تحوّلت ظاهرة تأخّر تسليم المشاريع العمومية المختلفة المبرمجة في إطار المخطّطات التّنموية التي استفادت منها بلديات بومرداس لتحسين المستوى المعيشي للمواطن وتوفير أساسيات الحياة من ماء، سكن، طرق ومرافق عمومية إلى قاعدة تقريبا بدلا من الاستثناء، حيث لم يعد دفتر الشروط المحدد لفترة الانجاز يشكل معيارا أو مرجعا قانونيا يفصل بين المديريات صاحبة المشروع والمقاولات التي فازت بالصفقة العمومية على الرغم من أهميته في تحديد مسؤوليات التأخر أو عدم الالتزام حفاظا على المال العام وعدم الاصطدام بالمواطن مثلما يحدث اليوم.
في حديثنا عن موضوع تأخّر تسليم المشاريع العمومية لمختلف القطاعات، وأسبابها من وجهة نظر المعنيين وأصحاب الاختصاص من مقاولين في مجال البناء، الري، الأشغال العمومية باعتبارها المجالات الأكثر نشاطا وارتباطا باهتمامات المواطنين خاصة قطاع السكن، مد شبكة المياه والغاز، تهيئة وتعبيد الطرقات ومختلف الأشغال الأخرى المتعلقة بانجاز المرافق والهياكل العمومية، تظهر لنا الكثير من الروايات المتناقضة أو بالأحرى مبررات جاهزة لتجاوز المساءلات الإدارية إن كانت فعلا صارمة، والشعبية التي تدفع المواطنين في عديد المناطق من ولاية بومرداس الى الاحتجاج على طريقتهم الخاصة عن طريق غلق الطرقات والبلديات لإسماع صوتهم والضغط على السلطات العمومية لتجسيد هذه المطالب والانشغالات.
فبرأي عدد من صغار المقاولين في مجال البناء والري، الذين ظهروا على الساحة مباشرة بعد زلزال 2003 وآخرين أنشأوا مقاولات ومؤسسات مصغرة في إطار أجهزة الدعم المحلية الذين تحدّثوا لـ «الشعب» عن أسباب تأخر تسليم المشاريع العمومية التي استفادوا منها، فإن مبرراتهم الأساسية «هي التلاعبات الإدارية والتأخر في تسليم المستحقات المالية، وتسوية الفواتير المتراكمة عن عملية الانجاز التي تعيق برأيهم من عملية إكمال المشروع المنجز لمواجهة تكاليف مواد البناء وأجور العمال».
وقال أحد المقاولين في مجال البناء والأشغال العمومية، الذي استفاد من صفقات خاصة بالتهيئة الحضرية بالبلديات، «أن عملية تسوية فاتورة واحدة تتطلب جهودا وطرق مختلف الأبواب للحصول على المستحقات من أجل إنجاز المشروع، ومواجهة أعباء العمال الذين لا ينتظرون تأخرا في مستحقاتهم الشهرية».
في حين تحمل روايات الطرف الآخر صاحب المشروع من رؤساء بلديات وبعض المديرين الكثير من المبررات، حيث كثيرا ما حاولوا ربط أسباب التأخر بنقص التمويل لإتمام المشاريع خاصة في السنوات الأخيرة التي تزامنت مع الأزمة الاقتصادية والمالية، وتضرّرت مختلف القطاعات من أبرزها قطاع السكن بتأخر انجاز المشاريع المبرمجة، وأخرى توقفت في انجاز أشغال التهيئة الخارجية مثلما عرفته مواقع «عدل» في كل من برج منايل والكرمة، ومشاريع عالقة تماما لأسباب متداخلة بين نقص التمويل، وعجز المقاولات التي فازت بالصفقة نظرا لغموض طريقة منح الصفقات، وعدم مراعاة إمكانيات واحترافية بعض المقاولات التي تسببت في كوارث من حيث طبيعة الأشغال، وحتى التخلي تماما عن المشروع والأمثلة كثيرة عن بعض المواقع في صيغة السكن التساهمي المتوقفة بعاصمة الولاية، وعدد من البلديات منها موقع بلدية الثنية ومشروع 100 مسكن تساهمي ببلدية الناصرية.
قطاع الصحة هو الآخر تعرّض لمثل هذه الكوارث، من أبرزها مشروع مستشفى 240 سرير بعاصمة الولاية، الذي لم يسلم منذ 10 سنوات تاريخ وضع حجر الأساس بسبب تلاعبات مؤسسات الانجاز الأجنبية بداية بالشركة البرتغالية وصولا إلى الشركة الايطالية «سي، جي،اس»، التي توقفت عن الأشغال لأسباب مرتبطة بالعجز ما دفع بالسلطات العمومية ومديرية التجهيز إلى فسخ العقد، والقيام بإجراءات إدارية جديدة على الرغم من أهمية هذا المرفق في حياة المواطن، والأمثلة أيضا كثيرة في قطاع أخرى حساسة بالأخص شبكة الطرقات.
ظاهرة أخرى تسبّبت في تعطيل نسبة معتبرة أيضا من المشاريع الحيوية للمواطنين ببلديات بومرداس، تتعلق بالاعتراضات ورفض الفلاحين وملاك الأراضي من تمرير قنوات مياه الشرب، الغاز الطبيعي، محولات الكهرباء، وحتى بعض المرافق العمومية والملاعب الجوارية رغم تطمينات السلطات العمومية بضمان التعويضات والإلحاح على أهمية مثل هذه المشاريع العمومية التي تدخل في إطار النفع العام، وهي تقريبا مبررات يفضلها بعض رؤساء البلديات المتهمين بالتقصير وعدم المتابعة، وحتى تفضيل صيغة تسليم المشاريع بالتراضي، وعدم المرور على المناقصة وحتى تكديس أغلب المشاريع الصغيرة لصحاب مقاولة واحد، ناهيك عن بعض العراقيل الأخرى من أهمها تعقيدات عمل المراقب المالي على مستوى الدوائر، الذي أصبح طرفا معرقلا أو مساهما في التأخير، حسب تصريحات عدد من المنتخبين المحليين.