رحل في الساعات الأولى من سنة 2022 الأسطورة، كمال لموي، الذي صنع أمجاد كرة القدم الجزائرية لاعبا ومدربا ثم مسيرا، بعد معاناته من تبعات الفيروس الفتاك (كوفيد - 19)، ليضاف إلى قائمة من اللاعبين والمدربين الذين غيّبهم الموت في السنوات القليلة الماضية، دون الاستفادة من خبراتهم ومعارفهم الكروية لخدمة معشوقة الجماهير.
صدم عشاق كرة القدم الجزائرية بخبر رحيل ظاهرة كروية نادرة، يتعلق الأمر بالحارس كمال لموي الذي سجل الأهداف أكثر، مما تلقاه في مسيرته الكروية، بعدما تم استغلاله في أكثر من منصب في كل الفرق التي حمل ألوانها.
ولد لموي بتاريخ 28 فبراير 1939 بباتنة، باشر مسيرته الكروية سنة 1953 في منصب حارس مرمى بألوان فريق أتليتيك الرياضي باتنة، الذي تحول اسمه إلى فريق المولودية الرياضية الشعبية باتنة بعد الاستقلال، أين خاض الراحل مواجهته الأولى ضد فريق أتليتيك الرياضي لمدينة بونة، ليقنع مدربه وأنصار الفريق بالمستوى الذي قدمه.
تألق لموي في حماية عرين النادي الباتني خلال موسمه الرياضي الأول في عالم كرة القدم، قاده للاحتراف بنادي راسينغ باريس وهو لم يتجاوز سن 15، بعدما قام بتربص انتقائي هناك وتمت الموافقة مباشرة على انتدابه، خصوصا بعدما تأكد المدير الرياضي للفريق الفرنسي، أن ابن الأوراس يمكنه أن يتحول إلى مهاجم حر، بحكم مداعبته للكرة وتموقعه الجيد فوق المستطيل الأخضر، وكذا قوته المورفولوجية مقارنة بزملائه في الفريق.
الاحتراف بدأ بباريس
نهاية موسم (1956 - 1957) كانت مثمرة للدولي الجزائري، بعدما قرر الطاقم الفني لفريق الأكابر بقيادة المجري فرنسي جوردان أوغوست، ترقيته بعد 3 مواسم كاملة من التكوين لدى الفئات الدنيا للفريق، وهو الموسم الذي أنهاه الفريق في المركز التاسع، ترتيب جعل إدارة الفريق تغير الطاقم الفني وتنتدب المدرب بيير بيبارو، الذي جلب لمسته وكان وراء العودة القوية للراسينغ طيلة مرحلة الذهاب، قبل أن تتراجع نتائج الفريق في مرحلة العودة وأنهى الموسم في المركز الثالث، ليرى لموي لقبه الأول يضيع لصالح فريق نيس الفرنسي.
قرر لموي تغيير الأجواء بعد نهاية موسمه الثاني لدى الأكابر، وفضل الانتقال إلى الجنوب الفرنسي تحديدا إلى فريق المستقبل الرياضي لمدينة بيزيه، إلى جانب مواطنيه (رشيد عمارة، بوجمعة بورتال، بوسكينة، صادق بوخالفة)، وهو ما ساعده على التألق والبروز في البطولة الفرنسية، وجعل العديد من الفرق تتحدث عنه بأنه مستقبل كرة القدم الفرنسية، كما أن إحدى الجرائد الفرنسية اعتبرته لاعبا خارقا للعادة، بعدما تمكن في لقاء واحد من تسجيل هدفي السبق لفريقه، والتحول بعدها إلى حارس مرمى ليحرم وقتها المنافس من العودة في النتيجة.
بالرغم من انتقاله للعب بفرنسا في سن المراهقة، إلا أن ابن مدينة باتنة بقي وفيا لوطنه والقضية الجزائرية، بعدما رفض الأخير تأدية الخدمة الوطنية بفرنسا، وهو ما اعتبرته الرابطة الفرنسية لكرة القدم والإعلام خروجا عن الطاعة، ومنذ ذلك اليوم صنف في خانة اللاعبين غير المنضبطين.
استقلال الجزائر والعودة إلى حضن الوطن
بعد استقلال الجزائر عاد إلى أرض الوطن وأمضى على عقد رفقة فريق اتحاد بسكرة، أين حمل ألوانه خلال موسم (1962 - 1963) بالأقسام الدنيا، قبل أن يوقف مسيرته الكروية في الموسم الذي بعده مؤقتا، للاستفادة من تكوين وزارة الشباب والرياضة بمركز تكوين الرياضي ببن عكنون بالعاصمة، الذي يضاف إليه تربص سنة كاملة بفرنسا تحت قيادة الناخب الفرنسي الأسبق هنري غيران، للحصول على شهادة في طريقة تسيير المنتخبات الوطنية، والرابطات والاتحاديات وكذا مراكز التكوين الخاصة بالرياضة، شهادة سمحت له بالعمل كأستاذ للتربية البدنية بثانويات العاصمة.
التجربة الأولى مع العميد لم تكن موفّقة
خلال صيف 1964 تمكن لموي من العودة لممارسة رياضته المفضلة، من بوابه فريقه المحبوب مولودية الجزائر الذي تعاقد معه لمدة موسمين، وبسرعة فرض ابن الأوراس نفسه وخطف مكانته الأساسية في الخط الهجومي، وساهم بشكل كبير في تنافس الفريق على صدارة البطولة، إلى غاية الجولة الأخيرة من مرحلة الذهاب، أين قابل العميد الرائد فريق مولودية وهران بملعب 5 جويلية، في صراع كروي كبير لخطف لقب البطل الشتوي، وهي المواجهة التي عرفت ندية كبيرة وتدخلات خشنة أرغمت الحمراوة على استبدال الجناح المتألق بوجلال، قبل نهاية المرحلة الأولى، بعد تدخل قوي من المدافع الصلب جازولي.
عكس أطوار المباراة تمكن الزوار من افتتاح باب التسجيل عن طريق المهاجم بلعباس بقذفة صاروخية سكنت شباك الحارس زرقة، ولم يستسلم رفقاء لموي حتى تمكنوا من تعديل النتيجة عن طريق زبير عواج، لتزداد حدة المواجهة ويطرد معها الثنائي لوصيف ومغنين من العميد والحمراوة على التوالي، ليعود عواج ويضاعف النتيجة للمولودية مهديا الفوز الذي كان طعمه علقما، وتسبب في سقوط العميد إلى القسم الثاني، بقرار من صادق باطل وزير الشباب والرياضة وقتها، قرار جاء بعدما رفض لاعبو مولودية وهران تقبل الهزيمة وفقدان صدارة البطولة، ودخلوا في مناوشات جسدية مستفزين الأنصار الذين اقتحموا أرضية الميدان، الأمر الذي تسبب في إصابات خطيرة بين صفوف الفريقين، وكان ضحيتها الأولى لموي الذي قبع في المستشفى لعدة أيام، قبل أن يعود إلى المنافسة في القسم الثاني الذي لم يتمكن فيه وقتها العميد من الصمود، ووجد نفسه في القسم الثالث.
خلال موسم (1965 - 1966) قرر لموي البقاء في الفريق والعمل على إعادته لمكانته الحقيقية، وهو الأمر الذي تجسد بعدما ضمن النادي الصعود إلى القسم الثاني، ليغادر صاحب «الرأس الذهبي»، كما كان يحلو لأنصار العميد تلقيبه، حين قرر المدرب الجديد للمولودية حداد، الاعتماد على سياسة تشبيب التعداد والزّج بأسماء جديدة من مركز تكوين الفريق في صورة كل من (بطروني، كاوة، موسى، قديورة، مالوفي، بركاني)، الذين وضعوا حجر الأساس لفريق قوي سيطر على كرة القدم الجزائرية والقارية في سبعينيات القرن الماضي.
وكانت وجهة الحارس المهاجم بعد ذلك إلى فريق شباب بلوزداد الذي تعاقد معه بصفة لاعب مدرب، ليقود الشباب الكبير ويلعب بجانب أفضل ما أنجبت كرة القدم الجزائري (لالماس، عاشور، كالام وغيرهم ...)، قبل أن يتعاقد مع فريقي أولمبي المدية من (1968 إلى 1970) وبعده شبيبة الأبيار من (1970 إلى 1972) بصفته مدربا ولاعبا، ليقرر في سن 33 اعتزال لعب كرة القدم، ويتحول إلى مهنة التدريب.
لموي ينقش اسمه في تاريخ المنتخب الوطني
صاحب الرأسيات المحكمة كان له شرف حمل القميص الوطني، خلال أول مباراة لعبها «الخضر» في حقبة الجزائر المستقلة ضد منتخب بلغاريا، بعدما قام المدرب قادر فيرود باستدعائه إلى جانب أرمادة من اللاعبين، يتقدمهم نجم فريق جبهة التحرير الوطني مصطفى زيتوني، حيث لعب المواجهة التي فاز بها المنتخب بواقع هدفين لواحد، لتكون مشاركاته متذبذبة بعد ذلك، وكانت آخر مرة استدعي فيها إلى الفريق الوطني بنهائيات كأس أمم أفريقيا بإثيوبيا 1968، حيث شارك في المباريات الثلاث عن الدور الأول، قبل الاقصاء بعد هزيمتين أمام كوت ديفوار والبلد المنظم، وفوز على حساب أوغندا.
وعاد الأنيق لموي إلى فريقه المحبوب مولودية الجزائر مدربا رئيسيا موسم (1977 - 1978) وقاده للتتويج بلقب البطولة الرابع في خزائن الفريق، ليكون أول لقب له منذ دخوله عالم كرة القدم لاعبا ومدربا، قبل أن ينتقل في موسم الإصلاح الرياضي للإشراف على العارضة الفنية لفريق شباب بلوزداد.
صرامة الرجل دفعت الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، منحه مهمة قيادة الفئات الصغرى للمنتخبات الوطنية، عمل كلل بخطف لقب دورة روبي بفرنسا سنة 1979 رفقة المنتخب الوطني لأقل من 20 سنة، حيث أشرف على تأطير كل من (بلومي، مرزقان، عصاد)، الذين شاركوا 3 سنوات بعد ذلك في كأس العالم 1982، وبصموا على مشاركة تاريخية للمنتخب الوطني في نهائيات أكبر مسابقة كروية بالعالم.
مسيرة دون خطأ مع «الخضر»
بعد ذلك عاد المهاجم القوي إلى التدريب على مستوى الفرق من بوابة أولمبي المدية وبعده مولودية الجزائر، لتوكل له مهمة قيادة العارضة الفنية للمنتخب الوطني من (1988 إلى 1990)، وهي التجربة التي تمكن خلالها من تحضير نواة المنتخب الوطني الذي توج سنة 1990، بالتاج القاري تحت قيادة المرحوم عبد الحميد كرمالي، بعدما قاد «الخضر» في 17 مواجهة كاملة لم يتذوق خلالها طعم الهزيمة خلال المباريات الرسمية، حيث حقق 7 انتصارات ومثلها من التعادلات و4 هزائم، وتمت إقالته حين لم يتمكن عن قيادة الفريق الوطني إلى نهائيات كأس العالم 1990 بإيطاليا، بعدما فرض عليه التعادل السلبي بملعب الشهيد حملاوي بقسنطينة أمام منتخب مصر، في الوقت الذي كانت فيه رفقاء سي طاهر شريف الوزاني مطالبين بتحقيق الفوز للعبور إلى المونديال.
تجارب تدريبية خارج الوطن
بروزه مع المنتخب الوطني جعل العروض تتهاطل عليه، حيث انتقل بعدها للعمل بالبطولة الليبية، أين قاد اتحاد طرابلس الليبي إلى التتويج بلقبين متتاليين في 1990 و1991، لينهي مسيرته التدريبية رفقة فريق الشارقة الإماراتي الذي أعاده إلى حظيرة الكبار صيف 1994. لموي ابتعد بعدها عن كرة القدم نهائيا، لكنه بقي يتابع أخبار فريق مولودية الجزائر والمنتخب الوطني، إلى أن وافته المنية الاثنين المنصرم بالعاصمة الفرنسية باريس عن عمر ناهز 83 عاما، جراء مضاعفات فيروس كورونا.