السيادة والأمن واستقـلاليــة القرار.. خط أحمر
سمحت مناسبة اليوم الوطني للجيش الوطني الشعبي، بتسليط الضوء على ما بذل من تضحيات في سبيل استرجاع السيادة الوطنية والحفاظ عليها طيلة ما يزيد عن 60 سنة، ونبهت إلى مزيد من اليقظة تجاه تقلبات دولية لا ترحم الضعيف.
تأكد بما لا يدع مجالا للشك، أن الجزائر متشددة إلى أبعد الحدود في الدفاع عن حرمة ترابها وأمنها الوطنيين؛ ذلك أن الثمن الذي دفع من أجلهما لا يقدر، وقوامهما قوافل بالملايين من الشهداء، ويقع على عاتق الجيل الحالي مواصلة حمل الأمانة وصونها إلى آخر رمق.
الركون إلى الدعة والسكون كان ممكنا، في ظل ما تنعم به البلاد من أمن واستقرار وفرص عديدة للاستثمار الوطني والأجنبي، بما يفتح الباب واسعا أمام الرفاهية والتطور، لكن دولة بحجم الجزائر (أكبر بلد في إفريقيا مساحة)، وذات مبادئ راسخة، لا تحيد عنها ولا تساوم، ملزمة بإبقاء أقصى درجات اليقظة والتعبئة المعنوية، ضد كافة الأخطار المحتملة، مهما ارتفعت مؤشرات الأمن الإقليمي.
ومثلما أكد الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، فإن «التهديدات أصبحت سمة بارزة من سمات هذا الزمن المتغير وغير المأمون بل والغادر» ما يستدعي «مواجهة تداعياتها بالنجاعة والفعالية اللازمتين».
وليس من باب المزايدة، توقع الأخطار المفاجئة، لأن عالم اليوم قد حسم أمره بالعودة إلى التصعيد والاستقطاب الدولي والجنوح إلى خيار القوة على حساب القانون الدولي. في فترة جائحة كوفيد-19، تبيّن أن النظام العالمي الذي بني على أنقاض الحرب العالمية، وصل درجة عالية من الإفلاس، على الأقل على مستوى القيم والأخلاق والنظم التي بني عليها، فقد مارست دول ذات سيادة، وعن إرادة وقصد، قرصنة الأدوية والمستلزمات الطبية التي كانت متوجهة لدول أخرى ذات سيادة.. وانهارت التحالفات والمواثيق بشكل مفاجئ، ومثير للريبة، مقدما درسا أساسيا للجميع مفاده، الاعتماد على الذات وعلى سواعد أبناء الوطن الواحد، باعتباره الخيار الأوحد والمتبقي في ظرف طارئ.
كذلك، رسمت الحرب الروسية- الأوكرانية، مشهدا دوليا مليئا بالاستقطاب والاصطفاف، ومحاولة تصنيف البلدان على أساس إيديولوجية الحرب الباردة. ومرة أخرى، أجادت الجزائر قراءة الموقف جيدا، وجددت التزامها بمبادئ عدم الانحياز، وشددت على أنها دولة لا تخاصم إلا من خاصمها، وأنها صديقة الجميع.
وعبر رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بوضوح عن هذا الموقف، في حوراه الأخير مع وسائل الإعلام الوطنية، حينما قال إن «الجزائر متمسكة بعلاقاتها مع أمريكا، ومع روسيا ومع الصين ولن ترهن علاقتها لصالح دولة أو جهة معينة».
وقدم الرئيس تبون البعد الثوري للمكانة الخارجية للجزائر، لافتا إلى أن حرية اختيار الشركاء الدوليين، كان قوامها ملايين الشهداء، ولا يمكن لأي كان أن يفرض على الجزائر توجها معينا في سياستها الخارجية.
ولتكريس هذه المبادئ والثبات عليها، يعد الجيش الوطني الشعبي ركيزة أساسية وحجر الزاوية، فبفضل جاهزيته الكبيرة وقدراته اللوجستية الضخمة، استطاع جلب وتأمين كافة المستلزمات الطبية من لقاحات وعتاد، وبجسور جوية متواصلة، بينما فشلت دول غربية متطورة في تحقيق ذلك.
كما تعتبر هذه الجاهزية التي أظهرها جيشنا، وبشكل حاسم، في تأمين الحدود الوطنية، موقع الجزائر، كبلد محايد ومسالم وحازم ووسيط نزيه، وذلك حسب مقتضيات الظروف وطبيعة الموقف السياسي لدول الجوار.
رؤية واضحة
هذا النهج تتعامل به الجزائر مع التطورات الحاصلة في منطقة الساحل الإفريقي، والتي تتسم بنشاط إرهابي متزايد وعدم استقرار سياسي واقتصادي بفعل تصرفات الجهات الانقلابية المسيطرة على الحكم.
وبالنسبة للجانب الجزائري، تظل اليد ممدودة دائما للدول التي تعتبرها شقيقة، ومستعدة للمساعدة، مثلما فعلت حتى قبل استقلالها ومنذ 1960، لكنها ملتزمة -في المقابل- بعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وعدم فرض أي مسار للحل، كما تلتزم بتأمين حدودها وعدم التسامح مع اندفاع أي تهديد نحوها.
وعبر رئيس الجمهورية عن ذلك في ذات المقابلة الإعلامية الأخيرة، حيث أكد أن يد الجزائر تظل دائما ممدودة لجيرانها، لكنها لن تجبر أحدا على شيء، لافتا إلى أن المشاكل ليست موجودة عند الجانب الجزائري، ولكن في الجانب الآخر.
وبهذا الشكل، تكون الجزائر قد وضحت الرؤية للجميع، باعتبارها دولة عدم انحياز، تتبنى سياسة حسن الجوار قولا وفعلا، وتحرص على مساعدة جيرانها إذا ما تلقت طلبا منهم، وفي الجانب الآخر، حريصة كل الحرص على تأمين حدودها وحماية شعبها، بالاعتماد على جيشها ووعي مواطنيها. وأمام المخابر التي تحترف دعاية وضع الدول على القوائم التخريبية، فإن اليقظة وإظهار أقصى درجات الاستعداد الشامل، تبقى السبيل الوحيد للتصدي لهؤلاء القائمين على الأجندات التدميرية.
ولقد نجح الوعي الجزائري في تحييد كثير من عناصر الدعاية المغرضة، وأدوات حروب الجيل الخامس، بفعل الحس الوطني والارتباط بالدفاع عن المصالح العليا للبلاد مهما كانت.
بهذه المقاربة، تكون الجزائر قد خرجت من دائرة الطوق الاستراتيجي الذي أريد ضربه حوله، لتشكل حصنها المنيع القائم على رابطة «جيش- أمة» التي صارت تحمل على عاتقها تنفيذ مشروع اقتصادي طموح بادر بوضع أسسه رئيس الجمهورية، وتحققت منه أشواط معتبرة.