لم ترق مشاركة المنتخب الوطني في كأس أمم إفريقيا الجارية وقائعها بالكاميرون إلى مستوى التطلعات، خاصة بعد الفشل في المرور إلى الدور الثاني ليعيد للأذهان مستوى المنتخب في الفترة التي سبقت مجيء بلماضي والتي كان فيها رفقاء محرز يجدون صعوبة في الفوز على منتخبات «مجهرية» في إفريقيا، قبل أن تتحول الأمور نحو الأفضل، ثم يعود المنحنى الى مستوى تنازلي منذ مباراة بوركينافاسو الأولى في المغرب التي انتهت بالتعادل الإيجابي حيث ظهر التراجع واضحا في مستوى التشكيلة.
لم يكن أشد المتشائمين يتوقع خروج المنتخب الوطني من الدور الأول لكأس أمم إفريقيا وأكثر من هذا تذيل المجموعة والفشل في الفوز على أيّ منتخب من المنتخبات الثلاث، وهي كوت ديفوار وسيراليون إضافة إلى غينيا الاستوائية، التي حققت فوزا تاريخيا على أبطال إفريقيا، والذي سيبقى راسخا في أذهان كل اللاعبين.
الهدف الأول للمنتخب الوطني كان الدفاع عن اللقب القاري المحقق في مصر، قبل ثلاث سنوات، إلا أنّ هذا الأمر لم يتحقق بالنظر إلى العديد من الأسباب التي سنخوض فيها بالتفصيل، لكن هنا لا يمكن إغفال مسؤولية بعض الأطراف فيما حدث، على غرار الناخب الوطني التي يتحمل جزءا من المسؤولية، إضافة إلى الاتحادية الجزائرية لكرة القدم التي لم تقم بدورها على أكمل وجه وظهرت ضعيفة أمام قوة بعض الخصوم غير المباشرين في الكواليس.
تشابكت العديد من الأسباب التي أدّت إلى الخروج من كأس إفريقيا وأكثر من هذا الظهور بمستوى باهت وبعيد كل البعد عن المستوى الرائع الذي قدمه اللاعبون، خلال المباريات الماضية ويبدو أنّ هناك ثلاث أسباب رئيسية أدت إلى «نكسة» دوالا، كما أصبحت تعرف بعد إخفاق المنتخب ومن هذه الأسباب الثلاث الرئيسية تتفرع أسباب أخرى فرعية، حيث تعدّدت الأسباب والنتيجة كانت واحدة.
من الناحية الفنية، ظهرت العديد من المؤشرات التي كانت تمثل جرس إنذار بالنسبة للناخب الوطني من أجل إصلاح ما يمكن إصلاحه قبل فوات الأوان، خلال الأشهر الماضية، وكان على بلماضي الاستجابة والقيام ببعض الأمور التي كانت ستكون في وقتها ربما غير مفهومة، إلا أنه مع مرور الوقت أصبح القيام بها أمرا ضروريا، لكن جاءت الهزيمة أمام غينيا الاستوائية وبعدها كوت ديفوار لتعري الواقع المرير وتؤكد أنّ الفترة المقبلة يجب أن تشهد الكثير من التغييرات الضرورية، لكن قبل ذلك، يجب البحث عن أسباب الإخفاق في الدفاع عن اللقب القاري.
من الناحية التنظيمية، كان الإخفاق كبيرا سواء بعد عملية القرعة لدور المجموعات أو خلال عملية التحضير لكأس إفريقيا والتي كانت فاشلة بكل المقاييس، إضافة إلى المشاكل التنظيمية التي حدثت في الكاميرون وأكدت أنّ الاتحادية لم تلعب دورها الاستشرافي.
أسباب فنية كان يجب تفاديها
لا يمكن إغفال دور الناخب الوطني ومسؤوليته الكبيرة في الإخفاق الذي حدث بدوالا، حيث كان يجب على بلماضي لعب دوره على أكمل وجه من أجل إنجاح مشاركة المنتخب، وهذا من خلال تحضيره جيّدا من الناحية الفنية ليكون في الموعد ويقدم أفضل العروض ولا يتم التحجّج بالحرارة أو الرطوبة إضافة إلى أرضية الميدان، التي لعب فشل المنتخب في تحقيق الانتصار عليها، بينما نجح منتخبا كوت ديفوار وغينيا الاستوائية في ذلك.
أول سبب هو عدم القيام بأيّ تغيير والمراهنة على التشكيلة التي فاز بها بلماضي بكأس افريقيا في 2019، حيث كان من الواضح أنّ المراهنة على نفس التشكيلة، ما عدا عدلان قديورة كان مغامرة كبيرة، خاصة أنّ الحالة الفنية للعناصر التي لعبت في 2019 و»كان» الكاميرون كانت مختلفة إلى حد بعيد.
التغيير كان يجب أن يكون مباشرة بعد كأس الأمم، من خلال التحضير لإمكانية تراجع مستوى بعض الركائز على غرار فيغولي ومحرز إضافة إلى بن العمري والمهاجمين، حيث لم يتم التحضير لهذا الأمر، وهو ما جعل بلماضي يجد صعوبة كبيرة في إيجاد البديل المناسب لفيغولي وحتى محرز كان من الصعب تغييره في ظل غياب العنصر القادر على صنع الفارق في الجهة اليمنى من هجوم المنتخب.
ظهر تأثر المنتخب بغياب قديورة جليا خلال كأس افريقيا رغم تواجد لاعبين جيدين، إلا أنّ بلماضي كان في كل مرة يفرغ وسط الميدان من لاعب يمتلك الصلابة اللازمة في الفوز بالصراعات الثنائية والمراهنة على لاعبين لديهم الجودة الفنية أعلى من البدنية في صورة بلقبلة وبن دبكة، إضافة إلى بن ناصر.
طريقة اللعب هي الأخرى أصبحت مكشوفة لدى الجميع وتغييرها مقارنة بكأس افريقيا
السابقة بمصر كان من أخطاء بلماضي، حيث لعب «كان» القاهرة بخطة 4-3-3، بينما غير الخطة إلى 4-1-4-1 بعد التحاق زروقي وهو من كان يلعب دور حلقة الوصل بين الدفاع والوسط، لكن كان يجب على بلماضي الإبقاء على الخطة السابقة لأنها قربت اللاعبين من بعضهم البعض وقللت المساحات على المنافسين.
كان يجب على بلماضي القيام بالعديد من الأمور لكنّ سلسلة الانتصارات واللهث وراء تحطيم رقم إيطاليا القياسي في عدد المباريات دون هزيمة جعله يغمض عينيه على العديد من الأمور المهمة من الناحية الفنية والتي لو قام بها في وقتها لقطفنا ثمارها في كأس افريقيا الحالية وتفادي تضييع هذه الفرصة للانقضاض من جديد على اللقب القاري في ظل تراجع مستوى الكثير من المنتخبات الكبيرة في القارة السمراء.
أسباب تنظيمية أثرت سلبا
لم يكن العامل الفنّي هو الوحيد في تراجع مستوى المنتخب وإخفاقه في الدفاع عن لقبه القاري، حيث لعبت الأسباب التنظيمية دورا كبيرا في الإخفاق، وهنا يقع الأمر على عاتق الاتحادية
الجزائرية لكرة القدم المسؤولة على الجانب التنظيمي، حيث لم تلعب دورها على أكمل وجه من أجل توفير المناخ الملائم لنجاح مشوار المنتخب في كأس أمم افريقيا.
بداية إخفاق الاتحادية الجزائرية لكرة القدم كان في الموافقة على اللعب في دوالا من البداية وكان يجب على المسؤولين على الجانب اللوجيستيكي في «الفاف» ضرورة استباق الأمور في وضع تصور معين من أجل تفادي اللعب في دوالا وبالضبط في ملعب «جابوما» الذي يعد أسوا ملاعب «الكان» بدون منازع و قيام «الكاف» بإقصائه من استقبال مباريات ثمن وربع النهائي خير دليل على ذلك.
وتفاجأ الناخب الوطني بسوء الأرضية بعد الوصول إلى الكاميرون وهو ما أثر سلبا على طريقة اللعب.
اختيار قطر من أجل التحضير لكأس أمم إفريقيا بالكاميرون كان خطأ تنظيميا كبيرا نظرا للاختلاف الكبير في المناخ بين دوالا والدوحة وحتى ملاعب التدريب والملاعب الرئيسية، كان الاختلاف كبيرا، فالأرضيات في قطر ممتازة عكس أرضيات التدريب أو الملعب الرئيسي في دوالا.
الجانب التنظيمي من الأسباب الرئيسية لإخفاق المنتخب في الكاميرون ولو حدث أن لعبت الاتحادية دورها على أكمل وجه لن تكون النتيجة التي وصلنا إليها بالخسارة أمام كوت ديفوار وغينيا الاستوائية وعدم القدرة على الفوز في المواجهة الأولى على سيراليون وكل هذه الصعوبات كانت ستهون لو تم تغيير الملعب من البداية، إضافة إلى القيام بتربص تحضيري في الكاميرون للتعود على المناخ وليس السفر ثلاث أيام فقط قبل انطلاق المنافسة الرسمية، حيث كان من الصعب منح الوقت الكافي للاعبين من أجل التعود على المناخ السائد في دوالا، خاصة أنه يختلف كثيرا عن ما تعودوا اللعب في أوروبا أين يسود فصل الشتاء.
نجاح المنتخب من قبل كان نجاحا فنيا يعكسه تفوق إداري واضح، خاصة أن المدرب لا عذر له فنيا بعد أن وفرت له كل الظروف الملائمة من أجل النجاح وهو أخفق فنيا في اختيار اللاعبين أو التشكيلة المناسبة، لكن في حالة المنتخب رغم أن المدرب يتحمل المسؤولية الفنية، إلا أنّ الجانب التنظيمي ألقى بضلاله على قرارات المدرب الفنية وأثرت سلبا على النتائج المحققة في الكاميرون.
الكواليس ...ثالث الأسباب
تتويج المنتخب الوطني باللقب القاري في القاهرة بجدارة واستحقاق في 2019، جعله مستهدفا فيما بعد، خاصة بعد السلسلة الإيجابية من المباريات بدون هزيمة، ممّا جعل البعض يسعى بكل الطرق لإضعافه، من خلال استعمال لعبة الكواليس ومن سوء حظ المنتخب أن الاتحادية لم تساير الوتيرة في هذا الجانب عكس ما كانت عليه في السابق.
لا يمكن إغفال دور الاتحادية في الكواليس، خلال مشوار التأهل لمونديال 2010 أو 2014 وحينها كان المنتخب مستهدفا من الخصوم في الكواليس، لكن تواجد الاتحادية بقوة في هذا الجانب فوّت العديد من الأمور السلبية التي كانت قد تعترض طريق المنتخب، إلا أنّ الأمور اختلفت وظهر تأثر المنتخب بما حدث في الكواليس من طرف الخصوم بشكل واضح.
أول حدث كان يجب تفاديه والقيام بأمور معاكسة له في الكواليس هو اختيار دوالا من طرف اللجنة المنظمة وملعب «جابوما» السيء للغاية، حيث كان يجب تفادي هذا الأمر، من خلال الضغط في الكواليس على اللجنة المنظمة لتغيير المكان لكن هذا الأمر لم يحدث، وكان التأثر واضحا من سوء الأرضية التي لم تخدم طريقة لعب المنتخب الوطني الذي يعتمد على التمريرات.
الأمر الآخر الذي كان يجب الوقوف ضده في الكواليس هو برمجة المباراة الأولى على الساعة الثانية زوالا وفي وقت ذروة ارتفاع درجة الحرارة وبالنظر إلى الفارق في درجة الحرارة بين دوالا وأوروبا كان من الطبيعي أن يتأثر اللاعبون من الناحية البدنية، وهو الأمر الذي يؤثر على قدراتهم الفنية في الملعب وهو ما حدث خلال مواجهة سيراليون، حيث فشل المنتخب في الفوز.
من الأمور التي كان يجب التأثير عليها هو حكم مباراة غينيا الاستوائية الذي كان سيئا للغاية وحرم المنتخب من العديد من الأهداف المحققة، حيث كان يجب على الاتحادية الضغط في الكواليس لاختيار حكم مناسب له مكانته على المستوى القاري أو الدولي وتفادي جلب حكم لا يملك من الخبرة الكافية ومهمته كانت نرفزة اللاعبين أكثر من اللازم، ممّا جعلهم يخرجون من المباراة.
لعبة الكواليس فشلت فيها الاتحادية وهو ما يجب تفاديه خلال مباراة الدور الفاصل المؤهل إلى المونديال أمام الكاميرون، حيث يتوجّب على «الفاف» إعداد العدة من الآن من أجل التصدي لأيّ محاولة في الكواليس للتأثير على المنتخب قبل مواجهة «الأسود غير المروضة».
مشوار «الخضر» في «الكان»
ثلاثة أسباب وراء الإخفاق في الحفاظ على اللقب القاري
عمار حميسي
شوهد:2811 مرة