يعتبر الدكتور عمر هارون، أستاذ محاضر في المقاولاتية بجامعة يحيى فارس بالمدية، ومدرب معتمد، في تقييمه لأجهزة التمويل الشبانية واعتقاده لمطلب محو ديون المستفيدين من القروض بأن الجزائر بادرت منذ سنوات بإنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
هذا الواقع أوجد لدينا مؤسسات ناجحة استطاعت أن تواجه تحديات السوق وأخرى تصارع البقاء، وهو الواقع الذي بات لا يقتصر على الجزائر فحسب، حيث أن هناك دراسات أقيمت في الولايات المتحدة الأمريكية أثبتت أن نسبة فشل المؤسسات في ثلاث سنوات الأولى للمؤسسات بلغ 33 بالمائة، وهو رقم كبير جدا جعل احتمال تعثر المؤسسات كبير وكبير جدا مقارنة بما هو متوقع من أصحابها ممّا يستدعي إقامة هيئات خاصة لمرافقة المؤسسات المنشأة منذ سنوات طويلة، فالجزائر بحاجة اليوم إلى مثل هذه الهيئات لأجل مرافقة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، كما أنّه ورغم أن هذه المهمة تبقى من مهام الصندوق الوطني للتأمين على البطالة، إلا أن هذا العمل يبقى صعبا ويحتاج إلى هيئات خاصة تعمل على رسلكة مهارات مسيري المؤسسات المتعثرة، وإعادة رسكلة مهاراتهم التسييرية لأجل البحث عن سبل لتطوير أدائهم، حيث يمكن أن يصل الأمر لقرارات بتغيير نشاط بعض المؤسسات وتركيبتها، منبّها محدثنا بأن عدم مرافقة الشباب والتعثر الكبير الحاصل في المشاريع السابقة جعل عدد المتقدمين لهيئات الدعم ضعيف جدا، حيث أن بعض جلسات لجنة انتقاء واعتماد وتمويل مشاريع الاستثمارات المحلية في عديد الولايات تعقد من أجل ملف أو ملفين، وهو أمر غير مقبول مقارنة بما يفترض أن تقدمه هذه الهيئات للشباب الراغب في خلق الثروة.
أوضح هاورن بشأن رؤيته الموضوعية لفكرة أو مطلب مسح الديون، بأنه لا مبرر لفكرة مسح الديون لا تقنيا ولا اقتصاديا ولا حتى اجتماعيا، إذ أنه من الناحية التقنية فالذين أخذوا قروض هيئات الدعم وقّعوا على عقود والتزامات برد أصل القرض، لكون أن الخزينة العمومية هي المسؤولة عن دفع الفارق بينه وبين نسبة الفوائد المفروضة عادة على القروض الثلاثية، كما أنه اقتصاديا مسح الديون يعني خسائر كبيرة جدا لهيئات الدعم، وقد تعجل بحلها في ظل تراجع قدرة الخزينة العمومية على تمويل مثل هذه الهيئات التي أصبحت تعتمد على ما تستعيده من أموال في تمويل المشاريع الجديدة.
أما بالنسبة للناحية الإجتماعية فمسح ديون الشباب يعني ضرب منظومة العمل داخل المجتمع الجزائري، وهذه القيمة التي يسهل كسرها لا يمكن بناؤها إلا بعد أجيال.
وعن البدايل التمويلية لهذه الأجهزة، وكيف يتم الوصول إلى نجاعة أكبر في مجال الدعم الشباني، قال المختص في المقاولاتية بأن البديل حسبه يتمثل في إعادة هيكلة كاملة لمنظومة تمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الجزائر، من خلال إعادة النظر في مؤسسات الدعم، حيث أن الهيئات الموجودة الآن تؤدي نفس المهام مع تعدد الأسماء، فلا فروق جوهرية بين الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب والصندوق الوطني للتأمين على البطالة في تمويل المشاريع إلا من حيث السن رغم أنهما ينتميان إلى نفس الوزارة وهي وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، كما أنه لا فرق بينهما وبين الوكالة الوطنية للقرض المصغر التي تنتمي إلى وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة إلا من حيث حجم المبالغ، غير أنه في المقابل أغفلنا أن هذه الهيئات تقوم بعدد مهول من المهام تفوق السبعة قوامها تسجيل المشاريع، تقديم الاستشارات للمقاولين المحتملين واعداد دراسة الجدوى، تقديم ملفاتهم أمام لجنة انتقاء واعتماد وتمويل مشاريع الاستثمارات المحلية، التكوين، تقديم التمويل، متابعة المقاول ومرافقته وتحصيل قسط القروض، وهي مهام يستحيل أن تستطيع هيئة تأديتها بشكل كامل، ولهذا يجب اعتماد فكرة اعادة تقسيم هذه الهيئات بشكل وظيفي، بحيث يتم فصل المهام الادارية عن المهام التكوينية والتقنية، كما حصل سابقا مع صندوق الضمان الذي أصبح منفصلا في الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب، معتبرا في رؤيته لدور التمويل الاسلامي في تطوير هذه المشاريع الشبانية، بأنه لا يمكن لأحد أن ينكر أن الشعب الجزائر متمسك بإسلامه، ومهما بلغت أخطاؤه اليومية، إلا أنه حين يعقد العزم على بناء مستقبله فإنه لن يبني مستقبله بالفوائد الربوية، ورغم أن الحكومة مشكورة جعلت الفوائد مخفضة بنسبة 100 بالمائة، غير أنه لم تصدر لحد الساعة فتوى واضحة تبيح للشباب التعامل مع هذه القروض، وتؤكد لهم مشروعيتها، وهو ما خلق عزوفا كبيرا لدى الشباب، ولعل فتح الشبابيك الاسلامية وفق التنظيم 02-18 المنشور في نهاية 2018 والخاص بالمالية الاسلامية قد ينعش إنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عن طريق هيئات الدعم الوطنية، فالفكرة ليست جديدة بل طبقت في بداية الألفينات مع بنك إسلامي محلي خاص، لكن العملية لم تتم لمشاكل تقنية لا علاقة لها بفشل أو نجاح المشاريع، كون البنك الاسلامي آنذاك كان يقدم للشباب الآلات والمعدات عن طريق المرابحة، وهو أمر كان بإمكانه أن يساهم في نجاح العديد من الشباب لو لم يتوقف.