المواجهــة الإيرانيــة-الصهيونيـة توسعت خارج نطاق الجغرافيـــا التقليديــة
التدمــير المتبـادل للبنى التحتيــة والمنشآت الحيوية دون حسم.. يطيل النزاع
يؤكد الخبير الأمني أحمد ميزاب، أن الوضع في الشرق الأوسط يشهد إعادة تشكيل محاور القوة الإقليمية، وسط تصاعد النزاع بين إيران والكيان الصهيوني الذي أخذ شكلاً جديدًا بعد العدوان الصهيوني على طهران، والرد الإيراني العسكري المتواصل. ويُوضح في حوار مع “الشعب”، أنه لا يوجد تفوّق عسكري حاسم لأي طرف في المرحلة الأولى، في حين تُظهر إيران قدرة فعّالة على تنفيذ ضربات موجعة في العمق وفي قلب الأراضي المحتلة.
- الشعب: أخذ الصراع الإيراني-الصهيوني أبعادًا جديدة بعد العدوان على إيران، ما تعليقكم على الوضع في الشرق الأوسط؟
أحمد ميزاب: تشهد منطقة الشرق الأوسط اليوم إعادة تشكيل محاور القوة الإقليمية، وسط تصاعد النزاع بين إيران والكيان الصهيوني، وانخراط غير مباشر لقوى إقليمية ودولية.. واليوم، تعمل إيران على ترسيخ وضعها كقوة إقليمية بحكم الواقع، من خلال تطوير قدراتها التكنولوجية والعسكرية، وإثبات قدرتها على الردع عبر شبكة من الحلفاء.. في المقابل، يسعى الكيان الصهيوني إلى كسر هذا المسار الإيراني قبل أن تكتسب طهران القدرة الفعلية على إنتاج السلاح النووي، معتبرًا أن السماح بذلك يمثّل خطرًا وجوديًا بالنسبة له..أما الولايات المتحدة الأمريكية، فتعيد ترتيب تموضعها الاستراتيجي. وتدخلها يظل محصورًا في الدعم الاستخباراتي واللوجستي للمحتل، في وقت تتجنب الدخول في حرب شاملة، التزامًا بعقيدة ترامب القائمة على الردع دون تورط مباشر.
في المقابل، تتحرك أوروبا دبلوماسيًا بشكل مكثف لتجنّب انفجار شامل قد يعصف بأسواق الطاقة، ويُطلق موجات لجوء جديدة نحو حدودها.. مع كل هذا، يمكن القول إن الخريطة الجيوسياسية يعاد تشكيلها، والمصالح تُعاد صياغتها على ضوء موازين قوى متحركة، حيث يختبر الجميع حدود خصومه قبل فتح الباب لتسوية محتملة.
- تتوقعون استمرار الحرب بين إيران والكيان الصهيوني لفترة طويلة؟!
تشير المعطيات الميدانية إلى أن الصراع بين إيران والكيان الصهيوني دخل مرحلة العمليات المباشرة وعالية الكثافة؛ إذ نفذ الكيان الصهيوني ضربات جوية داخل العمق الإيراني باستخدام مقاتلات F-35، استهدفت منشآت نووية، مراكز تصنيع صواريخ، وقيادات من الحرس الثوري.
وجاء الرد الإيراني باستخدام صواريخ باليستية متوسطة المدى وطائرات مسيّرة بعيدة المدى، استهدفت قواعد عسكرية ومرافق بنية تحتية داخل الكيان.. الطرفان استخدما أسلحة غير تقليدية، خاصة في الفضاء السيبراني، حيث تسببت الهجمات المتبادلة في تعطيل أنظمة طيران، اتصالات، وشبكات كهرباء، ما يعكس توسع المعركة خارج نطاق الجغرافيا التقليدية.
ورغم تصاعد التوتر، ما زال “حزب الله” يحتفظ بقدر كبير من قدراته دون الانخراط في حرب شاملة. هذا التريّث قد يكون مرتبطًا بتقديرات سياسية وعسكرية تتعلق بالتوقيت والتكلفة. في المقابل، نفذ الحوثيون عمليات مباشرة ضد أهداف للكيان في البحر الأحمر، أبرزها استهداف ميناء إيلات، مما وسّع رقعة المواجهة جغرافيًا.
وعلى صعيد النتائج العسكرية، لا يوجد تفوّق حاسم لأي طرف؛ لكن إيران تُظهر قدرة فعّالة على تنفيذ ضربات عميقة، سواء مباشرة أو عبر وكلائها. هذا التوازن الهش يؤدي إلى تصاعد الضغوط النفسية والاقتصادية والأمنية دون تحقيق نصر نهائي أو تراجع واضح لأي منهما.. كل ما يحصل الآن من ضربات عسكرية متبادلة يصوّر مشهدًا عسكريًا مفتوحًا على مزيد من التصعيد، وقد يتحول إلى مواجهة طويلة إذا لم تُفرض تسوية عبر قنوات سياسية فعّالة.
- إيران، بحسب تصريحات قياداتها، أكدت أنها لم تدخل الحرب بعد، وأنها تقوم بالرد فقط. هل تتوقعون تصعيدًا إيرانيًا؟
الداخل الإيراني يعيش حالة تعبئة غير مسبوقة، سياسية، إعلامية وعسكرية..
سياسيًا، تتخذ الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب موقفًا صارمًا يعتمد على استراتيجية “الردع دون تورط”، حيث يوجه البيت الأبيض رسائل واضحة لطهران تحذر من أي استهداف مباشر للمصالح أو القوات الأمريكية في المنطقة، مع الحفاظ على هامش واسع من الحركة الاستخباراتية والعسكرية غير المباشرة.
في الوقت نفسه، تمارس واشنطن ضغوطًا سياسية مكثفة لإجبار إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات، ولكن وفق شروط أمريكية صارمة تشمل برنامج الصواريخ ونفوذ طهران الإقليمي.
وفي أوروبا، هناك تحرك دبلوماسي مكثف لإحياء اتفاق نووي مُعدّل، يضمن لإيران امتيازات اقتصادية مقابل تراجعها عن الخطوات التصعيدية في المجال النووي والعسكري. ويتمثل الهدف الأوروبي في احتواء التصعيد ومنع انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة، لما لذلك من انعكاسات على الأمن الطاقوي والهجرة غير النظامية.
وفي الكيان الصهيوني، تحظى حكومة الطوارئ بدعم شعبي واسع، مدفوعا بالخوف الوجودي من التهديد الإيراني. ومع ذلك، فإن أي اختراق أمني خطير أو فشل في حماية الجبهة الداخلية قد يُعيد الانقسام إلى الساحة السياسية ويقوّض ثقة الجمهور.
دوليًا، تلتزم روسيا والصين بالصمت الميداني، لكنها تدعمان إيران دبلوماسيًا، سواء في أروقة الأمم المتحدة أو في مفاوضات الطاقة والتبادل التجاري. هذا الدعم لا يصل إلى حد التدخل العسكري، لكنه يشكّل غطاءً سياسيًا لطهران يمكن أن يُطيل أمد الصراع.
وتعاني الأسواق الدولية من حالة اضطراب حاد، إذ وصلت أسعار النفط والغاز إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات، وسط مخاوف من توقف الإمدادات البحرية الاستراتيجية أو توسع الصراع نحو الخليج. أما في الأمم المتحدة، فمجلس الأمن مشلول سياسيًا بسبب “الفيتو”، ما يمنع إصدار أي قرار ملزم، ويترك الصراع مفتوحًا أمام منطق القوة لا القانون الدولي.
- برأيكم، كيف سيكون مستقبل المنطقة بعد هذا الصراع؟
الصراع الحالي يكشف تحوّلا استراتيجيا عميقا في بنية الردع الإقليمي، فإيران تسعى إلى فرض معادلة ردع جديدة، حيث تفرض قدراتها النووية والصاروخية كواقع لا يمكن تجاوزه.. هذا المسار يهدف إلى تحييد التهديدات الصهيونية والأمريكية، وفتح الباب لتثبيت نفوذها السياسي والعسكري في المنطقة.
في المقابل، يرفض الكيان هذا السيناريو بشكل قاطع، ويعتبر أن السماح لإيران بامتلاك قدرة ردع نووية يشكّل خطرًا استراتيجيًا وجوديًا. لذلك، فإن كل سياساته اليوم تُبنى على أساس منع طهران من الوصول إلى “نقطة اللاعودة”، ولو عبر مواجهة مفتوحة طويلة.
وبناءً على ما سبق، يمكن القول إن المنطقة تقف على مفترق طرق؛ المسار الأول هو تشكُّل توازن ردع هش، يُشبه ما حصل بين الهند وباكستان، حيث يمتلك الطرفان قدرة على الردع المتبادل دون رغبة في إشعال حرب شاملة. أما المسار الثاني، فهو استمرار التدمير المتبادل للبنى التحتية والمنشآت الحيوية دون قدرة على الحسم، ما يطيل أمد النزاع ويزيد من كلفته على جميع الأطراف.