دور مركزي في مواجهة الجفاف شمال شرق البلاد
يُعدّ سد بني هارون أحد أبرز الإنجازات في مجال الهندسة المدنية بالجزائر، حيث يلعب دورًا محوريًا في تأمين المياه الصالحة للشرب والري لعدد من ولايات البلاد، ما ينعكس إيجابًا على دعم النشاط الزراعي وتعزيز التنمية الاقتصادية المحلية. وإلى جانب وظيفته الحيوية في توفير الموارد المائية، تحوّل السد في السنوات الأخيرة إلى وجهة سياحية مميزة، تستقطب الزوار بفضل ما يتيحه من أنشطة ترفيهية متنوعة، تشمل مسابقات الصيد، وركوب القوارب، والتنزه في أحضان الطبيعة الخلابة التي تحيط به.
يقع سد بني هارون العملاق ببلدية القرارم قوقة في ولاية ميلة، على بعد نحو 10 كيلومترات فقط من عاصمة الولاية، ويُعد من أكبر المنشآت المائية في الجزائر، حيث يحتوي على 1.5 مليون متر مكعب من الخرسانة المسلحة الملفوفة. ويُصنف السد كأكبر سد في البلاد من حيث السعة التخزينية، التي تبلغ مليار متر مكعب.
ويعبر السد جسر وادي الديب، الذي يمتد على طول 700 متر فوق سطح المياه، مشكلاً نقطة عبور مميزة. وخلال السنة الماضية، بلغ منسوب المياه في السد حده الأقصى، حيث سُجلت كمية مياه تجاوزت المليار متر مكعب، وهو ما يفوق سعته النظرية المقدرة بـ960 مليون متر مكعب.
وحسب القائمين على تسيير المنشأة، فإن تجاوز هذه القدرة أدى إلى تدفق كميات كبيرة من المياه عبر مفرغ الفيضانات، ما تسبب في انحدارها نحو أسفل الوادي، في مشهد يعكس الضغط الكبير الذي تتحمله هذه البنية التحتية الحيوية.
شيء من التاريخ
انجز سنة 2001 وبدأت عملية ملأ السد سنة 2003، ويعد سد بني هارون أكبر منشأ مائي في الجزائر، شيد ما بين 1996 و2001، وتم أنشائه في الاساس للتغلب على الجفاف الشديد في شمال شرق الجزائر والمساهمة في تنمية القطاعات الاقتصادية والزراعية من خلال توفير المياه اللازمة.
وتمَّ إنجاز سد بني هارون بالإسمنت الخرساني المغلف المتماسك بحجم يقدر بحوالي 1.5 مليون متر مكعب من الإسمنت، ويمثل هذا الاخير الحلقة الأساسية لمشروع التحويل الكبير، الذي يربط ما بين 06 ولايات، ميلة، قسنطينة، أم البواقي، باتنة، خنشلة وجيجل، حيث يوفر نظام تحويل المياه للسد 500 مليون متر مكعب من المياه/سنويا لقرابة 6 ملايين نسمة، إذ يسمح بسقي 42000 هكتار من الأراضي الفلاحية بكل من تلاغمة، شمورة، عين توتة، توفانة، وأولاد فاضل.
ويعد نظام سد بني هارون من أهم انجازات الهيدروليكية الجزائر المستقلة، في موقع به واحدة من أفضل مناطق تكون فيها نسبة هطول الأمطار مرتفعة والتي تصل الى 600 ملم في المتوسط سنويا، سعته 997.90 هكتو متر مكعب، ومتوسط الاستيعاب السنوي، 902 هيكتو متر مكعب، والحجم المنظم، 435 هكتومتر مكعب في السنة.
برنامج استعجالي
فالبرنامج الاستعجالي الذي أقرّه رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الخاص بالتزويد بالمياه الصالحة للشرب، هو مبادرة تهدف إلى معالجة النقص الحاد في الموارد المائية في العديد من الولايات، خاصة في ظل التحديات المناخية وزيادة الطلب، ويتضمن هذا البرنامج عدة إجراءات استعجالية لضمان توفير المياه بشكل عادل ومستدام.
وفي هذا السياق، ترأس الوزير الأول، نذير العرباوي، اجتماعًا للحكومة خصص لمتابعة التقدم الحاصل في تنفيذ البرنامج الاستعجالي الذي أقره رئيس الجمهورية، الخاص بالتزويد بالمياه الصالحة للشرب، لفائدة العديد من الولايات لاسيما من خلال حشد الموارد المائية وإعادة تأهيل وتمديد شبكات ومحطات المياه والتحكم في التوزيع العادل.
ويرتكز البرنامج الاستعجالي، في الأساس على عدة محاور رئيسية وتشمل البحث عن مصادر مياه جديدة واستغلالها، مثل المياه الجوفية، وتحلية مياه البحر، والمياه السطحية، إعادة تأهيل وتمديد شبكات ومحطات المياه، من صيانة وتحديث الشبكات القديمة، وتوسيعها لتشمل مناطق جديدة، بالإضافة إلى تطوير وتجهيز محطات ضخ ومعالجة المياه، بالإضافة الى التحكم في التوزيع العادل، بهدف ضمان توزيع المياه بشكل عادل ومنصف على جميع المستهلكين في الولايات، مع الأخذ في الاعتبار احتياجات مختلف المناطق.
أهمية كبيرة
وتتجلى أهمية سد بني هارون في عدة جوانب حيوية، كتأمين المياه للشرب، حيث يُعد السد مصدرًا رئيسيًا لتوفير المياه الصالحة للشرب لسكان العديد من الولايات المجاورة، مثل قسنطينة وجيجل، خنشلة، باتنة، وأم البواقي، دعم الزراعة والري، بالمساهمة بشكل كبير في توفير المياه للري، مما يعزز الإنتاج الزراعي ويدعم تحقيق الأمن الغذائي في المنطقة، مما يؤدي الى تحسين دخل الفلاحين ويعزز الأمن الغذائي للمنطقة، بالإضافة الى الدور الكبير للسد في حماية المناطق المحيطة به من الكوارث الطبيعية وتقليل الأضرار الناجمة عنها.
يقول، البروفيسور فوفو عمار، مدير مخبر الأبحاث الزراعية بجامعة سكيكدة. خبير دولي في الفلاحة والتنمية الريفية، يعتبر سد بني هارون أكبر سد في الجزائر بطاقة تخزين للمياه تقدر بحوالي مليار متر مكعب (960 مليون متر مكعب) ويضمن تزويدا بالمياه يقدر بـ 425 مليون متر مكعب في السنة ويمون 06 ولايات بالشرق الجزائري وهي ميلة، جيجل، قسنطينة، باتنة، خنشلة وأم البواقي.
وتلبي مياه السد، أضاف البروفيسور، احتياجات الري (194 مليون متر مكعب في السنة) في المناطق الزراعية التي تقدر مساحتها بحوالي 30 ألف هكتار، حيث ان هذه المساحة مرشحة للتزايد خاصة في ظل سياسة رفع القدرات الانتاجية من خلال رفع المساحة المسقية على المستوى الوطن.
يوضح عمار فوفو، أن سد بني هارون، محطة ربط بين سدود الشرق الجزائري، وهذا يضمن تزويد المواطن بالماء الشروب على طول السنة وضمانا لرفع للمساحات المسقية على مستوى الشرق الجزائري، حيث تم ربط هذا الاخير بسد بوسيابة المجاور وسدود أخرى من أجل حل اشكالية توفير مياه الشروب ومياه الري للمساحات الزراعية.
وأوضح، الخبير الدولي في الفلاحة والتنمية الريفية، انه بالإضافة إلى دور السد العملاق في ضمان التزود بالمياه، للسد أثر بيئي هام، لاعتباره بمثابة منطقة رطبة ومحطة عبور واستقرار بعض أصناف الطيور النادرة المهارة منها والمستقرة بالمنطقة مثل الشرشير الصيفي، الشرشير المخطط، الطيطوي الأخضر، الفارس النباح، الرمل، المراوغ، الزقزاق الحلقي، والسقط الأوراسي، وتحول السد الى محطة عامة التجارب العلمية في مجال تربية بعض انواع الاسماك وتنمية القدرات الانتاجية في مجال التربية المائية.
ثروة سمكية هامة
تم تصدير كميات مهمة من أسماك “الكارسان”، التي تم اصطيادها من سد بني هارون، مع وجود طلب خارجي على هذا النوع من الأسماك، بالإمكان رفع الكميات الموجهة للتصدير انطلاقا من ولاية ميلة التي تتوفر على ثروة سمكية هامة، لاسيما على مستوى سد بني هارون.
وشهد السد فيما سبق، حملة وطنية لاستزراع السدود بالأسماك، وذلك بإشراف المفتش العام لوزارة الصيد البحري والمنتجات الصيدية، وهي الحملة الثالثة من نوعها، استهدفت استزراع 17 سدا على المستوى الوطني بأسماك منتجة محليا، وبلغت كمية الأسماك التي تم استزراعها على مستوى سد بني هارون، خلال هذه الحملة بـ 400 ألف وحدة من صغار سمك الشبوط العادي.
وتعد هذه العملية أول عملية لاستزراع هذا النوع من الأسماك على مستوى سد بني هارون والذي يعد سمك ذو قيمة غذائية وتجارية كبيرة وبإمكانه التكاثر طبيعيا في السدود، كما تهدف هذه العملية للحفاظ على الثروة السمكية بسد بني هارون، تجديدها وتنويعها وكذا ديمومة نشاط الصيد القاري وتطويره وخلق مناصب شغل جديدة لفائدة مهني الصيد القاري.
للإشارة، عرفت ولاية ميلة منذ 2006 إلى غاية 2022، القيام بـ 09 عمليات استزراع أسماك، حيث كان لسد بني هارونّ، حصة الأسد من هذه العملية، بـ 07 عمليات، الامر الذي جعلها خزانا مهما للثروة السمكية بمختلف أنواعها على غرار سمك الصندر والشبوط الفضي والشبوط كبير الفم.
وتستقبل ضفتي سد بني هارون الممتدة عبر عدة بلديات بالولاية، العشرات من هواة الصيد بالصنارة وذلك ما دفع تنظيم مسابقات للصيد الترفيهي أو مسابقات خاصة بتحضير أطباق أسماك المياه العذبة بغية التعريف بها وبطرق تحضيرها لنشر ثقافة استهلاكها أكثر.
وما حفز على ذلك القيام بالعديد من عمليات الاستزراع بالسد من قبل الجهات المختصة، حيث نال سد بني هارون، حصة الأسد في هذا الإطار ما جعله يزخر بأعداد أسماك كبيرة ومن أنواع مختلفة منها الشبوط والباربو والكاراسان، ومن هذه الجهود المبذولة كذلك في هذا الإطار تنظيم دورات في مجال الصيد للتحفيز على ممارسة نشاط الصيد القاري عبر السد.
محطات للتصفية
استفادت، مصلحة التطهير بمديرية الموارد المائية بميلة، برسم سنة 2025، من مبلغ مالي يقدر بـ 80 مليار سنتيم، بغية ربط مصبات الصرف الصحي لبلديات سيدي مروان، ومنطقة بوغرداين بأعميرة أراس، بالإضافة إلى الشيقارة، وربطهم بمحطات التصفية المتواجدة بهذه الأماكن، وذلك بغية حماية مياه سد بني هارون من التلوث.
وأوضحت، مصلحة التطهير، أن مصبات الصرف الصحي للبلديات المذكورة، كانت توجه مباشرة إلى سد بني هارون، بالنظر إلى عدم ربطهم بمحطات التصفية، وهو ما يؤدي إلى تلوث مياه السد وتضرر البيئة، مؤكدا أن هذا المشروع سيقضي على تلوث مياه السد مستقبلا، فضلا عن حماية البيئة والمحيط.
شاطئ اصطناعي
ومن المنتظر أن تشرع مؤسسة خاصة بميلة في إنجاز مشروع استثماري هام يتمثل في شاطئ اصطناعي على ضفاف سد بني هارون بالقرارم قوقة، ويحتوي المشروع أيضا على مركب سياحي وخدماتي وترفيهي متميز بمساحة إجمالية تقارب الـ 07 هكتار ويحتوي على مواقف خاصة بالسيارات والشاحنات وشواطئ وحديقة للألعاب المائية ومقاهي ومحلات تجارية.
كما تم تخصيص، ضمن المشروع، مجموعة للألعاب المائية للكبار والصغار وحمامات متنوعة وأكشاك ومطاعم وخدمات متنوعة وأروقة لركوب الدراجات والمشي والجري خاصة بالرجال والنساء وأماكن للراحة والاستجمام للعائلات وسلسة كبيرة من المقاهي والمطاعم مما يجعل من الولاية مقصد سياحي بامتياز في المستقبل.
وكشفت، مصالح ولاية ميلة، عن تخصيص مبلغ مالي يقدر بـ 18 مليار سنتيم، لتهيئة محيط الأكشاك الموجود بمنطقة فرضوة في بلدية سيدي مروان، بهدف بعث عجلة السياحة بإقليم الولاية، سيما توفرها على مؤهلات طبيعية تمكنها من أن تصبح قطبا سياحيا هاما، وينتظر حسب ذات المصدر، الانطلاق في المشروع الحيوي الذي سيكون له أثر كبير في انتعاش المنطقة سياحيا، لتوفرها على مناظر طبيعية ساحرة، حيث ان عملية التهيئة ستمس كل جوانب البيوت الخشبية، خصوصا وان منطقة فرضوة تشهد حركية كثيفة طيلة أيام السنة من قبل المواطنين من داخل وخارج الولاية، يأتون للجلوس على حواف السد والاستمتاع بجمال المنطقة، ناهيك عن هواة ومحبي الصيد بسد بني هارون.
وشهد السد العملاق تظاهرات رائعة بفضل تنظيم دورة وطنية في رياضة التجديف ومسابقات أخرى لاصطياد أكبر سمكة إلى جانب نشاطات كثيرة الذي عرف حضورا جماهيريا كبيرا، وقد تم اختيار بالقرارم قوقة أرضية لاحتضان مشروع قاعدة للرياضات المائية كأصناف رياضية جديدة تدخل الميدان بفضل سد بني هارون، وأكسب السد ميلة لقب “عاصمة المياه” ومنحها قدرات ومؤهلات كبيرة تفتح لها مؤهلات عديدة في كثير من المجالات.