يكشف الشّاعر المصري محمد عبد العزيز شميس، الذي يشغل منصب الأمين العام لمدرسة النهضة الأدبية العربية الحديثة، من خلال حواره مع «الشعب» نظرته النقدية لواقع المشهد الثقافي العربي اليوم، معرجا في سياق تصريحاته للنشر والطباعة خارج الحدود الجغرافية وكذا النقد والترجمة والمسابقات الالكترونية، دون أن ينسى الحديث عن جديده الأدبي.
- الشعب: كيف يرى الشّاعر محمد عبد العزيز شميس واقع المشهد الثّقافي العربي اليوم؟
الشّاعر محمد عبد العزيز شميس: المشهد الثّقافي العربي يعيش حالتي السلف والاستيلاب، بعد موجات الحراك البشري التي طرأت على الساحة العربية بالعشرة أعوام الأخيرة وما أحدثته من متغيرات جذرية على المستويين العربي والعالمي، وانغماس النخب في كل مناحي الحياة العربية السياسية، تغير معها الحوار الجاد، ولم تستطع ثقافة السلف الماضية بالتراث المحافظة، الداعية إلى التشبث بكل ما هو غابر، وتقدم نفسها على أنها الأساس الأول، باعتبارها مكونا من مكونات الهوية، والانتماء الحافظ على الشكل الحضاري وتطويره منذ العصور الجاهلية للأدب حتى الآن، ولم تستطع رد الفجوة بين الماضي والحاضر بموضوعية، وروح انتقائية تمكننا من الاستنارة، كما أن المنتج الثقافي العربي لا يزال مقيدا بقيم أيديولوجية محكمة التنظيم بالغة التأثير، أدّت إلى شلل عضوي في بنيته الفكرية، ولا يزال جل المثقّفين حتى الساعة عاجزين عن الخروج من الطابوهات المؤثرة، رغم أنها تتعرض للاندثار والترويض والإهمال، ممّا أدّى إلى ظهور صورة الاستيلاب هربا من إحباطات الواقع وخيباته، لدى المثقف الحديث في اغترابه عن واقعه نحو التجارب الغربية المعاصرة المتجاوزة لواقعنا، والتي ربما لا تتشابه ظروفها وإشكالياتها مع ظروفنا وإشكالياتنا بصورة مطلقة، كانعكاس سلبي لوجه المثقف العربي وحالة من الإرباك والاضطراب بما يتعارض مع الهوية والتاريخ، فنرى أفراد مشهد الظل الثقافي في حالة متشنّجة، يستخدمون مفردات وتعبيرات ولغة جسدية تواطأ الجميع عليها لتكون صورة للمثقف المقبول في التجمعات الثقافية لننتقل معها في مرحلة الخندق الفكري.
وعليه تكون شخصية المثقّف الحر في معظم الحالات مجرد صورة مزوّرة هي الأخرى قد تمّت صياغتها في مشهد الظل الثقافي.
- ماذا عن واقع الشّعر بصفة خاصّة؟
أما عن واقع الشعر اليوم، فهو يمر بمرحلة تحول بين عصرين نتيجة الهزات التي يتعرض لها الوجدان العربي، أفرزت ميلاد مدرسة النهضة الأدبية ليظل المضمون شريعة الإبداع المتواصل نتقدّم به نحو العصر الحالي بكل ثبات ومسؤولية. رغم أنّنا لم نسلم من النقد اللاذع للمحافظين الذين لم يستسيغوا أن يمس التجديد ما يعتبرونه مقدّسا متوارثا خاصة اللغة وتشكلاتها الإيقاعية، وهذا ما جعل الحرب مفتوحة على المجدّدين رغم أنهم نجحوا أيّما نجاح في تجديد الشكل والمضمون معاً، ونجحوا أيضا في إعادة قراءة المفاهيم الفكرية والشعرية والثقافية.
- أين واقع النّقد الأدبي في الثّقافة العربية اليوم؟
إنّ المتتبّع والمهتم بالحركة الأدبية في بلادنا، سيلاحظ في يسر، كثرة الكلام عن أزمة النقد الأدبي. ومن غير شك إنّ لهذا الكلام جذوراً، كما أن هناك اختلافاً في طبيعة الأزمة ذاتها وفي تحديد هذه الجذور.
الشّاعر هو من يقوم بإنتاج النص الأدبي، والناقد هو من يتلقي النص الأدبي ودرسه ليستفيد منه الدارسين في المجالات الأدبية المتنوعة، فهناك مقولة أعتقد فيها وهي «أنّ النّاقد يرى في النص ما لا تراه عين الأديب»، إذ يجعل من النصوص الأدبية لوحات أكثر إبداعا من خلال إظهار ما بها من جمال ومعاني خفية، ربما لا يقصدها الأديب في العمل الأدبي، والناقد الأدبي هو الأب الثاني للإبداعات الأدبية، يرى في النصوص ما لا يراه الناقد الأول، وإن سألتيني من هو الناقد الأول للنص؟ ستكون الإجابة هو القارئ العادي للنص، غير أنه يتفق مع الناقد الأدبي المتمرس في التذوق الأدبي للنصوص والأعمال الأدبية.
وقد ظهرت في الساحة الأدبية وجوه تحاول أن تتجاوز النقد التقليدي، والاستفادة منه في الوقت ذاته، على غرار ما قاله «سارتر»: «بضرورة أن يختار المرء الموجود لا الكائن بين ما تطرحه أمامه الحياة من خيارات»، جاء ليعمق فكرة الالتزام بالموقف، بالرغم ممّا يصحب ذلك الاختيار من قلق على ما يختار وندم على ما يترك.
- مثلما هو معروف، وجود رابط قوي جدّا بين النقاد العرب والمبدعين الجزائريّين، ما هو السر في ذلك؟
بالنسبة لواقع النقد الأدبي للإنتاج الجزائري في ظل عولمة سيطرت على الفكر العالمي، استطاعت الثقافة الجزائرية أن تنجب جيلاً من الكتاب الذين يواكبون التطور الأدبي الحاصل، لأن الولادة في ميدان الثقافة تحتاج إلى نضج العمل، ويتطلب معرفة علمية وفلسفية عميقة ترتقي وتتسامى بجيل جزائري فوق كل تلك الظروف، استطاعوا إنتاج الأثر الأدبي المنقود من خلال نقد سليم والوصول إلى الغاية المنشودة، ويكفي أن يكون 4 شعراء مشاركين في آخر أعمال المدرسة الأدبية.
- هل تخدم المسابقات والمجلاّت الإلكترونية اليوم الأدب والإبداع؟
نعم تخدم العملية التواصلية الطبيعية كما هو متعارف عليها في أدبيات وتقنيات الاتصال، تتطلّب وجود عناصر أساسية لنجاحها وتحقيق المبتغى المرجو منها، وقد لعبت وتلعب دورا كبيرا في إنجاح عملية الاتصال الجماهيري إلكترونيا، وباتت الأنترنيت وسيلة مساعدة في ذلك، إضافة إلى كونها مصدرا وموردا للباحثين والإعلاميين.
- كيف السّبيل إلى الحد من مشكل القرصنة التي اعتمدها الكثير ممّن يدّعي الكتابة والأدب؟
أمّا عن مشكل القرصنة التي اعتمدها الكثير ممّن يدّعي الكتابة والأدب دون التطرق لضوابط أخلاقية، والتحدث عن المافيا الثقافية من الممكن أن نقول إنّ السرقة الفكرية هي المفهوم الأوسع، والعلاقة بينها وبين السرقة الأدبية علاقة الجزء بالكل، فهي بحاجة إلى التوعية قبل التجريم، وإذا تطرقنا لأسباب المشكلة سنجد لها شقين مندرجين تحت «التناص والتلاص»، وما يصاحبهما من الكسل الفكري والتسطح والجهل والغيرة والشعور المصاحب للفشل، للسير على طريق النجاح دون عناء الفكرة وانتزاع بعض الأفكار من محتوى آخر بصورة جزئية واستكمال الباقي، والهدف من ذلك هو التغطية على المواضيع الأصلية، واكتساب مزايا جديدة دون استئذان.
- كيف هو حال الاصدار و النّشر المتخطّي للحدود الجغرافية؟ هل يخدم هذا الأديب أو المؤلّف أم أنّه فقط صفقة تجارية رابحة للنّاشر؟
شهدت صناعة النشر والكتب في العالم خلال السنوات القليلة الماضية أوقاتا حاسمة، بأحداث غيّرت مفاهيم عديدة استقرّت لعقود، مثل عادات القراءة وشكل الكتب وطريقة بيعها، بعد ظهور ما يسمى بالكتب الإلكترونية فعلى سبيل المثال أظهرت بعض الإحصاءات الحديثة أنّ القرّاء المستخدمين لأجهزة القراءة الإلكترونية يشترون كتبا أكثر من القرّاء الورقيّين التقليديين، وهو الشيء الإيجابي الذي قد يغفله كثيرون وتبقى التجربة هي خير دليل، وإن كان النشر الإلكتروني سيتخطّى مع الوقت سلبيات القرصنة بالنسبة للناشرين والكتاب، فإن الإصدار تجاوز حدود المكان وفتح أسواق متعدّدة أمام الناشر والمنتج الأدبي في صفقات رابحة.
- كيف السّبيل لتوطيد العلاقة بين المبدعين العرب والنهوض من جديد بالمشهد الثّقافي والفني بعيدا عن ملتقيات المجاملة والمحاباة والمصالح الشّخصية؟
لكل دولة مقوّمات وخصوصيات تراثية حتى تضمن لنفسها الوجود الثقافي الذي يميّز شخصيتها، ويسهم بالتالي في إثراء الثقافة الوطنية وخلود التراث الحضاري، لذا يجب تبني الأفكار الهادفة إلى المحافظة على المصادر المتنوعة والغنية للثقافة المحلية والعربية بكل الجهات وتوفير البنيات التحتية الثقافية، وتشجيع الطاقات الخلاّقة للإسهام في تنمية وتطوير كل أشكال الابتكار والإبداع الثقافي والفني ودعم الخصوصيات الثقافية، وتحقيق توزيع متوازن وعادل للعمل الثقافي حتى يمكن النهوض بالمبدعين العرب على أسس متوازنة تخلق على عاتقها، حماية التراث بجميع أنواعه وأشكاله، والحفاظ على المآثر التاريخية في روافد إرثنا الحضاري بعيدا عن المجاملة والمحاباة والمصالح الشخصية والرشوة.
^ ما هو موقع المؤلّف الكاتب والشّاعر وسط معارض الكتاب الدولية؟
^^ العمل الإداري يقتص منّي وقتا كبيرا والمهام المختلفة التي أتولاّها والمتابعة الدقيقة لكل التحولات الثقافية والاجتماعية أجبرتني على تقزيم نشاطي الأدبي في الآونة الأخيرة، فقد شاركت بديوانين فقط هذا العام في معرض القاهرة ومعرض أبو ظبي وأخيرا معرض الجزائر 2018، ورغم نفاد الكميات المعروضة فلم تسعى دار النشر لسد العجز في حالة من التقصير والتراخي، لذا قرّرت والأمانة العامة لمدرسة النهضة الأدبية إنشاء دار نشر وطباعة دواوين الشعراء بالمدرسة الأدبية كنوع من المراقبة الدقيقة لاحتياج السوق والمنتج الأدبي، والترويج وفق آليات متعارف عليها تحفظ النوع من الاندثار والمهانة الفكرية.
- هل يسعى العالم العربي إلى الاهتمام أكثر بالتّرجمة للانفتاح على باقي الشّعوب، والتّعريف وتسويق الثّقافة العربية إلى الآخر؟
اختلف شكل الترجمة عن ذي قبل، فقديما كان يأتي الباحثون المترجمون بكتاب لكاتب ما أو شاعر ما ثم تبدأ مرحلة التحول والترجمة لنشر الفكر الغربي بالمجتمع العربي، لكن لأنّنا من السابقين في أفكارنا الحداثية كانت لنا رؤية مغايرة، فقد بدأنا بإنشاء قسم الترجمة وصناعة تعاون لوجيستي مع كتاب وشعراء وإعلاميين بمختلف دول العالم، والتحول بالعولمة العربية إلى استقراء الحدث بدلا من انتظاره وتسويق الثقافة العربية. وبالفعل صارت لنا أعمال مترجمة بالأرمينية والروسية والفرنسية والانجليزية في باكورة التعاون الذي لم يكن له وجود قبل ستة أشهر ماضية، وأتمنى خلال السنوات القليلة القادمة أن تحدث ثورة ثقافية من نوع جديد، ونشر الوجه الحقيقي للثقافة العربية بجيل يمتلك كل مقومات الإبداع الفكري والعلمي.
- نعود الآن إلى محمد عبد العزيز الشّاعر، ما هو جديدك الأدبي؟ وما هي أمنياتك وطموحاتك إزاء المشهد الثّقافي العربي والمصري؟
ونظرا لمسؤولياتي المتعدّدة كأمين عام لمدرسة النهضة العربية الحديثة بالوطن العربي والمشاق التي نكابدها لإرساء دعائم ثقافة رفيعة حرة، وكوني سفير الثقافة لمؤسسة Inner Child Press International
الأمريكية في مصر والشرق الأوسط، إلى جانب مهامي كسفير سلام للمعهد العالمي للسلام
World Institute for Peace (WIP), International ، أعترف أنّي مقلل في الجديد الأدبي، لكن عزائي ألا يمر عام دون أن أترك بصمة واضحة على الساحة الأدبية. وأنا الآن بصدد التحضير لمجموعة قصصية جديدة، أتمنى أن تكون حاضرة بفعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب 2019.
أما بخصوص طموحاتي فلا حدود لها ولا سقف، فهي بعد طرق باب العالمية في حالة تحولات تاريخية، من خلال العمل على الانتشار الثقافي الجاد وكسر حاجز الذاتية بعد حالة الاغتراب والتهميش السائدة بالمجتمع العربي. لقد تمّ إدراج قصائدي في الموسوعة الاسبانية «أزهار» في منتصف شهر جافني الحالي، كما سأشارك في مسابقة «بابلو باروخا» بالشيلي بشهر مارس بقصائد مترجمة إلى الاسبانية، وبمسابقة أخرى بالأرجنتين شهر مايو القادم.