مراجعات

حينما يعــترف الشّعراء..يجـب أن نستشــــرف المستقبــــل!

بقلم د - أ حبيب مونسي

في حديث له مع ياسين رفاعة في جريدة النهار اللبنانية بتاريخ 17-03-1988. قال نزار قباني: «سأعترف لك اعترافا خطيرا، إنني أصبحت أخجل من قصائد الحب. أنا الذي كنت الناطق الرسمي باسم ملايين العشاق، كلما وقفت على منبر وخطر على بالي أن أرطب الجو بقصيدة حب، قلت ما بيني وبين نفسي: عيب يا ولد..إن الأرض تهتز من حولك، والعلم العربي تأكله الحرائق وأنت قاعد تثرثر أنت وحبيبتك وتتغزل بحرير يديها، وخوخ شفتيها، بينما النار وصلت إلى ثيابك..إنني لا أستغرب هذا التحول في شعري، وفي أفكاري، وفي مواقفي. فالجمهور العربي أصبح وحشا سياسيا لا يقف بوجه شهيته شيء. فإذا لم تطعمه قصيدة سياسية أكلك...وإذا كان مسموحا للشاعر الأوروبي أن يبقى في إطار التجريد، فإن الشاعر العربي الواقف على الأرض الخراب لا يمكنه أن يتكلم عن ضوء القمر وعن شم النسيم.. إن جراحاتنا المفتوحة لا تتحمل الرمز أبدا...
ربما لم يلتفت أحد من النقاد، أو المفكرين، أو السياسيين..إلى هذا الاعتراف الذي سبق الربيع العربي بسنوات طويلة. وحمل في طياته كثيرا من الأفكار التي كان في الإمكان استثمارها لبناء تصورات تمس الواقع السياسي، والاجتماعي، والفني، والأدبي. وأخذ الحيطة، وسبل الاحتراز..فيعلم الدارسون من خلالها أن حدس الشاعر في هذه اللحظة الخاصة من صدق الاعتراف تكشف، كما تكشف أحاديث الرائي، عن تحولات آتية من عمق المجتمع، وأنها سوف تكتسح الواقع العربي اكتساحا عنيفا.
ليس الوقت إذا..وقت غزل، ولا تجريد..لأن ذلك لا ينفع، ولا يلتفت إليه. فإذا كان الغزل سيلطف الجو لحظات، فإن مرارة الواقع ستمحو أثره سريعا، كما تمحو أمواج البحر الأثر على الرمل في جولة أو جولتين. وليس الوقت وقت تجريد، لأن الكلام المعلق على أجنحة الرموز والمعاني المستغلقة غير مرغوب فيه لأن الحاضر يستلزم الحديث المباشر الصريح الذي يقول الحقيقة عارية من غير تجميل ولا لُبس. كل ذلك لأن الأرض التي يقف عليها الشاعر، ويعرف حقيقتها شرقا وغربا، أرض خراب، قد اشتعلت النار في أطرافها بعد النَّكسات المتتاليات، وأنها نار لا يمكن إخمادها وقد بلغت عباءة الشاعر الديبلوماسي.
فهل نحسن اليوم الاستماع إلى حدس الشعراء، والكتاب، والمفكرين..ونقرأ في اعترافاتهم هذا اللون الثمين من استشراف المستقبل؟ هل ربَّينا في أذواقنا الحاسة الحضارية التي تتجاوز أكذوبة الفن من أجل الفن، التي تنقلنا إلى كون ما نكتب، ونشعر به، وما نرسمه، أو ننشده، لون من ألوان الأشواق التي تتخطى بنا عتبات الأزمنة الآتية، وترسم لنا آفاق المستقبل الذي نصبو إليه؟

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024