أعادت حادثة مصرع عائلة بأكملها متكونة من الزوج والزوجة و3 أبناء، اختناقا بالغاز بحي كشيدة بولاية باتنة، إلى أذهان السكان المآسي الكثيرة التي يتسبّب فيها القاتل الصامت، خلال كل فصل شتاء رغم الحملات الكثيرة التي تقوم بها مختلف المصالح على رأسها الحماية المدنية للتحسيس بخطورة تسرب الغاز.
ليست عائلة «دعاس جلال» الوحيدة التي توفيت بالغاز في باتنة منذ دخول فصل الشتاء بل تمّ تسجيل العديد من حالات الموت بالغاز، آخرها شخصين لاقا مصرعيهما إثر استنشاق غاز أكسيد الكاربون، بعد عثور مصالح الحماية المدنية على جثتي شخصين من عائلة واحدة، الأولى تعود لشيخ في العقد السادس من العمر والثانية لشاب يبلغ من العمر 27 سنة، بسبب استنشاقهما غاز أحادي أكسيد الكربون المنبعث من آلة طهي متواجدة بمسكنهما العائلي بحي الأمل ببلدية تازولت.
ويتميّز شتاء سكان عاصمة الأوراس باتنة، بمآسي كثيرة عبر كل إقليم الولاية يصنعها غاز أكسيد الكربون، حيث تشير الإحصائيات إلى تسجيله لأكثر من 30 حالة وفاة في كل شتاء، يشهد موجة اضطرابات جوية، يصاحبها انخفاض كبير في درجات الحرارة خاصة ببعض المناطق المعزولة والنائية والجبلية بمناطق أريس، إشمول، تكوت، غسيرة، واد الطاقة، عين جاسر، مروانة وغيرها كثيرة، المعروفة بقساوة الطبيعة والتضاريس الوعرة.
وحسبما ما رصدته جريدة «الشعب»، فإن هذه الظروف تجعل الساكنة يقبلون على اقتناء مختلف المدافئ لجعل شتائهم ساخنا، غير أن إحصائيات مصالح الحماية المدنية وتدخلاتها تؤكد أن نعمة الغاز قد تتحول إلى نقمة حقيقية بسبب تسرب غاز ثاني أكسيد الكربون، رغم عديد الحملات التحسيسية التي قامت بها المصالح.
وأشار أحد نشطاء المجتمع المدني شينار محمد رفيق إلى أن السبب الرئيس في ذلك يعود إلى الاستعمال المكثف وغير المراقب لأجهزة التدفئة، التي يكثر استعمالها خلال الفترة الليلة، في غياب للتهوية في المنازل بسبب عدم احترام المقاييس الأمنية الخاصة بتركيب واستعمال أجهزة التدفئة، إلا أن الإهمال وعدم احترام قواعد السلامة، وكذا تهافت المواطن وراء اقتناء مدفأة أو جهاز تسخين منخفض السعر يؤدي لا محالة إلى كارثة إنسانية.
وحسب ما نشرته مصالح الحماية المدنية بباتنة على صفحتها بالفايس بوك، فغاز أحادي أكسيد الكربون هوغاز ناتج عن احتراق غاز المدينة لا رائحة له ولا لون، وهنا مكمن الخطورة «قاتل صامت» حسبما أكده عمار محمدي ناشط جمعوي، تكمن خطورته في دقة جزيئاته التي تدخل بسرعة في دم الإنسان بعشرة أضعاف سرعة دخول الأوكسجين، لذلك فهي تأخذ مكان الأوكسجين في الكريات الحمراء في دم الإنسان. وبمجرد استنشاقه، يبدأ تأثيره الكبير والسريع على جسم الإنسان في ظرف 3 دقائق خاصة على النظام العصبي المركزي، فيصيب العضلات بالشلل وعدم القدرة على التنفس ثم فقدان الوعي والإخلال بوظائف القلب، الذي يفشل في المقاومة فتحدث الوفاة.
حملات توعية ونصائح لا يُعمل بها
نعتبر مصالح الحماية المدنية بولاية باتنة الجهة الأكثر نشاطا في مجال التحسيس بخطورة استنشاق وتسرب الغاز، من خلال تسطيرها لبرنامج هام من حملات التوعية لتفادي هذه الحوادث الأليمة وعلى المواطن الالتزام بنصائحها، وكذا وجوب الحيطة والحذر واليقظة في مراقبة أجهزة التسخين والمدافئ بمختلف أنواعها، كما يجب عليهم التصرف الجيد أثناء حدوث تسربات للغاز الطبيعي كالانبطاح في الأرض، وفتح كل منافذ التهوية في البيت وعدم إشعال الكهرباء أو أي طاقة أخرى كأعواد الثقاب، والأفضل هو القيام بمراقبة دورية لكل منافذ التهوية ومداخن المدافئ، إضافة إلى الغلق الجيد لحنفيات الغاز قبل الخلود إلى النوم.
ولعل هذه الأمور حسب الشروحات التي قدمتها مصالح الحماية المدنية لولاية باتنة، في حملاتها التحسيسية مؤخرا في المسجد والمدارس وتبدو أنها تافهة وبسيطة في نظر الكثير من المواطنين، إلا أن الواقع يثبت أن الاستخفاف أو التساهل مع هذه الأمور يؤدي إلى حوادث وكوارث خطيرة جدا.
ونشير في الأخير أن أغلب من تحدثنا إليهم، حملوا المواطن والسلطات المحلية المسؤولية على حد سواء كون الأول يجهل خطورة الغاز الطبيعي والثانية لا تعرف سوى تحميل المواطن المسؤولية والتذرع بعدم تجاوب الموطن مع حملاتها التحسيسية من جهة، وأن دورها وقائي أكثر منه علاجي من جهة أخرى.