تشهد الجزائر انتشارا كبيرا للمشاريع التّنموية لا سيما في مجال السّكن، المؤسّسات التّربوية وشبكة الطّرق، غير أنّه لاتزال بعضها متأخّرة بسبب إعذارات واهية تسبّب فيها أشخاص.
ولتقصّي حقائق الأسباب أو عدم مطابقتها مع المعايير التي رسمت لها، اتّجهنا بالسؤال الى بعض المختصّين أو الذين يتبادلون الاشراف على الملفات التنموية في مجال البناء.
ضيفنا الأول كان السيد نور الدين لزرق رئيس فرع التجهيزات العمومية بدائرة عين كرمس بولاية تيارت، الذي أكد على أن جل المشاريع المسجلة لم تعرف تأخّرا كبيرا الى درجة الالغاء، وكذلك تجميع مشاريع في بعض القطاعات بسبب الازمة المالية التي عرفتها الجزائر بعد نكسة تراجع أسعار المحروقات.
غير أن هناك بعض العوامل المتسبّبة في هذا التأخر حسب السيد نور الدين، وأوّلها العوامل الطبيعية كالثلوج والأمطار الغزيرة ولا سيما فترة الصقيع التي تشهدها ولاية تيارت في بداية كل فصل شتاء، والتي تؤثر على مواد البناء ولا سيما الاسمنت والخرسانة، وكذلك اليد العاملة غير المؤهّلة التي تؤثّر كثيرا، ويلجأ المشرفون على المراقبة الدائمة الى إلغاء بعض الاشغال لكونها تؤثر على المشروع، فهناك بعض المقاولين رغم حصولهم على التصنيف الفوري للمشروع، إلا أنّهم لا يشغّلون مؤهّلين في الاختصاص. وأكّد محدّثنا على عامل أساسي في المشروع والمتمثل في مكاتب الدراسات، الذين لا يكلف بعضهم أنفسهم القيام بدارسة متأنية بل منهم لا يعرف حتى موقع أرضية المشروع، ويكتفي بأخذ صورة من موقع عبر الانترنيت أو حتى الاستعانة بـ «غوغل إيرث» لأخذ صورة للأرضية والعمل عليها، ويتضح بعدها خلل يعطّل المشروع أو يتجه الى مصلحة للبناء والتعمير ويأخذ صورة من مخطط شغل الاراضي ويرسم خطة عمله.
وما أدهشنا خلال حوارنا مع السيد لزرق نور الدين هو أنّ بعض المقاولين يشغلون البنائين للقيام بعميات تركيب الكهرباء والغاز والكتامة والترصيص، وغيرها من الأعمال على أن يتقاضى أجرا مضاعفا، وهو ما يؤدي الى نسبة ربح كبيرة بالنسبة لصاحب المقاولة. وعن التصرف عند فسخ عقد مع مقاول في حالة إخلاله بدفتر الشروط، ردّ محدثنا أن المشروع سيتأخّر لوقت طويل ريثما يتم اعادة برمجة مناقصة ثانية، ودراسة الاعمال التي قام بها المقاول الاول، ممّا يؤدّي إلى تعطيل المشروع إلى درجة وقت مضاعف.
المقاول مسري الهاشمي مثال لإنجاز المشاريع
للاستقصاء حول المعايير القانونية للحصول على الصفقات بالنسبة للمقاولين، انتقلنا إلى مكتب المقاول مسري الهاشمي بمدينة تيارت، حيث أكّد لنا بأنّ مقاولته بدأت صغيرة سنة 2006 بشباب مسجّلين ضمن عقود ما قبل التشغيل، وبمشاريع ترميم للمنشآت الصغيرة وبعتاد متواضع وبـ 6 عمال فقط. وبإرادة متواصلة ومجهود عضلي وفكري، استطاع أن ينافس كبار المقاولين عندما ذيع صيته لدى الجميع، ووصل عدد عماله الآن إلى 630 عامل مؤهّل ومتكوّن، ولا سيما الأطر التقنية والمكلفين بالمراقبة، وقد تحصل السيد مسري على شهادة التأهيل من الصنف السادس، ما أدّى إلى حصوله على مشاريع كبرى منها 6 ثانويات بتيارت وواحدة بوهران.
وعن شروط الفوز بالمناقصة في الحصول على مشروع، قال السيد مسري يجب على المقاول أن تكون له تجربة وخبرة في الانجاز ومكانة وسمعة إتقان المشاريع لدى السلطات، ولم يتعرّض لعقوبات سببها عدم إتقان إنجاز مشروع سابقا، زيادة على مؤهل الانجاز حسب كل مشروع فالمشروع الكبير يتطلب مؤهلا ما فوق السادس، زيادة على امتلاك المقاول لعتاد يكفي لإنجاز عدة مشاريع ربما في آن واحد بالإضافة إلى يد عاملة مؤهلة ولا سيما التقنية لكون بعض مكاتب الدراسات لا تدقق في بعض التقنيات وتعمل نظريا، لذا يجب أن يكون للمقاول مساعدين تقنيين وخبراء في الانجاز، ورقم الاعمال مهم بالنسبة لاي مقاولة حتى لا تتوقف عن الانجاز بسبب مالي.
كذلك يجب على المقاول أن يكون له خبير في تسيير الادارة والمال لأنّه يتوجّب عليه مراجعة أعماله سنويا عن طريق تقرير أخير لكل مشروع كالأعباء المالية وطريقة تسيير إدارة العمال وتخليصهم، لذا يجب ان يطلع المقاول ومعاونيه على المشروع من جميع الزوايا قبل المشاركة في المناقصة.
وعن مواد البناء قال السيد مسري بأنّها متوفّرة بكثرة، زيادة على تراجع اسعارها وحسن جودتها ممّا أدّى إلى بناء متماسك وجيد.
المميّز لمقاولة السيد مسري المشري هي إنهاء المشاريع قبيل انتهاء الآجال المحددة من طرف مانحي الصفقات، فمثلا ثانوية توسنينة التي تم إنجازها حدّدت مدة إنجازها بـ 12 شهرا، وسلمت قبل ذلك بشهرين وثانوية مدريسة توشك على الانتهاء وتسلم قبل 3 أشهر من موعد التسليم، كذلك الامر بالنسبة لثانويات فرندة، سيدي الحسني، تيارت وتاخمارت.
وعن أسباب تأخر إنجاز المشاريع، يرى المقاول مسري أنه يعود إلى ضعف المقاولة من حيث العتاد ورقم الاعمال المالي، وضعف أو عدم تخصص اليد العاملة.
وأفصح المقاول مسري المشرف على طريقة جديدة بتيارت اقترحها والي الولاية وأتت ثمارها، وفحواها أن تسند للمقاولة التي حازت على الصفقة جميع الأعمال، ولا يوزّع المشروع على عدة مقاولات كما هو معمول به، بمعنى تسند كل عملية الى مقاولة أي البناء إلى مقاولة والترصيص إلى أخرى والكهرباء والغاز إلى مقاولة والطلاء الى مقاولة والتبريد الى اخرى، وهكذا ممّا يؤدي الى تعطيل المشروع، لأن توقف عمل أي مقاولة مرتبط بعمل مقاولة أخرى، فالمكلف بالطلاء أو الترصيص مرتبط بالمكلف بالكهرباء وهكذا، وقد نجحت مقاولة السيد مسري في إنجاز مشروعين متتاليين بمفردها، ممّا أدى إلى تسليمها في وقتها. وعن توقف الأعمال في الورشات بسبب الأحوال الجوية، قال محدثنا انه لم يتوقف يوما لأن لديه عتاد يعمل في جميع الظروف، ويبقى بعض العاملين في إدارة بعض المديريات وليس المسؤولين المباشرين يصنعون بعض العراقيل التي تؤدي الى تأخير العمل المقاولاتي.