يعتبر قطاع الصحة بالجزائر من بين أكثر القطاع حساسية وأهمية لعلاقته المباشرة بالمواطن، كما انه القطاع الذي يستنزف خزينة الدولة مئات المليارات سنويا، ورغم الإصلاحات الكبيرة التي عرفها في السنوات الأخيرة من حيث وفرة الدواء وانجاز هياكل صحية قاعدية على غرار المستشفيات والعيادات ومصالح استعجالات جديدة بأغلب مستشفيات الوطن، إلا أن الواقع مصالح الاستعجالات خاصة في الفترة الليلة يبق رهين العنف والشجارات اليومية ونقص الأطباء المناوبين والاكتظاظ وغيرها من المشاكل التي ما يزال القطاع يتخبط فيها رغم المجهودات المبذولة مركزيا ومحليا لوضع حدا لها أو على الأقل التقليل منها.
وللوقوف على حقيقة واقع مصالح الاستعجالات الطبية بولاية باتنة، قادت «الشعب» زيارة ميدانية لعدد منها، أين وجدنا اكتظاظا كبيرا للمرضى خاصة في الفترات الليلية وارتفاع عدد المصابين بالأنفلونزا الموسمية، والإصابات الخطيرة الناتجة عن عديد الشجارات بأحياء باتنة خاصة بين مدمني الخمر والمهلوسات، والذين ينقلون عنفهم حتى إلى غرف الاستعجالات الطبية ومكاتب الأطباء الذين لا يجدون كما هو حال بمستشفى بريكة سوى الهروب أو انتظار تدخل رجال الشرطة لتقديم الإسعافات للمصابين وباقي المرضى عندما تتحول مصلحة الاستعجالات إلى حلبة صراع باستعمال مختلف الأسلحة البيضاء.
مجهودات كبيرة للتكفل بالمرضى
ما تزال ظروف التكفل بالمواطنين في مصالح الاستعجالات الطبية بعاصمة الاوراس باتنة، محل انتقاد وحتى اتهام في أحيان كثيرة رغم المجهودات الكبيرة التي يقوم بها الأطباء، بسبب العجز الذي يشهده القطاع في هذه المصالح، وإن كان حال ولاية باتنة أحسن بكثير من حال بعض الولايات الجزائرية الأخرى بسبب التطور الكبير الذي تشهده من ناحية الأجهزة الطبية الحديثة المتوفرة وبرنامج مناوبة الأطباء الصارم وتوفر الأمن على غرار الحاصل بمصلحة الاستعجالات الطبية بمستشفى باتنة الجامعي، والذي قطع أشواطا معتبرة في هذا الميدان، إلا أن التوافد الكبير للمرضى على هاته المصلحة يجعل من خدماتها النوعية تظهر وكأنها غائبة أو لا تقدم شيئا، حسب بعض المواطنين الذين تحدثنا إليهم بهذا الخصوص.
والحقيقة التي لا يمكن القفز عليها هي أن مصالحة الاستعجالات الطبية بمستشفى باتنة الجامعي تقدم خدمات لأغلب سكان الولاية باتنة بدوائرها الـ21، وإن حصرنا في أحسن الحالات خدماتها على بلدية باتنة فعدد سكانها يتجاوز النصف مليون ساكن دن الحديث عن البلديات والدوائر المجاورة لها، هنا تجدر الإشارة إلى أن البلدية استفادت من مصلحة جديدة للاستعجالات الطبية ما تزال قيد الإنجاز بحي بوزروان من المنتظر أن تخفف كثيرا الضغط الهائل على المصلحة المركزية بالمركز الاستشفائي الجامعي.
واللافت في هاته المصلحة هو توفر الآمن وتزويدها بكاميرات مراقبة والمناوبة الطبية الصارمة التي فرضها المدير الجديد بلقرون مسعود حسب ما أفادت به لجريدة «الشعب» السيدة بلغوار عتيقة المكلفة بالإعلام بالمستشفى والتي أبرزت لنا المجهودات الكبيرة للطاقم الطبي والإداري الحريص على تقديم خدمات نوعية وانسنة فعلية للقطاع تنفيذا لتعليمات الوصاية.
كما أكدت المتحدثة خلال زيارتنا الأخيرة للمستشفى لإنجاز ريبورتاج حول زراعة الكلى، حرص المدير الجديد منذ تعيينه على السهر شخصيا على متابعة كل كبيرة وصغيرة تتعلق بالمرضى وإعطاء تعليمات صارمة بوجوب تحسين الخدمات المقدمة والتعامل الجيد مع المرضى وعائلاتهم.
وأشارت إلى أن معدل انتظار المرضى في مصلحة استعجالات لا يستغرق وقتا طويلا مع ضمان إجراء مختلف أنواع الأشعة والفحوصات الضرورية، وهذا ما يعتبر بمثابة تحدّ كبير للطاقم الطبي الذي يعمل 24 على 24 ساعة للتكفل بالمواطنين الذين يقصدون مصالح الاستعجالات.
ويناشد منذ مدة طويلة الأطباء والممرضون العاملون بمستشفى محمد بوضياف ببريكة جنوب ولاية باتنة، الجهات المعنية بضرورة التدخل لوقف العنف الممارس ضدهم كل ليلة تقريبا حسب ما أفاد به البعض منهم، خاصة من طرف المدمنين الذين ينقلون شجاراتهم ومشاكل وصراعاتهم إلى مصالحة الاستعجالات والأدهى والأمر هو مرافقة أصدقائهم وعائلاتهم لهم فإن قمنا بواجبنا المهني بغض النظر عن المصاب ضحية كان أو متهم فنحن ننظر ـ حسب أحد الأطباء ـ للمصاب كمريض تعرضنا للعنف من احد الطرفين بالضرب والسب وفي أحسن الحالات الإهانة فهم يتعرضون للتهديد بالسلاح الأبيض، ويتعرضون للسرقة وغيرها من المضايقات التي تقلل من فعالية الخدمة.
وأقد اشتكى الفريق الطبي المناوب في قسم الاستعجالات الطبية ببريكة خاصة في المناوبات الليلية وحتى المكلفون بالأمن والحراسة من تعرضهم المستمر والدائم وأحيانا حتى أثناء تواجد مصالح الأمن للعنف والضغوط من طرف عائلات المرضى و المنحرفين، ورغم صرامة مصالح الأمن في توقيف المنحرفين إلا أن الوضع يعود لسابقه نظرا لكثرة المتوافدين على المستشفى.