كشفت فريدة يوسف التومي، حرفية في الخياطة بالمدية بأن تجربتها وإبداعها في عالم «المجبود» والرسم على الحرير لم يكن وليد الصدفة بل نابع من قناعة شخصية على أن الأبناء والبنات المنحدرين من العائلات المتوسطة والمحافظة بإمكانهم أن يصنعوا التحدي، قائلة في هذا الصدد: « بدايتي كانت مع أمّي، وككل أمّ جزائرية تمارس عدة حرف يدوية، منها المنسج فهو بالنسبة لي أساس كل بيت جزائري بما في ذلك الطرز، لأن والدتي تنحدر من عائلة حرفية بإمتياز وامتهنت طرز الفتلة والمجبود من الصغر من منطلق أنها ورثت هذه الصنعة من جدي الذي كان يصنع السروج والكراكوات والبشماق حتى تتمكن النساء في الديار من طرز أجمل القطع».وكشفت الحرفية فريدة في هذا الشأن: «كنت البنت الوحيدة من بين 4 ذكور وكنت ألعب وفي نفس الوقت أراقب ما تصنعه والدتي، حتى صرت أحب عملها وبخاصة المنسج لأنه مثير جدا لحجمه والألوان المستعملة وصوته، وهكذا كبرت مع حب الحرفة، ورغم أنّني كنت في دراستي تلميذة عادية، إلا أن وضعي الصحي وقتها ألزمني الانقطاع عن الدراسة في السنة الرابعة متوسط، غير أنني بالمقابل صقلت شخصيتي بواسطة المطالعة والبحث، وهناك أخذتني أمي إلى مركز التكوين المهني وقامت بتسجيلي في فرع الخياطة ومنها تعلمت أبجديات ذلك وكنت من بين المتفوقات وكنت أساعد أستاذتي في عملها واستفدت كثيرا من خبرتها مع مرور الوقت، إلى أن تخرجت وبقيت أساعدها بل كنت أنوب عنها في فترة غيابها، الأمر الذي مكّنني من إبزاز مهاراتي أكثر في مجال الخياطة، لأجد نفسي من جديد مجبرة على طرق أبواب التكوين في فن الطرز بالآلة العادية لدى حرفية متمكنة، وبعد فترة قليلة اتجهت عند حرفي كبير ومعروف في الطرز الفتلة والمجبود وهو المرحوم محمد تشيكو، والذي كان صيته منتشرا عبر الوطن، حيث تكونت جيدا وأخذت كل ما كان ينقصني في هذا الميدان، بما في ذلك صنع السراجة الذي هو عبارة عن الرسم الذي يطرز فوقه بخيط الذهب وبعدها صرت أعمل معه».
واصلت فريدة عرض تجربتها البسيطة مؤكّدة: «لم أتوقف عند هذا الحد بل طرقت باب فن الحلويات لأنفع نفسي وعائلتي، ثم اتجهت إلى غرفة الصناعة التقليدية بباب القرط لممارسة عملي في إطار منظم سنة 2002، ومن ثم شاركت في عدة تظاهرات محلية ووطنية، ولم ينقطع عملي قط مع قطاع التكوين المهني، حيث كنت أشرف على تأطير المتربصات في الخياطة، وفي سنة 2007 كلّفت بمنصب أستاذة في الطرز ببلدية تمزقيدة الريفية، وعند تخرج الطالبات كنت أستقبلهن للسماح لهن بالتربص التطبيقي وكان رئيس البلدية وقتها يمنحهن حافلة خاصة تنقلهن يوميا حتى تخرجن بجدارة، وكل من تكوّنت عندي باتت تمارس عملها في ورشات أو تعين عائلتها وتعين نفسها ماديا ومعنويا».
وذكرت في هذا المقام ما قدمته لها الغرفة من عون، جازمة أنه بفضلها استفادت من دورة تكوينية في الصين الشعبية لمدة ٣ أشهر في سنة 2013، كاشفة في الوقت ذاته: «لقد تكونت في التقنيات الجديدة في الطرز وهي الرسم بالإبرة بالماكنة العادية، وبعد عودتي للوطن بعد شهر رمضان الكريم، صرت مكونة المكونين في التقنيات الجديدة في الطرز، وسمحت لي هذه التجربة بمنح عدة تكوينات بالتنسيق مع غرفة الصناعة التقليدية لفائدة مهتمات، وانتقلت بعدها لعدة ولايات وكوّنت مجموعات من الحرفيين وأستاذات في التكوين، ومازلت حتى اليوم أمارس هذه التكوينات، وساهمت في تكوين ما يفوق عن 25 متربصة استفادت من التموين والدعم، وأشرفت على تأطير عدة نزيلات في المؤسسة العقابية بالمدية حتى تتمكّن من كسب قوت عيشهن وأكل لقمة عيش نظيفة عيال نفسها بعملها، حيث أكدت في هذا التكوين الذي دام ثلاث أشهر على بعض الغرز المطلوبة يدويا حتى تتمكن من ولوج عالم الشغل مستقبلا بأريحية، كما استفدت أيضا من تكوين آخر في مجال التسويق لدى المدرسة العليا للتجارة ببن عكنون، مازاد في تطور عملي».
استحضرت فريدة تطور مسارها المهني، حيث توّج ذلك بانتخابها في غرفة الصناعة التقليدية والحرف للعهدة الثالثة، إلى جانب انتخابها في المكتب ولجنة التأهيل للحرفيين والحرفيات، مشيرة في هذه المحطة من مسيرتها الحياتية بقولها: « ذا ما ساعدني أكثر لاستقطاب الحرفيين وتوجيههم لتكوينات أكثر وفي شتى الميادين لتطوير عملهم، كما أنني أسّست منذ عامين جمعية حرفية لصناعة التقليدية والحرف بهذه الولاية بقصد تطوير العمل الحرفي عبر التكوينات بالتعاون مع مصالح الغرفة وقطاع التكوين المهني، دون أن أنسى بأنه كل من تكونت عندي سواء المتزوجات أم لا فهن عاملات في ورشات أو في بيوتهن لكسب لقمة العيش».
أشادت هذه الحرفية بما قدمته لها وزارة السياحة بفضل غرفة الصناعة التقليدية والحرف من دعم الصندوق الخاص بالحرفيين عبر قرض مصغر، شاكرة كل من ساهم من قريب أو بعيد في نجاحها هذا، وبخاصة بعد تطبيقها لتوجيهات رجال الخفاء ومن بينهم إطارات الغرفة، السياحة، التكوين وزملائها المنتخبين، معبترة بأن المرأة هي بحق نصف المجتمع كما يقال «الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيبا الأعراف»، ما يجب عليها اليوم أن تعمل على تصحيح النظرة الضيقة للمجتمع جراء العراقيل التي تواجهها من حين لآخر، من منطلق أنها هي أساس المجتمع.