يعتقد بوشنافة شريف، أحد مؤسسي الحركة المسرحية بسكيكدة في شمال شرق الجزائر أن سياسة الترقيع والبريكولاج ستبقى حاضرة في الوعي الثقافي الجزائري في ظل غياب رؤيا استراتيجية واضحة المعالم، معتبرا أن التعاونيات المسرحية محاولة عريضة لإعادة هيكلة ما كان يعرف سابقا بالمسرح الهاوي، بهدف استقطاب عناصر الحركة على مر أجيالهم.
جاءت تصريحات بوشنافة ردا على سؤال «الشعب» حول التعاونية الثقافية واتجاهات الصعود والسقوط، حيث اعتبر أنّ التعاونية الثقافية هي بالأساس شركة مدنية تخضع لأحكام القانون المدني الجزائري، مثلها مثل أي تعاونية عقارية أو فلاحية وغيرها من الجماعات المستقلة الوارد ذكرها بالعقود المسماة التي نظمها المشرع الجزائري في القانون المدني، وبالتالي فهي حرفية لا تخضع لأي رسوم أو أتاوات جبائية كونها غير خاضعة للقانون التجاري.
وقال إن التعاونية الثقافية مسرحية كانت أو غيرها، ينظر إليها بنظرة الاحتراف، لذلك فهي تكتسي أهمية بالغة في المشهد الثقافي، انطلاقا من احترافها وموضوع اختصاصها، نظرا لتمتعها بصفة الشخصية المعنوية، مثلها مثل أي مسرح وطني أو جهوي، مع مراعاة أحكام قانونها الأساسي والنظام العام.
كما توّصل إلى أن التعاونية الثقافية عموما والمسرحية خصوصا شكل قديم، وأن آثارها الإيجابية ليست وليدة الساعة الآنية، كما هو عليه الحال بالنسبة لتعاونية أول ماي التي أسسها الشهيد عبد القادر علولة بالغرب الجزائري وتعاونية «الأجواد» بسكيكدة التي قدمت نشاطات جد محترمة، كذالك تعاونية «القلعة»، ومن روادها الفنانين الراحلين سكينة ميدو المعروفة باسم صونيا وعزالدين مجوبي وبن قطاف الذين أنتجوا العيطة وغيرها من التعاونيات التي ظهرت في المشهد المسرحي وقدمت أعمالا « نوعية» أحدثت ديناميكيه حقيقية في المسرح الجزائري.
مخاوف من إفراغ الحركة المسرحية الجزائرية من مضامينها
حيث أوضح محدثنا أن التعاونية الثقافية هي الإطار القانوني الذي يستوعب اليوم ما كان يسمى بـ»مسرح الهواة» باعتباره شبه محترف، كما أنها تمتلك حق تسويق العروض والاستفادة من مداخيل مالية، تمكنها من ضمان تواجدها كشركة مدنية في المشهد الثقافي، مما يطرح حسبه التفاؤل والمخاوف معا؛ تفاؤل متعلق بالكم والكيف ومخاوف من استفحال المسرح التجاري وإفراغ الحركة المسرحية الجزائرية من مضامينها الملتصقة بالواقع والحقائق الوطنية والإنسانية.
ومن ناحية أخرى اعتبر أنّ التعاونية الثقافية اليوم غير محظوظة بالقدر الكافي بخصوص الدعم اللازم بصفة مثالية، سواء من طرف المسارح الجهوية أو فضاءات أخرى من شأنها تقديم مساعدات جادة لهذه التعاونيات قصد تفعيلها أكثر، لأنّ المؤسسة الثقافية الرسمية بذاتها تعاني ـ حسبه ـ دائما أزمات مالية، لذلك تقتصر على تبني بعض من أعمالها، ومثلها المسارح الجهوية التي تتبنى إنتاج التعاونية تحت اسم مشترك.
ثم استرسل بالكلام عن مكانة التعاونية الثقافية، رغم المشاكل والصعوبات التي تواجهها، مشيدا بدورها البارز وأهميتها البالغة بالمشهد الثقافي الوطني اليوم، بالنظر لتواجدها في عمق معظم النشاطات الثقافية من خلال مشاركاتها الفعّالة بالمهرجانات الرسمية، في إشارة منه إلى مهرجان المسرح المحترف ومهرجان المسرح الهاوي، وأكثر من ذلك، فإن بعضها يتنقل في جهات عديدة من أجل تقديم منتوجه بالتنسيق مع مؤسسات ثقافية رسمية.
ولفت مصدرنا ذاته إلى مساهمات جد محترمة أثرت الساحة المسرحية، نتيجة تواجد عدد هائل من التعاونيات، كون أن القانون يسمح لها بتسويق العروض، ومن تمّ فهي تتمتع بعائدات وغلاف مالي يسمح لها بتطوير إنتاجاتها الإبداعية بجميع عناصرها، انطلاقا من شراء النصوص وتسديد حقوق المخرجين والممثلين، متوقعا «أن يصبّ هذا الخيار في صالح التعاونيات المسرحية التي ستتغذى من رصيد المسرح الهاوي».
وفي ختام تصريحه ندّد بثقافة الترقيع المبنية على التوقعات ومعطيات السنوات الماضية في غياب استراتيجية ثقافية واضحة المعالم، قائلا «لن نتقدم أبدا وسنبقى في مكاننا، إلا إذا رفضنا سياسة «البريكولاج» الخادعة من ناحية المبدأ بغض النظر عن نتائجها، لأن كل ما هو حاصل في واقعنا الثقافي في الحقيقة «بريكولاج»، تتحمل الدولة مسؤوليته، كونه لا يستند إلى أهداف ومرام محدّدة «.
إمكانية الانحراف عن خط المسرح الهاوي لأنه ظلّ ملتصقا بالواقع الاجتماعي
وعليه، طرح بوشنافة شريف العديد من المخاوف المتعلقة أساسا بإمكانية الانحراف عن خط المسرح الهاوي، الذي ظل ملتصقا بالواقع الاجتماعي والحقائق الوطنية التصاقا وثيقا باتجاه المسرح الفلكلوري التجاري البعيد كل البعد عن المسرح الجاد والراقي الملتزم بالواقع الذي تحياه أمتنا التزاما موضوعيا.