كشف الروائي الشاب المتألق عيساوي عبد الوهاب بالمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية أسيا جبار، بتيبازة، عن جملة من الخبايا و المشاهد التاريخية التي تحويها روايته الصادرة عن دار ميم للنشر مؤخرا بعنوان: «الديوان الاسبرطي»، مشيرا إلى كون الأحداث الواردة بها تعنى بالفترة الفاصلة بين 1815 و 1833 و هي الفترة التي سبقت و تلت موعد احتلال فرنسا للجزائر.
تقع الرواية التي تعتبر الثانية من نوعها للكاتب الشاب في 384 صفحة، عقب تنقيحها بعدما كانت مقترحة في حدود 600 صفحة في مسودتها الأولى، وهي تجمع في طياتها قدرا كبيرا من الأحداث البارزة في شتى نواحي الحياة خلال الفترة التي سبقت الاحتلال الفرنسي للجزائر بمعية الفترة التي تلت الحدث مباشرة، بحيث يشمل ذات العمل الأدبي الراقي خمس فصول مترابطة، إضافة إلى خمس شخصيات هامة منها فرنسيان وجزائريا و امرأة جزائرية تدعى دوجة نالت قسطها من الحرمان و الحقرة و التهميش دون أن تتمكن من التعبير عما يختلج بصدرها .
ولأنّ الشخصيات الواردة بالرواية تشكّل المادة الدسمة لها، فقد كشف الروائي عبد الوهاب عيساوي عن كونها تشمل فرنسيان يتقاطعان في نظرتهما ورؤيتهما للأحداث على أرض الواقع بالنظر للتكوين الأولي لكليهما، بحيث يعتبر الأول صحفيا قدم إلى الجزائر كمراسل حربي مشبع بخلفيات دينية يعتقد بأنّها تليق بقارة افريقيا كلها كمنطقة مسيحية لا يمكن التخلي عنها، و مكث بالجزائر عاما كاملا في مسرح الأحداث المتلاطمة قبل أن يعود لفرنسا ويبرّر عودته من جديد للجزائر، بعد عامين لتغطية مسيرة باخرة قيل عنها أنها تحمل عظام جزائريين نحو مرسيليا الفرنسية ليجد نفسه معنيا بالتفاعل مع قضايا متعددة، فيما تدعى الشخصية
الفرنسية الثانية «كافيار» و الذي يعتبر جنديا مخلصا لجيش نابليون و سبق له التعرض للسجن بالجزائر عقب إلقاء القبض عليه بالبحر المتوسط من طرف القراصنة العثمانيين سنة 1815 ليغادر السجن بعد سنة من ذلك و يتفرّغ لكتابة يومياته إلى غاية 1829، الأمر الذي مكنه من إعداد وثائق تترجم محاكاته للواقع الجزائري بكل مكنوناته و متغيراته.
أما عن الشخصيات الجزائرية الواردة في الرواية، فيتعلق الأمر بكل من ابن ميار الذي ينحدر من طبقة الأثرياء المرتبطين بتسويق القمح المحلي، بالنظر إلى كونه مرتاح ماديا و يحوز على ضيعات و مزارع وكذا حاما السلاوي الذي كان يشتغل بدمى القراقوز التي كان يحضرها لتمثيل شخصيات عثمانية أو فرنسية لعرضها بالفضاءات العامة، و ظلّت الشخصيتان على مدار تلك الفترة متناقضتان فكريا و ثقافيا بحيث كان ابن ميار يعتقد بانّ القرصنة التي يعتمدها الجيش العثماني شرعية و تبقى أقرب إلى المنطق منها إلى التعدي في حين تساءل حما السلاوي كثيرا عن جدوى القرصنة و مشروعيتها و مدى مطابقتها للعلاقات الدولية، وبين هذا وذاك تعيش دوجة حياتها غير العادية و المليئة بالحرمان و الحقرة مرغمة لا غير ذلك، لتجد نفسها تتأثر بمختلف التحولات و القرارات دون أن تتمكن من مجابهتها و هي تنحدر أساسا من منطقة متيجة، أين كان أبوها يمارس نشاطا فلاحيا قبل أن يوظف بالقنصلية السويدية بالجزائر بحيث اضطر الى مرافقة ابنته دوجة إلى هناك بعد وفاة أمها لتبدأ حياة التعاسة و الألم لاسيما، حينما حاول المزوار حمل دوجة على ولوج بيوت الدعارة قبل أن يقوم كافيار بتصفيته باعتباره كان وصيا على بيت القنصل السويدي، خلال فترة غيابه لسفرية نحو بلاده، و قد انتهت مأساة دوجة مماثلة لما حصل لمدينة الجزائر التي اغتصبها الاستعمار عنوة وفي وضح النهار، مع الإشارة إلى كون أحداث الرواية تقع جميعها بمدينة الجزائر العاصمة التي كانت مختصرة حينذاك في حي القصبة العريق.