفنانين والشهداء، الذين قد تكون خطانا ولامست خطاهم، ونحن نجوب القصبة، مكررين جولتنا في أفريل 2007، فقط لننقل بالكلمات، بعض عبق التوابل والحكايات.

حاولنا في هذه الجولة نقل صور حية وملاحظات عينية وشهادات من داخل حي القصبة العتيق، الذي جبناه صعودا ونزولا عدة مرات على مدار يوم كامل، لم يكن كافيا لزيارة كل المعالم والشوارع. دليلنا في الجولة فنّان العدسة مصوّر «الشعب» عباس تيليوة، ابن القصبة الذي يعرف تاريخها ويخلده بفنّ الغرفة السوداء. لم نطرق أبواب متاحف القصبة وقصورها، وقد نالت نصيبها من الإشهار والتعريف، بل حاولنا طرق الأبواب المتخفية في حياء، التي قدمت خيرة الفنانين والعلماء، والمناضلين والشهداء، والقصبة متحف لأسماء الشهداء..ومن ساحة هؤلاء، كانت البداية.

ساحة الشهداء..جوهرة تتوق إلى اللّمعان

لا يمكن أن نبدأ جولة في القصبة دون المرور على الجامع الكبير، أقدم مساجد العاصمة، الذي بناه مؤسس دولة المرابطين يوسف بن تاشفين الصنهاجي سنة 1097 ميلادية. في الجانب الآخر من ساحة الشهداء، يقف شامخا جامع كتشاوة الذي رمم حديثا، وغير بعيد عنه جامع علي بتشين، وغيرها كثير.
بالمقابل، وعلى عكس عديد المباني السياحية في العالم، يتم التعامل مع هذه المعالم التاريخية على أنها أماكن للعبادة لا غير، دون تدابير للاستفادة منها في السياحة.
أكثر من ذلك: الحفريات غير المسبوقة التي كشفت عن آثار ساحة الشهداء، في إطار علم الآثار الوقائي، والشاهدة على حقب زمنية متعددة، فإن نصفها محاط بسياج ويمنع الدخول إليه وحتى تصويره من الداخل، وهو ما حدث معنا أيضا، ونصفها الآخر تم تعويضه بصور ألصقت على جدران محطة الميترو، عكس ما تم الإعلان عنه رسميا في البداية..السؤال المطروح: لماذا؟
ونحن نهمّ بالصعود، جاءنا رجل جاوز الثمانين، معتنٍ بهندامه بشكل ملفت، فقد عددا من أصابع يده..يقول إنه تعرّض خمسينيات القرن الماضي إلى تعذيب وحشي على يد المستعمر الفرنسي..رفض ذكر اسمه، ولكن البطولات لا تحتاج بالضّرورة إلى أسماء.

«دروج الكبدة»..المنطلق والمنتهى

كتشاوة عبر «دروج الكبدة»، وجدنا على اليمين طابورا يصطف أمام محل سندويشات الكبد المقلي، أين يقف عبد الكريم الذي يدعوه بعض الزبائن «كريمو»، ويشتغل بكدّ على مدار اليوم منذ الصباح الباكر: «أنا لا أنسى طلبية زبون وأركّز مع الجميع»، قال لي بافتخار، وهو يوزع ابتسامة هنا ودعابة هناك. من جهة أخرى، يتوجّب على الراغبين في تذوق وصفة الكبد المتبّل الشهية، أن يبكّروا، لأن الكمية تنفد ويعوّضها «كريمو» بلحم متبّل طري شهي.

أسطورة..شهيد..ورجل مسرح

من هناك انطلقنا عبر شارع سطاوالي، ومررنا على مكان استشهاد ذبيح الشريف، وفي نفس الشارع على اليسار تقابلنا ما كانت تدعى «دار الطالب»، ثم منزل موح الصغير «الأعمى» المغني والعازف الشهير. دخلنا شارع مصطفى لطرش «Rue Bleue» قبالة سينما «نجمة» التي كانت سينما «العرب» بشارع حجاجي مصطفى (غاغلياتا)، ثم شارع رابح سمالة «Rue du regard» ثم شارع بولوغين أين نجد منزل الشهير «بابا سالم»، لنصل شارع النيل المهدّم بشكل شبه كلي.
بدوره، لم يخلُ شارع نفيسة رمضان الشهير من الدعائم..في نفس الشارع، الذي يحمل اسم إحدى الأختين الأسطورتين (نفيسة وفطيمة) والمدفونتين بنفس المكان، وقفنا أمام المنزل رقم 11 المكان الذي ولد فيه أب المسرح الجزائري محيي الدين بشتارزي..من هذا المنزل الصغير خرج الرجل الذي سيحمل مبنى المسرح الوطني اسمه..في ركن هناك كانت توجد عين ماء لم يبق أي أثر.

ابن القصبة: ضيافة..ظرافة..وثقافة

توجّهنا إلى شارع قدور بورقيقة (Rue des sarasins) وهو يحمل اسم شهيد كان لاعبا بمولودية الجزائر، وهناك نجد على يسارنا جامع «بورقيصة»، الذي كان إمامه والد اللاعب والمدرب الشهير إسماعيل خباطو. التقينا سيدة تمشي بصعوبة، قالت لنا إن الأرضية ليست كسابقتها ولا تساعدها على المشي..عرضت علينا صورا داخلية بهاتفها لمنزلها الجميل، وأضافت أنها باتت لا تخرج كثيرا من «دويرتها»..ردّدت السيدة كثيرا وبافتخار اسم «دار السجور» (دار الأشجار)..تركناها وهي تحدث شخصا آخر وتقول: «القصبة العزيزة شكون يعرفلها».
بشارع سيدي بن علي، نمشي على آثار سيدح (تصغير سيد أحمد) من أوائل عازفي الجواق الجزائري..غير بعيد، التقينا الشاب العشريني أمير رملي، الذي تعلّم السباكة على يد والده كما يجيد حرفا أخرى..بابتسامة تعلو محياه، دعانا إلى الدخول وإلقاء نظرة على المنزل، أين استقبلنا أخوه إسلام بابتسامة حالمة..هي ميزة لدى العديد من سكان القصبة، الذين يدعونك إلى زيارة منازلهم المصنّفة ضمن التراث العالمي.
وإلى جانب وسط الدار والمطبخ والبئر وغرف النوم وغيرها من الغرف المتعارف عليها، تعلّمنا أنّ الغرفة الباردة طبيعيا التي تخزّن فيها «العولة» تسمى «البرطوس». يجب أن تعتلي سطح منزل قصباوي حتى تكتشف روح القصبة الحقيقي: أسطح متلاصقة، شمس دافئة تلطفها نسائم خليج الجزائر.
مع ذلك، وعند مغادرتنا المنزل وسكانها، قابلنا فضاء خلفه تهدم منزل، وتحول إلى مكب للنفايات: بعض سكان القصبة ينظفون، ولكن بعضهم الآخر يرمون أوساخهم..لماذا لا تحوّل هذه «المزابل» إلى فضاءات للجمال؟ المؤكد في الأمر أن نظافة القصبة مسؤولية الجميع دون استثناء.

متاهات الشّوارع..والتّاريخ

شارع La rue des Abencérages (أو بنو سراج وهو قبيلة موريسكية شهيرة من مملكة غرناطة) ما يزال قائمة لم تطله الأضرار، وكان يسمى قبل ذلك Rue de l’état major، وهناك وجدنا باب ما كان يسمى «قهوة الشعانبة» المغلقة. نزلنا على شارع بودرياس الأب والابن Rue de Thèbes حيث علقت لافتتان تشهدان على التفجير الإرهابي الذي قام به متطرفون من الأقدام السوداء وأودى بحياة 73 شهيدا..لافتتان متجاورتان تذكر الأولى تاريخ 10 أوت 1956، فيما تذكر الثانية تاريخ ليلة 14 إلى 15 دويلية من نفس السنة. ويبدو أن التاريخ الأول هو الأصح حسبما تردد في العديد من المواقع والمراجع.
مباشرة أمام هذا المكان التاريخي ساحة مغلقة كتب عليها «بيع الكباش»، هي فعلا مكان لبيع الأغنام صيفا..دون تعليق.
نواصل جولتنا من شارع أحمد لعريشي Rue de la Grue، إلى جامع سيدي عبد الله، وأمامه كان يوجد جزارون ومحلات لبيع الصوف..
وجدنا شارع سيدي عبد الله أيضا بدعائم خشبية..على اليمين La rue Kleber التي تنزل إلى غاية سيدي محمد الشريف، وهو شارع طويل.. صعدنا مرة أخرى إلى جامع سيدي بن علي، ثم الأب والابن بودرياس، فشارع الأهرام Rue des pyramides..مشينا في شبه نفق مظلم معتم تماما لولا وجود مصباح كهربائي..نزلنا إلى عين سيدي محمد الشريف عند شارع الإخوة باشاغا Rue des frères Bachara، وعلى يميننا وجدنا جامع السفير..غير بعيد، المنزل رقم 26 هو باب مصطفى واقنوني الذي يحمل الملعب العاصمي اسمه..واصلنا عبر نهج إبراهيم فاتح (التسمية منذ الاستعمار، وهو مدير مكتب) وكانت قبل ذلك Rue de la girafe، وهناك يوجد شارع صغير بين شارعين كان يحمل اسم شارع زفيرة، وهو اسم ملكة الجزائر قبل العثمانيين.
وصلنا شارع بن عيسى ملايكة أو Rue Caton سابقا، وفي المنزل رقم 3 بهذا الشارع تم إلقاء القبض على ياسف سعدي..في أحد الممرات من دون مخرج، لاحظنا أبوابا موشحة برموز الهلال والخامسة، وهناك التقينا أطفالا يحملون العلم الجزائري..روح الشهداء ما تزال تجوب أزقة القصبة.
عدنا أدراجنا عبر شارع بن عيسى ملايكة (كاتون)، نزولا نحو حمام سيدي عبد القادر (وهو ملك لعائلة إيسياخم العريقة)، ثم ممر سيلان، وعين علي مدفع، وكان بالقرب من هناك أحد مخابئ جبهة التحرير الذي استعمله الشهيد عبان رمضان.
سعيد عدمان: أيادٍ من نحاس..وقلب من ذهب
بريق تحف نحاسية في آخر رواق مظلم لفت أنظارنا..رآنا صاحبها فدعانا إلى الدخول.. هو الحرفي الفنان سعيد عدمان، صنعته تحويل النحاس إلى تحف..بدأ تعلم الحرفة وهو لا يتجاوز 13 سنة..أراد تعليم حرفته للآخرين، ولكن..يقول: «طلبت مني شابات يافعات تعلم الصنعة، ولكن للأسف ليس لدي مساحة كافية لذلك»..ويضيف: «الله يرحم الي علّم..الله يرحم الي ربّى..الله يرحم الي غرس».
أمنية عمي السعيد هي أن يخلد اسمه بفضل حرفته، فالذي علمه صناعة النحاس معلم تونسي اسمه الزاهي، وما يزال يذكره اليوم ويترحم على روحه، وهو ما يتمناه سعيد، ابن الـ 60 عاما، لنفسه: «أطلب فقط مكانا للتكوين.. سأعلّم الشباب مجانا، ولا أبتغي من وراء ذلك سوى الصدقة الجارية»، يقول.
حصريا، دعانا الحرفي الفنان سعيد عدمان إلى مراقبته وهو يصنع من صفيحة نحاس كأس شاي جميل، يقوم بإعطائها الشكل المطلوب ثم يقدمها إلى «محفوظ» في غرفة مجاورة ليصقلها ويعطيها البريق اللازم.
يعمل الحرفي بآلتين إحداهما فرنسية الصنع وأخرى إنجليزية الصنع، وفي أركان المشغل عديد القوالب التي تركب على الآلة الدوارة وتستعمل في تشكيل النحاس..يقول لنا وهو يشتغل على تحفته: «أول شروط التعلم هو أن نحب الصنعة ونصبر عليها..شباب اليوم ينقصهم الصبر ويحبون الربح السريع».
أضاف أن الدولة كانت تتكفل بتوفير المادة الأولية، أما اليوم فقد ترك الأمر إلى الخواص ونحن مجبرون للامتثال إلى شروطهم وأسعارهم. عرض سعيد عدمان في أغلب الولايات الجزائرية وحتى بالصحراء الغربية، ولكنه ما يزال يعمل يوميا منذ 39 سنة في مشغله المتهاوي، وهو يتساءل: «هل أستحق هذا؟».

«معركة الجزائر»..من مجرّد فيلم إلى شاهد على العصر

وجهتنا شارع عمار علي أو «علي لابوانت»..ليس بعيدا مقر جريدة «البصائر» لسان حال جمعية العلماء المسلمين، ومقهى الشرق Café d’Orient وكان مالكها أحد أوائل رؤساء فريق شبيبة القبائل..هنالك، ممر لاقتلاع الأسنان بالكلّاب، وآخر للحلاقين، وفي أحد الممرات في هذا الشارع المزدحم ولد عازف البيانو الشهير مصطفى سكندراني.
ومن شارع سماعيل بودربة توجهنا إلى شارع خير الدين زنودة La rue de la Grenade، وقابلنا هناك، في ممر حسين قرابة، باب المنزل الذي ولدت فيه المجاهدة جميلة بوحيرد..كم أنجبت القصبة من بطلات وأبطال.
واصلنا عبر شارع رابح رياح Rue porte neuve، لنصل إلى المتحف الوطني عمار علي (علي لابوانت)، وقد أقيم على أنقاض المنزل الذي تم تفجيره واستشهد فيه كل من عمار علي، حسيبة بن بوعلي، بوحميدي محمود، والطفل ياسف عمر. صادفنا هناك أطفالا من أعمار مختلفة، في زيارة للمتحف..كان مرشد سياحي شاب يشرح لهم بحماس أهمية الأرضية التي يقفون عليها، والتي بنيت سنة 1985 بنيت لكي لا تضيع القيمة التاريخية للمكان. ثم استشهد، حاله حال معظم أهل القصبة، بفيلم «معركة الجزائر»..وكأني بأهل القصبة يحفظون هذا الفيلم مشهدا بمشهد.
«المشاهد التي نراها عن داخل المنزل في فيلم معركة الجزائر هي الحقيقية، وقد استرجعها المخرج بونتيكورفو من الأرشيف المصور الفرنسي»، يقول المرشد السياحي، واسمه ياسين بوسحاقي، هو صاحب صفحة «خرجة وفرجة» على فايسبوك، وقبل ذلك هو ابن الزميل السابق بجريدة «الشعب» بوعلام بوسحاقي..حينما علم أنّني صحفي بالجريدة، عانقني بحرارة، وكشف لي عن هويته. القصبة تراث عالمي إنساني، ويحتاج مرشدين أكفاء مثل ياسين لتثمينه والترويج له.

الكاردينال..وأسماء أخرى

صعدنا إلى شارع مقران ياسف ثم شارع روان عبد الحميد، وهناك في المنزل رقم 15 ولد الفنان حسيسن..ومن شارع الإسكندرية سابقا، والذي سمي بشارع بن بريهمات ويدعى الآن شارع بوعلام بوشلاغم، مررنا بما كان مدرسة قرآنية فيما سبق. صعدنا إلى حمام أوبباس، وعير بعيد كان يقطن مطرب الشعبي حاج نور الدين الذي سبق لنا محاورته قبل سنوات عديدة. ثم مررنا من شارع هيليوبوليس إلى «كزيميناس» إلى شارع Les janissaires أو صالح باي محيي الدين حاليا، ثم شارع حسان أوشفون وهناك حفظ الحاج محمد العنقى القرآن. نزلنا عبر «سيدي محمد الشريف» أين ولدت الفنانة القديرة فريدة صابونجي، لنصل العين الشهيرة «بير جباح»..ومرة أخرى يختلط ماء العين هنا بدماء الشهداء: سعيد تواتي، بوعلام رحال، راضي احميدة، وبلامين محند، الذين تم إعدامهم بالمقصلة بسجن بربروس في 20 جوان 1957.
بعدها، صعدنا شارع La gazelle الذي ولد به الفنان بوجمعة العنقيس، وفي الرقم 3 كان يقطن والد زميلنا المصور عباس. وفي شارع علي لحمر ولد الفنان مصطفى تومي وغير بعيد ولد الفنان رويشد.
من شارع الإخوة راسم إلى شارع حنبعل، ثم شارع عبد الحميد محيوس (تمبوكتو سابقا)، نصل المكان الذي ولد فيه الكاردينال، حلو محمد إيدير الذي يعرفه الناس بالحاج محمد العنقى..مرة أخرى، ساحة مهجورة تقف شاهدا على منزل عجّ بالحياة والأحداث والضحكات والحكايات، ليتحول المكان، مرة أخرى، إلى مفرغة للنفايات المنزلية، بدل أن يكون مزارا ومتحفا لهذه الشخصية الفنية الكبيرة، أو حتى ساحة جميلة تحمل اسمه.
عين على الماضي..وأخرى على المستقبل
صعدنا لنجد منزلا حمل لافتة كتب عليها «الزاوية البوديلمية العلوية»، قبل أن نصل شارع القصبة أو سيدي ادريس حميدوش، وهناك كانت تباع الحساسين والطيور..توجهنا بعدها إلى عين مزوقة ثم سيدي رمضان، وبه جامع سيدي رمضان الذي بني قبل فترة العثمانيين، قبل أن نلتقي في مطعم بأعالي القصبة بالفنان الشعبي الودود مراد جعفري..غير بعيد، شارع الجيلالي عديلة المطل على خليج الجزائر، وهناك التقينا الممثلة الشابة مليكة قطني، الحاضرة هناك لتصوير مسلسل رمضاني بممر كطاروجيل، وهناك توجهنا إلى شرفة تطل على ثانوية الأمير عبد القادر ذات المعمار المتميز، والتي درس فيها عديد الأعلام على غرار مولود معمري.
في طريق النزول / العودة، كان الغياب الجليّ للحايك يؤرقنا..في آخر اليوم، لم نر سوى عجوز واحدة في القصبة السفلى بلباس الحايك في نهاية جولتنا، جولة حملنا معنا منها ذكرى حب سعيد عدمان لحرفته، ومعاناته أيضا، وذكرى الساحات التي تركتها المنازل المهدمة وتحولت إلى مفرغات للنفايات: أمام مدفن نفيسة وأختها، وفي المكان الذي ولد فيه الحاج محمد العنقى، وذكرى تحويل اللقى الأثرية بمحطة مترو ساحة الشهداء إلى مجرد صور معلقة على حائط..ولكننا حملنا أيضا ذكريات وصور عمال يحاولون جاهدين دعم الجدران المائلة، وبسمات أهل القصبة الطيبين الذين يفتخرون بالمدينة / الحي حدّ الهوس، ويحفظون «معركة الجزائر»، الفيلم الذي تحول إلى مرجع لأهل القصبة..نحمل معنا كلمات الزميل الناقد محمد عبيدو، ساكن القصبة، الذي قال حين التقيناه إن المدينة القديمة هي القلب النابض لأي مدينة حية في العالم: دمشق، روما، باريس، كلها تعيش على نبض مدنها القديمة، فالبنايات الحديثة لا تصنع بالضرورة ميزة المدينة.
خرجنا من القصبة ونحن نمنّي أنفسنا بالعودة، حاملين معنا صورة الأطفال وهو حاملون علم الجزائر، وتلميذة الخامسة ابتدائي التي رحّبت بنا باللغة الأجنبية وبلباقة شديدة، ربما ظنا منها أنّنا سياح أجانب..هؤلاء هم الأمل، هم نساء ورجال المستقبل، الذين سيحفظون لنا كنوز الماضي.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024