أحصت السّلطات المحلية بالقليعة بولاية تيبازة أكثر من 800 ورشة نجارة تنشط معظمها بحي بن عزوز الشعبي في ظروف مثيرة للجدل والفوضى بفعل انبعاث أصوات عالية من الآلات المستعملة، ناهيك عن الانتشار العشوائي للغبار ومادة اللماع في الهواء الطلق ممّا يلحق بذوي الأمراض التنفسية صعوبات صحية كبيرة.
بحسب شهادات حيّة استقيناها من عين المكان، فإنّ حرفة النجارة توارثها سكان الحي أبا عن جد ولا يكاد يخلو كل بيت مشيّد هناك من ورشة في هذا الاتجاه، بحيث يبرز ذلك جليا في مجمل السّكنات المشيّدة حديثا بحي كركوبة المجاور، والذي يعتبر في الواقع امتدادا طبيعيا لحي بن عزوز ممّا أفرز منطقة نشاطات متخصّصة في هذه الحرفة على امتداد الحيين معا ودون سابق إنذار، كما أسهمت هذه الظاهرة في انتشار محلات البيع بالجملة وبالتجزئة لمختلف أنواع الأثاث بذات الحيين ولاسيما بحي كركوبة المفتوح على الطريق الاجتنابي الشمالي للمدينة، مع الاشارة الى تحول هذه الوجهة إلى مقصد لتجار الأثاث الذين يقصدونها من مختلف جهات الوطن.
وإذا كان ذات النشاط يساهم إلى حد كبير في امتصاص البطالة محليا، وتمكين سكان المنطقة من الاسترزاق دون الحاجة للتنقل لأماكن بعيدة، إلا أنّ الاشكال القائم هناك منذ فترة طويلة يكمن في تضرّر السكان والمارة على حدّ سواء من تداعيات تلميع الأثاث باستعمال الآلات الضاغطة، ناهيك عن انتشار الأصوات المزعجة المنبعثة من مختلف الورشات بمعية كمية كبيرة من الغبار المتطاير بشكل يثير القلق، ما يرغم السكان المجاورين لغلق نوافذهم مرغمين على مدار السنة حفاظا على السكينة والطمأنينة. كما أفرز تطاير الغبار وآثار اللماع بشكل دائم ومتواصل في إصابة العديد من السكان بأمراض تنفسية وأمراض الحساسية أيضا، حسب ما أكّده العديد منهم إلا أنّهم أشاروا بالمقابل إلى كون ذات الحرفة تحوز على قدسية متميزة لديهم ولا يمكن التفريط فيها بالنظر إلى ارتباطها بتقاليد الآباء والأجداد.
وعن المساعي التي باشرتها السلطات المحلية لاحتواء هذه المعضلة، فقد أشارت مصادرنا من بلدية القليعة إلى أنّ منطقة النشاطات الكائنة بواد مزفران كانت قد أنشئت في فترة نهاية الثمانينات لاحتضان ورشات النجارة بالدرجة الأولى، غير أنّ تسارع وتيرة الانفلات الأمني في بداية التسعينيات من القرن الماضي حال دون تجسيد مشروع نقل الورشات المعنية لتسلّم القطع الأرضية المهيّأة لمؤسسات إنتاجية وخدماتية أخرى غير تلك التي تنشط في مجال النجارة من منطلق الاسراع في توفير المداخيل الجبائية محليا من جهة وضمان أكبر قدر من مناصب الشغل في تلك الفترة.
وبالرغم من مساعي القائمين على عدّة مجالس شعبية بلدية متعاقبة على البلدية خلال عقدين من الزمن، تتعلق بإيجاد حل توافقي لنشاط تلك الورشات، إلا أنّ جميع الاقتراحات المعبّر عنها لم تتجسّد على أرض الواقع، وتفاقمت ظاهرة الانتشار العشوائي للورشات بمختلف أزقة وزوايا حي بن عزوز على وجه الخصوص وحي كركوبة بدرجة أقل لتتضاعف بذلك معاناة السكان مع التداعيات السلبية لهذه الظاهرة دون أن تتمكّن السلطات المعنية من إيجاد صيغة توافقية تحمي مصالح الجميع من حيث الحفاظ على حرفة الأجداد وتوفير الثروة ومناصب الشغل، مع تمكين السلطات من قدر محترم من الرسوم الجبائية التي يمكن اقتطاعها من ذات النشاط لاسيما وأنّ معظم الورشات المتواجدة هناك تنشط بدون ترخيص وفي ظروف غير لائقة تماما.