تحوّلت ظاهرة الاختناق بغاز أحادي أكسيد الكربون التي تحصد سنويا عشرات الأرواح إلى هاجس كبير بين المواطنين، إن لم نقل شبح هيمن على تفكير وأحاديث الشارع المحلي بولاية بومرداس، خاصة بعد الحادث المأساوي الذي كانت القرية الفلاحية لبن شود مسرحا له قبل أيام بهلاك ثلاثة أشخاص من عائلة واحدة، في حين تبقى الأسباب وطرق الاحتياط غير مجدية رغم حديث مصالح الحماية المدنية عن حملات إعلامية للتحسيس بواجب أخذ الحيطة والحذر عن طريق صيانة الأجهزة وتهوية البيوت.
سؤال يبقى بدون إجابات مقنعة وسط الشارع والأطراف التي تحدثنا إليها عن الأسباب الحقيقية لارتفاع عدد حالات الاختناق بغاز أحادي أكسيد الكربون المميت وطنيا ومحليا على مستوى ولاية بومرداس، التي سجلت عدة حالات تدخل من قبل عناصر الحماية المدنية لإنقاذ أشخاص من موت محقق، لكن الأمر لم يكن كذلك مع عائلة «عمروش» ببن شود التي خلفت وفاة الأم 78 سنة وابنتيها 45 و46 سنة على التوالي، في حادث هز سكان المنطقة وأعاد إلى الأذهان حالات سابقة مماثلة شهدتها المدينة الجديدة لدس قبل سنوات وأخرى بعدد من بلديات الولاية.
القضية الظاهرة ومن وجهة نظر الحماية المدنية التي تعد كل سنة مع بداية فصل الشتاء برنامجا تحسيسيا خاصا لتوعية المواطنين، وحثهم على ضرورة القيام بأعمال الصيانة للأجهزة وقنوات تصريف الغازات المحترقة وتوفير التهوية الكافية داخل البيت تجنبا للكوارث المحتملة، يشكل تقريبا الأسباب الرئيسية لحالات الاختناق المسجلة سنويا، لكنه يبقى من وجهة نظر المتتبعين برنامجا روتينيا جامدا لم يعد يلفت النظر من قبل المواطن الذي يتحمل جزء كبير من المسؤولية أيضا، ولم يحدد طبيعة النتائج المحققة وهل هناك فعلا تقييما للبرنامج في الميدان ومدى تجاوب المواطنين معه، ومدى وجود بدائل أخرى للتأثير أكثر في نفسية المواطن؟
كما تشكّل مديرية التجارة الفاعل الثاني في هذه المعادلة بالنظر إلى الكثير من الاتهامات التي ذكرها المواطنون وحتى جمعيات حماية المستهلك تتمثل في نوعية أجهزة التدفئة المستوردة التي تم تسويقها محليا لسنوات، وتبقى تقريبا تشكل العدد الأكبر المستعملة حاليا في اغلب البيوت بسبب غياب شروط السلامة وعدم استجابتها للمعايير القانونية من المواد المصنعة، وما هي الإجراءات المستعملة لتدارك الأمر بعد تشديد الرقابة على السلع المستوردة ووحدات التركيب المحلية أمام ارتفاع نسبة الحوادث التي التصقت أغلبها بأجهزة التدفئة المغشوشة التي تغيب عنها معايير السلامة مقارنة بالأجهزة القديمة المنتجة من قبل مؤسسات وطنية معروفة كـ «اونيام» و»سوناريك» التي لا يزال البعض منها يشتغل منذ عقود لدى عدد من العائلات وليس سنوات دون تسجيل عطب واحد ودون تسجيل حادث يذكر مثلما وقفت عنده «الشعب» لدى بعض المواطنين الذين ربطوا المشكلة بنوعية الأجهزة المسوقة.
المواطنون بدورهم الذين تحدثنا إليهم عن الموضوع، ذهبوا تقريبا في هذا الاتجاه المتعلق بطبيعة الأجهزة الجديدة غير المطابقة مع تحميل المواطن جزء من المسؤولية بسبب التهاون في القيام بأشغال الصيانة السنوي أحيانا إلى حد الإهمال وطريقة التركيب وربط البيوت بشبكة الغاز، لكن ما هو مؤكد أن الظاهرة أحدثت هلعا حقيقيا وزادت من حدة المخاوف والوساوس وسط العائلات خوفا من التسربات خاصة مع صعوبة الكشف عنها نتيجة طبيعة أحادي أكسيد الكربون عديم الرائحة واللون، الذي يبقى شيئا غامضا بالنسبة للمواطنين الذين يفسّرونه بثاني أكسيد الكربون المحترق، وهو ما يعني حتمية تكثيف البرامج التحسيسية والتثقيفية لفهم مكونات هذه المادة.
شيء آخر يتخوف منه المواطن بولاية بومرداس مثلما لمسته «الشعب»، هو احتمال ارتفاع نسبة الاختناق بالغاز وتسجيل حالات أخرى خاصة مع توسع شبكة الربط بالغاز الطبيعي الذي تعرفه مختلف بلديات الولاية بأحيائها وقراها لتدارك العجز المسجل، في حالة عدم مواكبة هذه الديناميكية ببرامج إعلامية توعوية للعائلات التي تستفيد حديثا من الغاز.
وقد كانت المبادرة عبارة عن تجربة أطلقتها مديرية توزيع الكهرباء والغاز لبومرداس التي كانت تقوم بحملة تحسيسية حول طرق التشغيل والصيانة لكل عملية ربط بهذه الشبكة من أجل رفع درجة الوقاية والحيطة لدى المواطن، لكنها تبقى غير كافية وبحاجة إلى تغيير تقنيات العمل ولم لا تشكيل فرق خاصة تتشكل من كل هذه الهيئات والمديريات المعنية للقيام بعمليات مراقبة لطبيعة الأجهزة، ومدى سلامة عملية الربط داخل البيوت كإجراء ميداني فاعل بدلا من استمرار الخطابات العابرة التي لا تقدم ولا تؤخر شيئا حسب وجهة نظر المواطن، الذي بدأ يفكر بتقنية أخرى للتدفئة أقل خطرا كالتدفئة المركزية لتجنب اقتناء مسخنات الغاز.