الشاب نصر الدين أنموذج للإرادة الفنية الحية
هي الحقيقة المرة، التي أصبح عليها هذا الفن والإرث التاريخي، حتى أنه يُخيل للباحث في دفاتر الأيام، أن مسرح «التوري على سبيل الذكر بعمق المدينة، عرف مرور فطاحلة وإيقونات التمثيل فوق خشبته، أمثال محمد التوري في شخصه، ومحي الدين بشطرزي، مصطفى وكلثوم، وحسن الحسني، والقائمة لا تنتهي، لتصاب البليدة بعقم حقيقي، لم تعد تقوى على إنجاب أسماء، أو حتى تكون عنوانا للوقوف فوق خشباتها، لأنها تحوّلت الى «أطلال» مهجورة خربة.
«الشعب» وقفت على حقيقة المسرح في البليدة وعادت بحقائق مؤسفة عن العزوف ومأساة الطلاق الواضحة.
«نصرالدين» من موهبة مدرسية الى بائع للسجائر والجرائد...
يعترف نصرالدين خلفاوي الشاب الطموح الموهوب في التمثيل، وأداء الأدوار، «انه لم يكن يعلم أن لديه ملكات في فن المسرح او التمثيل على خشبة المسارح، بل كان ما يجيده هو عفوي، صبغه في إبداع، إلى أن اكتشفته معلمته في مدرسته الابتدائية، وبدأت تلونه وتمدحه وتصفه ممثلا يحسب له في المستقبل». لكن يواصل الشاب نصرالدين في دردشة مع «الشعب» ويقول كنت في سنوات الأولى، أتمتع وأنا أصول وأجول على خشبات مسرح مدرستنا أو في مؤسسات تربوية أخرى، كنت اشعر بأنني امشي فوق بساط احمر، وأتخيل نفسي، على شاكلة جهابذة المسرح السابقين، مرة سيد احمد أقومي، ومرات حسن الحسني ومحمد التوري وغيرهم وكنت انساق في التمثيل واغرق في ذلك البحر، حتى بات جزءا من شخصيتي، ولما انتقلت الى الطور المتوسط اعتقدت في قدراتي وبحثت عن فضاء افجر فيه طاقاتي أكثر، لكن النور الذي ظهر في مرحلة الأولى، بدأ يخفت و يقل شيئا بعد يوم، ثم ولما انتقلت الى الثانوي انطفأ ذلك البصيص من الضوء واختفى، وبعد أن كنت أشارك زملائي الموهوبين في مسرحيات تارخية وملحمية ودينية، كل واحدة حسب المناسبة، لم أعد ذلك الشاب الطموح، ولما تركت الدراسة والتحقت بعالمي الحر، بحثت مع شلة من الأصحاب الموهوبين، عن عنوان امثل فيه وأزيد و أنا العطشان، احترق كما يحترق زملائي، ولكن هيهات، فما وراء أسوار التعليم، عالم أكثر غربة وموحش إلى حد الإحباط في للعزيمة والطموح .
بداية الفشل..
ويواصل الشاب نصرالدين بالحديث والتصوير، من أنه ولما بات يافعا ناضجا مدركا للواقع ولما يدور من حوله، حاول واجتهد مع أصحاب له، في أن يجدوا من يلتقطهم ويهتم بهم، ويؤطرهم ويجمعهم في مجموعة، لتقديم عروض مسرحية، لكن كل ذلك لم يحدث، بل الذي جرى، انه أصبح كما قال يُستغل في كل مناسبة، لأن يقدم عروضا مسرحية مناسبتية فقط، وباتت جمعيات على غرار جهات بلدية، تستدعيه « مجانا» لان يقدم عروضا في ثورة نوفمبر، أو عيد الاستقلال و الشباب، والمناسبات كثير، ولما بات مدركا جدا لما أصبح عليه، اختار هو وبعض من الموهوبين، التجارة في بيع الجرائد و السجائر وتقمص شخص المهرج، لاسيعاد المرضى والأطفال، حتى يضمنوا مصروف يومهم، ولا يسألوا الناس دينارا أوعشرة، وفي مناسبات كثيرة العمل بالمجان، كل حسب الظرف والمناسبة.
النجاح وفرض الوجود في مدراس التكوين..
ينادي وهو يغتنم فرصة الحديث عن واقع المسرح في البليدة، بأنه يتحدى أي كان أن يأتيه باسم لفنان مسرحي نجح، أو استطاع أن يضمن لنفسه مقعدا وقيمة مضافة في هذا المجال، ويدعو في سياق ذلك، إلا أن الموهبة ليست هي التي تنقص ولكن «الاهتمام» و»التشجيع»، والتأطير عبر كل المستويات، وهو يأمل في ان يتم تخصيص وإنشاء معاهد تحتوي هذه المواهب، والتي يمكن ان تزيد وتفرض بصمتها وفاعليتها في المجتمع، فالمسرح ليس «ملهاة» أو خشبة لتأدية أدوار وانتهى، بل هو منصة يمكن أن تساهم في الإصلاح والتربية والتنشئة الاجتماعية، وحتى السياسية، ووصفه وتصنفيه بأب الفنون ليس فيه مجاملة أو انحياز بل هي الحقيقة، والتاريخ يشهد قديما وحديثا.