كثر الإقبال على الاستطباب في السنوات الأخيرة ولا سيما بعد الانفتاح الاقتصادي، حيث انتشرت ظاهرة التدواي بالأعشاب التي أصبحت تقتنى عشوائيا ودون استشارات طبية أو من طرف الاختصاصيين، وفي بعض المناطق الداخلية تم الاستغناء عن الطب الحديث واستبدل بالأعشاب. وللوقوف على مدى إقبال المواطنين واقتنائهم للأعشاب الطبية، قصدنا أحد باعة الأعشاب المعروف منذ زمن طويل بمدينة فرندة السيد موساوي عبد الكريم، والذي أبدى برأيه فيما يخص الاعشاب وفوائدها وأضرارها ومدى إقبال الناس عنها. وعند دخولنا إلى دكان السيد موساوي عبد الكريم بادرنا: أنا في الخدمة بماذا أخدمكم؟ وما هي الاعشاب التي تبحثون عنها؟ وكنا قد أتينا ببعض أسماء الأعشاب النادرة من لدن عجائز و باعة أعشاب، فتوجّه مباشرة إلى صناديق بلاستيكي ليستخرج ما طلبناه غير إننا استوقفناه وأفصحنا عن هويتنا ومجيئنا هو للاستفسار عن بعض الأمور التي تخص الاعشاب، فطلب منا بعض الدقائق حتى يلبي طلبات بعض الزبائن الذين طلبنا بعضهم مشاركتنا في الاجابة عن بعض الاستفسارات. وعن الاقبال عن الاعشاب قال لنا السيد عبد الكريم أن الجميع يحتاج الى الاعشاب سواء للتداوي أو للاستهلاك، ولا سيما أن التجارب حسب محدثنا عن طريق الاعشاب أثبتت نجاعتها، وأن إقبال المواطنين على المتاجر التي تبيع الاعشاب أصبح أكثر من الإقبال على المأكولات، وقد أثبتت تجربتي يقول السيد عبد الكريم أن العديد من مرضى القولون والالتهاب الكبدي وفقر الدم قد خفت آلامهم منذ تناولهم أعشاب طبية اقتنيتها من الصحراء والحدود الشرقية، ولا زال المواطنين الذين جربوا الاعشاب يتوافدون علينا ويطلبون منا توفير هذه الاعشاب مسبقا.
وعن تجربته التي فاقت 17 سنة في اقتناء وبيع الأعشاب الطبية وأعشاب المطبخ، قال محدثنا إنّه تعلّم هذه الحرفة كما سمّاها من والده وأعمامه والأسرة التي كانت تمتهن هذه الحرفة، غير أنّه تعلّم التّجربة من الأسواق الشّعبية التي كان يبيع فيها الأعشاب، وكان يلتقي بالشيوخ والعجائز اللاّئي لهنّ خبرة كبيرة في تصنيف الاعشاب، وقد حصل في الكثير من الاحيان أننا استعنا بأصحاب الخبرة لتشخيص بعض الحالات السهلة كون الطب الحديث هو المشخّص الوحيد للأمراض، وأضيف أنّ بعض الأطباء يقتنون الأعشاب الخاصة بالطهي من عندنا. وعن عمله قال محدثنا إن الأعشاب التي يتم بيعها مطحونة أو مرحية كما قال يتم رحيها وفحصها وتصنيفها محليا، حيث اطلعنا على الرحى التي يتم عن طريقها رحي الأعشاب. وعن تسمية بعض الاعشاب تحفّظ السيد عبد الكريم في الأول عن التسمية لكنه سرعان ما أفصح عن بعضها كعشبة حنة الجمل، التي تعتبر من أندر الأعشاب كونها تجلب من أقصى الصحراء، وهي توسع الشرايين كما قال وتخفف آلام القولون، وهي نافعة لفقر الدم حسب التجارب وعشبة الفوة المفيدة لفقر الدم. أما بعض النساء فهن يفضلن اقتناء الحناء التقليدية التي يتم طحنها محليا، وهي غير ضارة كون بعض أنواع الحناء المستوردة مضرة، والتعامل مع المواطن الذي يقصد محلات الاعشاب يتطلب مهارة في التعامل وثقافة في تسميات الاعشاب لأن بعضها تختلف تسميتها حسب كل منطقة.
أما عن العوائق التي تعيق العمل في هذا المجال، قال السيد موساوي أن الأعباء تتمثل في التخليص الضريبي الذي أصبح لا يطاق حسبه، ولا سيما أن هامش الربح جد ضئيل إذا ما قورن بالسفر إلى مناطق بعيدة وجلب أجود الأعشاب، حيث قدر السيد عبد الكريم قيمة 6 ملايين سنتيم سنويا يصعب جمعها في الظروف الحالية زائد مصاريف كراء المحل زائد العامل المساعد لأن عمل تجار الحشائش يتطلّب جهدا كبيرا سواء للبحث عن المادة داخل الدكان أو تصنيفها أو فحصها لأن الزبائن يضعون ثقة عمياء في التجار، وقيمة الانسان هي أغلى قيمة يجب المحافظة عليها.
المواطن قلايلية فاضل ممّن يتوافدون على السيد عبد الكريم موساوي قال إنه منذ سنوات كان يعاني من أوجاع القولون، وبفضل تناوله لبعض الأعشاب من عند العشاب موساوي عبد الكريم أصبح يحس بتحسن كبير لذا هو يفضل الاعشاب على الأدوية، وأنه يمزج الأعشاب حتى مع المأكولات، وأن الاعشاب يتم اقتنائها بكثرة خلال الشهر الفضيل لاسيما مع الاكلة المفضلة بتيارت وهي الحريرة.
المواطن بلحول التقينا به قبل إجراء الحوار مع السيد عبد الكريم ظهر مستعجلا لكون العشبة التي يتناولها أثبتت نجاعتها في تخفيف الالام عليه. وأضاف محدثنا أن أبنائه وأسرته أصبحوا يتداوون بالاعشاب التي استعصى عليهم شفاءها من الادوية الكيمياوية.
خلاصة القول أن المتاجرة بالأعشاب الطبية والتي تمزج في المأكولات تتطلب مهارة ومعرفة حقيقية وثقافة في طب الاعشاب لأن استعمالها في غير محلها تشكل خطرا على صحة المستهلك، وحسب المختصين ممّن حاورناهم فإنّ الضّرر يكمن في المقادير التي تستعمل في الأعشاب وليس العشبة بحد ذاتها، لأن العشابين في الدول الشرقية يتداوون بالاعشاب لكنهم مختصين في الطب ولهم على الاقل ثقافة طبية لجميع الامراض، وهناك تعاون بينهم وبين الاطباء وتتم استشارتهم، وعندنا هناك العديد ممّن يمتهنون هذه التجارة من أجل الربح المادي وفقط دون مراعاة صحة المواطن. أما عن الرقابة عن هؤلاء فإنّ جلّهم يعملون بدون وثائق ولا ترخيص قانوني، ويمارسون هذه المهنة بعيدا عن أعين الرقابة ولا سيما أن أغلبهم يعملون بالأسواق الشعبية، وتبقى الكرة في مرمى أصحاب الاختصاص ورجال الطب والقانون.
تيارت: ع ــ عمارة