وهب حياته للعلم والبحث والتّكوين

البخاري حمانة.. . رحيــل مفكّـر متفرّد

أسامة إفراح

ووري المفكّر الجزائري البخاري حمانة الثرى، أول أمس الخميس بمقبرة عين البيضاء بوهران، بحضور أصدقاء الراحل وطلبته ومحبّيه. وكانت جنازة الفقيد سانحة لاستذكار مناقبه وخصاله، وهو الذي وهب حياته للجامعة والبحث، وقبل ذلك للجهاد في صفوف ثورة التحرير الجزائرية. برحيل المفكّر البخاري حمانة، تكون الجامعة الجزائرية قد فقدت أحد مؤسّسيها، ويكون تخصص الفلسفة بالجزائر قد حُرم من أحد أهم أعمدته.
في كلمة تأبينية ألقاها بجنازة الفقيد، كان ممّا قاله الدكتور بوزيد بومدين الأمين العام للمجلس الإسلامي الأعلى: «كنت محاورا على طريقة مشايخك الفلاسفة اليونانيين والمسلمين..اخترت العلم والمدرّج، وتقليب صفحات الكتب، وفي العشرين عاما الأخيرة فضّلت خلوتك في مكتب متواضع جدّا اتّخذناه مزارا يوميا لنجدّد لك عهد المشيخة، فكان منتدى للحديث في العلم والسياسة والحياة اليومية، وتكتفي يومك بتمرات وبقليل من الحليب، وينتظرك الآخرون شغفا من كل المستويات والأعمار للحديث معك».
وعن فلسفة الفقيد في الحياة قال: «أيّها الصّديق الصدّيق، كنت توزّع الابتسامة والفرحة على الجميع، تحرّك العقل والقلب وتزهي الجلسة وحتى حين تحزن يصبح الحزن فرحا، وهي فلسفة حياة اخترتها، وكنت دوما تتحدث عن الموت الذي اختطفك منّا، وقرأت بالموت مأساة الإنسان، فيحضر في نصّك وعبارتك المعري والغزالي وسارتر». كما تطرق إلى جهاد الفقيد إبان الثورة وبعدها، وقال في ذلك: «عشقت تاريخ بلدك وثورتها فقرأتها فكرا وأصلا إنسانيا، وقدّمت حولها أطروحتك فلم تعد أحداثا وزمنا فقط بل هي قيم إنسانية ورؤية للوجود والدولة والكون».
ولد ابن مدينة قمار (وادي سوف) سنة 1937، وهناك تلقّى بدايات تعليمه بالمدرسة الابتدائية الفرنسية، ثم انتقل إلى تونس حيث زاول دراسته المتوسطة والثانوية بالجامعة الزيتونية (الشعبة العصرية)، وتخرّج منها بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف، ومنها توجّه إلى العاصمة المصرية القاهرة، وفي جامعتها درس بقسم الفلسفة.
عمل البخاري حمانة بعد الاستقلال ملحقا إعلاميا في السفارة الجزائرية في القاهرة، قبل أن يلتحق بوكالة الأنباء الجزائرية، ويختار في الأخير الجامعة والبحث العلمي. وقادته الأقدار إلى جامعة باريس عشرة (جامعة باريس نانتير)، ليلتحق بجامعة وهران من 1972 إلى غاية 1995.
وفي ذلك يقول د - بوزيد بومدين: «بعد الاستقلال كان محرابه مدرّجات الجامعة، فانتقل إلى وهران وساهم في تأسيس معهد علم النفس ثم أنشأ معهدا للفلسفة مستقلاً، وقد بذل جهداً في تعريب العلوم الاجتماعية، إلى جانب المفكّر الجزائري الذي مرّت ذكرى وفاته منتصف هذا الشهر، عبد المجيد مزيان، ومحمد العربي ولد خليفة وآخرين من جيل تمرّس على اللغتين».
ومن الأعمال العلمية والرسائل التي تركها الفقيد لنا «الإدراك الحسي عند الغزالي»، دبلوم في علم النفس، ودكتوراه الحلقة الثانية، جامعة الجزائر (قسم الفلسفة) بعنوان «التعلم عند الغزالي»، ودكتوراه الدولة: جامعة وهران (قسم الفلسفة) بعنوان «فلسفة الثورة الجزائرية».
وقبل ذلك، كان عضوا فاعلا في الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين بتونس بين 1955 و1960، وتولّى رئاسة مكتب القاهرة ثم عضوية اللجنة التنفيذية لذات الاتحاد. عمل موظّفا متعاقدا بقسم الجامعة العربية بالسفارة الجزائرية بالقاهرة بين 1964 و1966، كما عمل في مهنة الصحافة، حيث شغل منصب مدير مكتب وكالة الأنباء الجزائرية بالقاهرة والمشرق العربي من 1966 إلى 1972، كما عمل صحفيا متمرّسا بجريدة «الجمهورية».
وكان الفقيد قد تحدّث عن نفسه، خلال تكريم خصّته به جامعة وهران قبل سنة، قائلا إنّه عاش وسط أسرة فقيرة، ولكن ذلك لم يمنع حبه القوي للتعليم والدراسة والبحث. وحافظ بخاري حمانة دوما على تواضعه، ولم يكن يعتبر نفسه عبقريا، بل هي فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، التي كانت عقودا ميزتها ثورة الشعوب وبروز قيادات وزعامات عربية وأجنبية كبيرة، امتازت بمواقفها التحررية النضالية.
وكشف الفقيد حينها أنه رفض عدة عروض لتولي مناصب رسمية كسفير أو وزير في الحكومة، وكان السبب عشقه الكبير للجامعة التي رأى بأنها «أسمى مكان للإنسان» خاصة وأن العلم «أفضل سلاح لكل الأجيال»، وفي هذه الجامعة خاض حمانة صراعات عديدة لتأسيس قسمي الفلسفة وعلم النفس.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024