«ما أنجز بقرار سياسي يجب أن يعالج بقرار سياسي أيضا، ولا يعقل بأن يجتهد التقنيون لإيجاد صيغة توافقية تليق به، هكذا علّق المهندس المعماري بوعوالي بلقاسم على قضية عقود الملكية التي استفحلت بولاية تيبازة كعيّنة من ولايات الوطن».
أوضح المهندس بوعوالي بلقاسم صاحب مكتب الدراسات المتخصص في الهندسة المعمارية، بأنّ معظم البرامج السكنية بكل أنماطها وصيغها أنجزت في غالب حالاتها بقرارات سياسية، وبخلفيات مختلفة تصب كلها في قالب تسريع وتيرة الانجاز وتلبية الحاجة المعبّر عنها محليا، إلا أنّ الواقع يفرض على المعنيين جملة من المعطيات والعوائق التي يصعب تجاوزها وتخطّيها بسهولة، وهي تقتضي غالبا انتظار فترات زمنية طويلة نسبيا للتمكن من فك إشكالية عقود الملكية التي لا تزال تعيق تسوية عدد لا يستهان به من البنايات.
وللتّوضيح أكثر كشف المهندس بوعوالي بلقاسم، بأنّ عقد الملكية يعتبر وثيقة تقنية بالغة الأهمية والجهة المخولة بإعدادها، واستصدارها تشترط حصولها على مختلف الوثائق الثبوتية التي تؤكّد صحة ملكية المعني للعقار، وهي الوثائق التي يصعب الحصول عليها في أزمنة قياسية، ويتطلب الأمر أحيانا انتظار سنوات كاملة لبلوغ هذا الهدف، خاصة وأنّ طبيعة الأراضي بولاية تيبازة تعتبر فلاحية بالدرجة الأولى، الأمر الذي يقتضي اقتطاعها وتحويلها من الطابع الفلاحي الى الطابع العمراني على أعلى مستوى، وعن طريق قرار وزاري مشترك، وبإذن مباشر من رئيس الجمهورية بحيث تتطلب هذه العملية في العديد من الحالات انتظار فترات زمنية تربو عن السنة في معظم الحالات، أمّا في حال تعرّض التجزئة المقتطعة بهاته الشاكلة لاعتراضات من طرف الفلاحين المستغلين لها، فإنّ الأمر يصبح أكثر تعقيدا ويتطلّب مزيدا من الوقت للبث في الموضوع، ممّا يؤثّر سلبا على مسار تسوية الملكية والمرور إلى مرحلة إعداد العقد.
كما أوضح المهندس بوعوالي في ذات السياق، بأنّ العديد من السكنات والبرامج السّكنية أنجزت بدون رخصة بناء بالنظر إلى انعدام وثيقة عقد الملكية التي يتأخر موعد إعدادها، الا أنّ ذلك لا يمنع مختلف المصالح العمومية من أداء مهامها وفقا للقانون المعمول به على غرار مصلحة المراقبة التقنية للبناء مثلا، والتي لا تشترط الحصول على عقد الملكية أو رخصة البناء لمراقبة البنايات، الا أنّه بالرغم من ذلك فإنّ ضعف التنسيق ما بين الجهات الادارية المعنية بالبناء وعقود الملكية والدفتر العقاري يبقى شاهدا حيّا على ظاهرة تأخر إعداد عقود الملكية، بحيث تبقى المنظومة القانونية المسيّرة لهذه العملية مبتورة من عدّة آليات تتيح التعامل السريع والمباشر ما بين هذه الجهات، وبالشكل الذي يضمن ديناميكية مريحة وسلسة تحمل في طياتها مرونة كبيرة، وإرادة أكبر لتسوية الملفات العالقة في أزمنة قياسية.
وفي السياق ذاته، يؤكّد بلقاسم بوعوالي على أنّ إعداد البطاقية العقارية من طرف مصالح مسح الأراضي يصطدم في الكثير من الحالات بعوائق متعدّدة، تأتي في مقدمتها عدم تحديد هويات مستغلي السكنات في ظروف قياسية ممّا يؤخر أتوماتيكيا في عملية إعداد عقود الملكية، بحيث يعتبر ذلك نتيجة مباشرة لغياب التنسيق المحكم ما بين جمبع الهيئات المعنية بالاسكان والعقار، ومن ثمّ فقد خلص محدّثنا الى التأكيد على أنّ المنظومة المسيّرة للعملية تقتضي مراجعة شاملة ودقيقة بالشكل الذي يضمن مرونة أكبر في التعامل مرفقة بشفافية أكبر في تحديد المسئوليات والبث في الاشكالات العالقة.
..ينتظرون منذ 15 سنة
تعتبر التّجزئة رقم 9 التي أنشأتها الوكالة الولائية للتنظيم والتحسين العقاري في صيغتها القديمة نموذجا حيّا لتماطل الادارة، وتهرّب مسؤوليها من تحمّل تبعات القرارات غير الموفّقة، بحيث لا يزال المستفيدون من التجزئة ينتظرون عقودهم منذ سنة 2004، حيث لم يتبقّ من أشطار الدفع سوى الشطر الثالث الذي قدّر حينذاك بـ 78 ألف دينار، إلا أنّ تغيير النمط التنظيمي للوكالات العقارية حينذاك من وكاللات محلية على مستوى الدوائر الى وكالة مركزية بعاصمة الولاية خلال سنتي 2004 و2005 حال دون استكمال عملية دفع الشطر الثالث والأخير قبل الحصول على عقد الملكية، وبقي الاشكال عالقا الى غاية سنة 2014 حين فوجئ المستفيدون من رفع سعر القطعة الأرضية إلى حدود لا تطاق من طرف مجلس إدارة الوكالة.
وفي ذات السياق، أكّد أحد المستفيدين أمحمد لعلاوي بأنّه راسل الوكالة العقارية الولائية بالطرق العادية، وعن طريق محضر قضائي خلال الفترة الفاصلة بين 2005 و2014 لغرض افتكاك أمر بدفع الشطر الثالث، إلا أنّ طلبه ذهب سدى ولم يتلقى ردّا ايجابيا على غرار المستفيدين الآخرين، الأمر الذي اعتبره محدثنا تهرّبا صريحا من طرف مسئولي الوكالة من التزاماتهم تجاه مستغلي التجزئة قبل أن يفاجئ المستفيد لعلاوي أيضا برفع قيمة الشطر الثالث بعد سنة 2014 من 78 ألف دينار الى مليون و500 آلاف دينار، الأمر الذي نزل عليه كالصاعقة لأنّه لا يعقل بأي حال من الأحوال مضاعفة الشعر بهذه الطريقة الجنونية، فقرّر بمعية مستفيدين آخرين التراجع عن عملية الدفع ليقرّر مجلس إدارة الوكالة المنعقد في 2016 تثبيت السعر بدلا من خفضه لتمكين المستفيدين من تسوية وضعياتهم، مما زاد الطين بلّة وقضى على جلّ أمال المستفيدين، بحيث أشار محدثنا الى أنّه سيلجأ قريبا لطرق ابواب العدالة لعرض هذه القضية في حال ما لم تراجع السلطات الولائية الأسعار المعروضة.
وبهذه الوضعية غير الطبيعية وغير العادية وغير المنطقية أيضا، يبقى المستفيدون من التجزئة رقم 9 بسيدي راشد ضحايا لقرارات عشوائية وغير مدروسة تعنى بتغيير الهيكل التنظيمي للوكالة أولا، وبالتهرّب من تحمّل المسئولية في مرحلة لاحقة ليجد المستفيدون أنفسهم أخيرا مخيرين بين دفع أموال خيالية لم تخطر ببالهم يوما أو البقاء تحت راية اللاّشرعية العقارية.