عندما ينزل المسافر الذي يحط رحاله إلى مدينة بومرداس، سيدرك أخيرا أن المرفق الأول الذي سيقابله عند نزوله من الحافلة، هي عبارة عن مساحة جرداء على حافة واد طاطاريق تسمى مجازا المحطة البرية لنقل المسافرين، حيث تغيب فيها أدنى شروط الراحة والخدمات، ما عدا بعض اللوحات البائسة لا تستقر على وجهة يستدل بها المسافر، ومركبات مهترئة معدل عمرها يتجاوز 10 سنوات لا تزال تشكل الديكور اليومي لولاية سياحية كان من المفروض أن تكون نموذجية في العصرنة، ومختلف الخدمات الراقية..
يمثل قطاع النقل بولاية بومرداس عبر نشاطه اليومي وحتى على الواقع الإداري، عبئا ثقيلا على السلطات المحلية والمواطن على السواء، فهو تقريبا القطاع الوحيد الذي يتدحرج في الركود وتعطل المشاريع المسجلة منذ سنوات ومنها محطة نقل المسافرين لعاصمة الولاية التي سجلت سنة 2008، ثم أعيد تقييمها وتغيير موقعها أكثر من مرة ولا تزال تنتظر، كما يعتبر قطاعا استثنائيا تقريبا من حيث التسيير الإداري، حيث تسير المديرية برئيس مصلحة مكلّف منذ شهر جوان الماضي بعدما أحيل المدير السابق على التقاعد وغادرت معه مشاريع 9 محطات حضرية ومحطة متعددة الخدمات، إضافة إلى مخطط النقل الجديد الذي بشر به أعضاء المجلس الشعبي الولائي في الدورة التي ناقشت ملف النقل بهدف تنظيم خطوط النقل وتهيئة المحطات الحالية لبودواو وبرج منايل، وتقديم أدنى الخدمات للمواطن في المواقف التي تفتقد للتغطية، وبعضها الآخر يحجز أماكن على أرصفة الطرقات العامة محدثا فوضى يومية في حركة السير، مقابل مافيا أصحاب المركبات الذين يستعملون كل الطرق لاستعباد المسافر وإذلاله عن طريق الحشر الجماعي وحتى كراء قباضين لجلب الزبائن في بعض المحطات مثل الثنية أمام أعين مصالح الأمن، في غياب مسؤول مباشر تتحدث إليه..
سجلنا مشاريع لكن “ما كاش الدراهم”
هكذا رد علينا مشري الوناس رئيس مصلحة مكلف بشؤون مديرية النقل وفي عجالة من أمره لما حاولنا الاستفسار عن واقع قطاع النقل بولاية بومرداس وأسباب تأخر تجسيد المشاريع المسجلة منذ سنوات، أبرزها محطة نقل المسافرين المتعددة الخدمات لعاصمة الولاية و9 محطات حضرية يتم الحديث عنها منذ سنة 2009، حيث يقول هذا المسؤول..لقد قمنا بدراسة وانجاز المحطة بعد اختيار الأرضية في المخرج الغربي لبومرداس في اتجاه قورصو، كما ينتظر الإعلان قريبا عن مناقصة وطنية محدودة لاختيار مؤسسة الانجاز بعد إعداد دفتر الشروط الأسبوع الماضي، وإعادة تقييم المشروع المشترك بين مديرية النقل والسكن من 75 مليار سنتيم إلى 100 مليار سنتيم، ونفس الأمر بالنسبة للمحطة الحضرية لمدينة بومرداس التي ستنجز في مكانها السابق بجوار السوق الأسبوعي و9 محطات حضرية أخرى وأربع محطات وقطبين للتحويلات في كل من برج منايل وتيجلابين..”.
وفي سؤال عن الفوضى اليومية التي تعيشها خطوط النقل الولائية والبلدية، وغياب الرقابة وأعوان التفتيش عن المحطات، أكد المدير المكلف “أن المديرية حاليا تعاني من نقص في المفتشين، حيث لا يتعدى العدد عن ثلاثة يؤدون عملهم هنا بالمكتب والقيام بزيارات ميدانية، لكن من المستحيل تغطية كافة المحطات والخطوط بهذا العدد، في وقت نعاني من غياب الإمكانيات ووسائل النقل..
تقرير أسود للجنة تهيئة الإقليم والنقل
رفعت لجنة تهيئة الإقليم والنقل للمجلس الشعبي الولائي لبومرداس في دورتها السابقة، تقريرا أسودا حول وضعية النقل البري للمسافرين بالنظر إلى الحالة المتدهورة جدا للمحطات الرئيسية الأربعة المتواجدة في كل من بومرداس، بودواو، برج منايل وخميس الخشنة إلى درجة وصفها بالمواقف، في حين صنّفها أعضاء اللجنة بغير الصالحة تماما ولا تليق بمقام الولاية وكرامة المسافر، حيث كشف التقرير عن غياب تام لأدنى شروط الخدمة والراحة للمسافر بسبب اهتراء الأرضيات..”لا وجود لمحطات برية لنقل المسافرين وإن وجدت فهي عبارة عن أرضية لتوقف الحافلات تسود فيها الفوضى، سوء التنظيم، انعدام التهيئة والإهمال، غياب الأمن، الإنارة، مخابئ المسافرين ودورات المياه..يؤكد التقرير الذي كشف أيضا أن حوالي 90 بالمائة من الحظيرة الحالية للمركبات المقدرة بـ 3547 حافلة غير صالحة للسير، منها 2067 من الحظيرة عمرها يزيد عن العشر سنوات، وتشكل خطرا على المسافرين..
كما أكد أعضاء اللجنة، أن قطاع النقل بولاية بومرداس تسوده فوضى كبيرة بالنسبة للناقلين والوسائل المستعملة، كغياب الرقابة والمتابعة اليومية نتيجة التحايل والتوقف المطول بالمواقف، عدم انتظام مستغلي خدمات النقل في العمل وعدم احترام التوقيت والوقوف العشوائي بالطرقات وعدم إتمام وتغيير المسلك، إضافة إلى عدم احترام الأحكام المتعلقة بممارسة نشاط نقل الأشخاص والعمل بدون رخص، وكلها اتهامات تفنن أعضاء المجلس في توجيهها إلى القائمين على قطاع النقل بولاية بومرداس، متسائلين عن دورهم وسط كل هذه الفوضى التي يتخبّط فيها قطاع حساس، وعدم انجاز المشاريع في وقتها منها محطة النقل لبومرداس التي سجلت في المخطط 2005 / 2009 ولم تر النور لحد اليوم..
وعود الوالي
بقيت الوعود المقدمة من طرف والي الولاية خلال تدخله للرد على تساؤلات واستفسارات أعضاء المجلس، بتخصيص جزء من الميزانية المالية لسنة 2014، لإعادة تهيئة بعض المحطات بالبلديات غير القادرة على القيام بهذه الأشغال حبرا على ورق، بالنظر إلى الواقع المزري لهذه المحطات، ونفس الأمر بالنسبة لموضوع تهيئة محطتي بودواو وبرج منيل، حيث وعد والي الولاية بتسوية الوضعية القانونية لعدد من المحطات عن طريق إرغام المستغلين الخواص بإنجاز أشغال التهيئة والصيانة، ومعالجة ملف التجارة الفوضوية داخل محطة برج منايل كشرط لتسليم رخصة الانجاز من طرف مديرية التعمير والبناء، لكن آخر الأخبار ـ تقول ـ إن الولاية خصصت 4 مليار سنتيم لأشغال تهيئة محطة بودواو المستغلة من طرف أحد الخواص مع تسليم رخصة الانجاز لمستغل محطة برج منايل دون الكشف عن مصير أصحاب المحلات التجارية.
يذكر أن المحطة البرية لبومرداس كانت مسجلة للانجاز على مستوى محطة القطار حاليا على مسافة 17 ألف متر مربع، وأمام صغر المساحة وخوفا من حدوث مشاكل الاكتظاظ تم تغيير المشروع إلى المدخل الغربي على مساحة 57 ألف متر مربع، كما ينتظر أن تشمل أيضا محطة للترامواي وموقف للقطار، بمعنى محطة متعددة الأقطاب، لكنها تبقى حاليا مجرد مجسم على الورق مع تخوفات من عدم نجاح دراسة المشروع على هذه الأرض الفلاحية المهدّدة بالفيضانات، حسب العديد من المختصين، أو ارتفاع التكاليف إلى أكثر من 150 مليار سنتيم وهو رقم لا يمكن تخيّله.في الأخير، نشير إلى أن عدد المركبات الموجودة حاليا في حظيرة الولاية تقدر بـ3547 مركبة منها 1178 ما بين الولايات، 2299 مركبة في الخطوط المحلية البلدية، 70 مركبة عبر الخطوط الحضرية بمجموع 91485 مقعد و2745 ناشط، إضافة إلى 369 خط ما بين ولائي وبلدي، لكن أغلبها غير مراقبة ولا تترجم الواقع في الميدان، كما تحاول مؤسسة النقل الحضري لبومرداس “اتوسبي” التي دخلت الخدمة منذ حوالي 4 سنوات بمجموع 15 حافلة تخفيف الضغط على الخطوط الحضرية لدائرة بومرداس وصولا إلى بودواو، لكن كل المجهودات بدأت تتلاشى مع المؤسسة التي سجّلت تراجعا في الميدان عكس ما كان ينتظره المواطن بإنقاذه من أنياب الخواص، في حين سجل قطاع النقل عبر السكك الحديدية هو الآخر تراجعا في الفترة الأخيرة في الخط الرابط بين بومرداس والعاصمة بسبب تقليص عدد الرحلات، ومشاكل التقاطع في كل قورصو والرغاية الذي ضاعف من زمن الرحلة، إلى غاية تجسيد مشروع كهربة وعصرنة الخط الرابط بين الثنية وتيزي وزو لإعادة ربط المنطقة الشرقية المشلولة حاليا.