رجُل من طينة الكبار، فرض منطقه بجدارة وإستحقاق على رأس العارضة الفنية للمنتخب الوطني، تميّز بالصرامة والجدية في العمل، فكان له ما أراد من خلال إعادة هيبة الخضر الضائعة خلال السنوات الماضية. إنّه الدولي السابق صاحب 43 ربيعا، جمال بلماضي الذي كتب إسمه بأحرف من ذهب في ظرف قياسي بعد توليه مهمة قيادة التشكيلة الجزائرية، فإستحق الثناء لأنه قلب الموازين ووضع حدا لكل المشكّكين في قدراته.
وافق بلماضي على تدريب المنتخب الوطني في فترة جد صعبة كان يعيش فيها مرحلة فراغ رهيبة عصفت بكل المدربين الذين أشرفوا عليه، وعددهم 6 مدربين في ظرف ثلاث سنوات، أي منذ رحيل البوسني هاليلوزيتش لم يجد الخضر معالمهم، حيث كانت تتوالى النتائج السلبية على الصعيد القاري أهمها الإخفاق في كأس أمم أفريقيا بالغابون 2017، والفشل الكبير تمثل في عدم التأهل لمونديال روسيا 2018، ما جعل المشرفين على رأس الإتحادية الجزائرية يسارعون في البحث عن الرجل المناسب لتفادي الدخول في النفق ليقع الإختيار على الدولي السابق بالرغم من خبرته القصيرة في مجال التدريب.
هدفي التّتويج بكأس إفريقيا...؟
بداية المهمة بالنسبة للناخب الوطني كانت خلال أول ندوة صحفية نشّطها بمركز تحضير الفرق الوطنية بسيدي موسى حينها كشف أنه جاء من أجل التتويج بكأس أمم أفريقيا لسنة 2019، أثارت تصريحاته المثيرة للجدل حيرة الوسط الرياضي الجزائري، وأسالت الكثير من الحبر عند وسائل الإعلام بالنظر للظروف الصعبة التي كان يمر بها الفريق الوطني في تلك الفترة، التي غابت عنها روح المجموعة ولم يكن هناك إنضباط وكل طرف يعمل على فرض منطقه، والدليل واضح من خلال الهزائم المتتالية في أغلب الخرجات.
بلماضي كان يدري جيدا صعوبة المهمة التي تنتظره قبل بداية العمل مع التشكيلة بسبب المعطيات والظروف التي كانت سائدة داخل بيت المنتخب الوطني من شتات وغياب روح المسؤولية، إلاّ أنه لبّى نداء الوطن بعدما كان مطلب الجماهير قبل المسؤولين الذين إستنجدوا به كخيار أخير لإنقاذ الوضع وإستدراك الأمور في الوقت المناسب، وبالرغم من الضغوطات التي عاشها هذا المدرب الشاب من إنتقادات من أشخاص أرادوا تعكير الجو أمامه لإفشال مخطّطه الرّامي لإعادة الجزائر للواجهتين القارية والعالمية، إلاّ أنه باشر عمله في صمت بداية من متابعة اللاعبين في الأندية التي ينشطون بها لمعرفة مدى جاهزية كل واحد منهم قبل تعيين التشكيلة التي سيعتمد عليها.
فضّل العمل في صمت
لم يسلم من الإنتقادات بعدما أعلن عن القائمة التي سيعتمد عليها، والتي عرفت تغييرات بإبعاد بعض الكوادر في صورة كل من بن طالب وتايدر وإعادة قديورة للمجموعة لأنه إقتنع بقدرته على تقديم الإضافة للفريق بالرغم من تقدمه في السن، ولم يأبه بلماضي لتلك الإنتقادات وواصل العمل لأنه كان يؤمن بأن كرة القدم تلعب في الميدان وليس في صفحات الجرائد والبلاطوهات، وكان له ما أراد حيث تمكّن من إعادة الهيبة للتشكيلة الوطنية في ظرف قياسي من خلال النتائج الباهرة التي حققها وفقا لإستراتيجية عمل واضحة تقوم على الصرامة والجدية.
جاء ذلك بعدما فرض منطقه في العمل، مؤكدا أنّه يركز على الجاهزية الذهنية والبدنية للاعبين ولا وجود لأي فوارق بينهم لأنهم كلهم سواسية من أجل تشريف الألوان الوطنية، وبالصرامة العالية وبعد نظره للمعطيات إستعاد زمام الأمور وتحكم في الإمكانيات الموجودة لدى المجموعة، التي كانت ممزوجة بين خبرة الكوادر وعزيمة الشباب، فعاد الإنضباط للمنتخب من جديد وفرض الإستقرار الذي كان غائبا لفترة طويلة لتأتي بعده الإنتصارات المتتالية.
تحقّق الحلم...
سار القائد السابق للخضر بخطى ثابتة صوب الهدف الذي كان يؤمن به،وهو إعادة الجزائر لمنصة التتويج على الصعيد القاري، حيث قام بتعيين تشكيلة متكاملة ومتوازنة من ناحية الخبرة والتجربة، إضافة إلى الكفاءة التي تتمتّع بفرديات متشبّعة بالروح الوطنية، ومن تربص قطر بدأ الحلم يقترب بالنسبة لبلماضي، وبالرغم من حادثة بلقبلة التي جاءت في وقت جد حسّاس إلاّ أن المدرب عرف كيف يحافظ على إستقرار المجموعة وبالفعل جاء الرد من أرض الكنانة، بعدما منح الفرصة لعناصر كانوا في طي النسيان في صورة بلعمري وقديورة، هذا الثنائي الذي لم يكن منتظرا أساسيا في مثل هذا الموعد الكبير قبل أن يثبتا جدارتهما بهذه الثقة من خلال الدور البارز الذي قدّماه طيلة 7 مباريات بما أن هذه الدورة لعبت بـ 24 فريقا.
إضافة إلى إعطاء الفرصة ليوسف بلايلي الذي أبدع وكان في الموعد في الخط الهجومي، وخطف الأضواء من خلال الأداء الرائع الذي ظهر به هذا اللاعب، الذي عانى كثيرا في السابق قبل أن يعود بقوة ويكون نجم المنتخب الوطني بجدارة، سواء من خلال الأهداف التي سجلها أو تمريراته الحاسمة، وخير دليل أنه أجلس براهيمي على دكّة البدلاء. نفس الوضع مع بن ناصر الذي لم يكن متوقّعا أساسيا، إلاّ أن نظرة بلماضي جعلته يعتمد عليه من أجل الحفاظ على الإستقرار في خط الوسط لضمان وجود التنسيق بين خطي الهجوم والدفاع، وكان في الموعد وخطف الأضواء من كل المتتبّعين بتحرّكاته الدقيقة، وطريقة تعامله مع الكرة ليكن أفضل لاعب في الدورة.
مدرّب محنّك وطموح...
في الأخير يمكننا القول أن بلماضي أفضل مدرّب أشرف على العارضة الفنية للخضر من خلال الحنكة والبصيرة التي يتمتّع بهما بالرغم من أنه مازال شابا، إلاّ أنه قدّم للفريق ما لم يستطعه مدربون كبار ويملكون سجلات ممتلئة، والأرقام وحدها تتحدّث عن هذا المهندس الذي أعاد هيبة الجزائر على الصعيد القاري، من خلال التتويج بالتاج من بلاد الكنانة بعدما أدهش العالم بالخطط التكتيكية التي كان ينتهجها من لقاء لآخر، والأكثر من ذلك الفريق لم يُهزم طيلة 18 مباراة كاملة، كل هذا لأنه أعطى الثقة للاعبين ومنحهم الحرية فوق الميدان مركّزا على روح المجموعة، منتهجا عامل المنافسة كأداء لتطوير قدرات اللاعبين لأنّه فتح باب المنتخب أمام الجاهزين فقط ليشهد له التاريخ لأنه كان عند وعده وأتى بالكأس الأفريقية بعد 11 شهرا فقط من تولّيه المهام.