مراجعات

ماذا يعني أن أكون روائيا.. وأن أكتب رواية؟؟

د.أ. حبيب مونسي

سيدرك القارئ سريعا أنه أمام إشكالية في فهم الفرق بين المطلبين، وأن عليه أن يتبين هذا الفرق جيدا حتى يقدر على مواصلة الحديث في هذا الموضوع، فيكون حديثه حديثا واضح البدايات، بيِّن النهايات، واضح المقاصد. أن أكون روائيا، معناه أن أكون صاحب مشروع فكري، أيًّا كان نوعه، وأنني أدرك أن الرواية هي السبيل الأفلح لتحقيق ذلك المشروع، ونقله إلى القراء. لأنني نظرت في أشكال الأدب والفن، ووجدت أن هذا الجنس أوسع لي من حيث إمكاناته، وإقبال الناس عليه أنَّه الأفضل لي أن أسير في مضماره، لتحقيق ذلك المشروع.. أن أكتب رواية.. فأمرها مختلف، لأنني أريد تحقيق شيء يفرض علي أن أعرف حقيقة هذا الجنس الأدبي، وأن أنظر فيما كتبه غيري فيه نقدا وإبداعا، حتى أُشكِّل لنفسي قدرا من المعرفة، التي ستؤمن لي قدرا من الثبات على خطوطه العامة. فلا أخرج عنها فأفسد الفن في حقيقته الأدبية والفنية. ثم أتمرس متدربا قليلا في أساليب الرواية حتى أمتلك الملكة التي تسعفني لإتمام المشروع.
لكن هل تتم الأمور على هذا النحو من الترتيب في أذهان عامة من يكتب الرواية؟ أم أن التجربة تبدأ بنص يُكتب في غفلة من المشروع، والخبرة، والمعرفة، ويُقدم للطبع بما فيه من خلل وهلهلة، ثم يُحمَل كل ذلك على عاتق التجريب؟ الواضح جدا من اعترافات الكتاب أنفسهم، أنَّ كثير منهم جاء للرواية عن طريق المصادفة، وأن قراءة ما، أو حدثا ما، أو تجربة ما، أوحت إليه أن يخط الكلمات الأولى لنصه، ثم رآه يتسع بين يديه ليبلغ عددا من الصفحات.. فاضطر إلى أن يعيد هندسته من جديد، ليكون له حق الاستمرار في هذا الاتجاه أو ذاك. وقد يحالف النجاح هذا النص، ويجد قبولا لدى القراء، فيغري صاحبه بثان وثالث، دون أن تتبيَّن ملامح المشروع الروائي في ذهنه وضوحا تاما.. هنا يأتي دور النقد ليُنبِّهه أنه يضع يده على شيء مهم، وأنه فتح في أسوار الفن فتحة، يمكنها أن تتسع لتصبح بوابة على عالم عجائبي يستهوي الرحلة والمخاطرة..
إن الذي كتب النص والنصين، ولم يتبيَّن هذا الأفق في كتابته، ضريرٌ يتلمس طريقه في عالم الأفكار، كما يتلمس الأعمى طريقه بعصاه. فإن كنت كتبت روايتك الأولى والثانية.. توقَفْ قليلا لتسأل نفسك: ما مشروعي في هذا الفن؟ هل أنا مجرد حكواتي يحكي قصصا؟ هل أنا مجرد كاتب يحسن سرد الكلمات والأحداث؟ إذا كنت كذلك فأمري هيِّن لا يساوي شيئا في ميزان الفن والأفكار والحياة.. أما إذا صارت الرواية بين يدي مشروع فكرة أو أفكار، فمعناه أنني أصبحت صانع حياة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024