بتسجيله إقبالا متزايدا مع كلّ دورة

”ســــيـــــــلا” يؤكّد الدينامية القرائية التي تعرفها الجزائر

أسامة.إ

 

«هل توجد أزمة مقروئية في الجزائر؟”..سؤال كثيرا ما يتردّد في المشهد الثقافي الوطني، ويعود أكثر إلى الواجهة في المناسبات الهامّة، وعلى رأسها صالون الجزائر الدولي للكتاب..وعلى الإقبال الكبير الذي يعرفه هذا الأخير، بَنَت وزارة الثقافة إجابتها عن السؤال، فالصّالون “مؤشّر صحّي على الدينامية القرائية التي تعرفها الجزائر، وهو ما يضرب عرض الحائط الأطروحات التي تنفي عن الجمهور الجزائري علاقته الوطيدة بالكتاب وشغفه بالقراءة.”


المقروئية، أو القرائية، أو الانقرائية (Lisibilité) مصطلح يعني في الأصل قابلية النصّ للقراءة وملاءمته قدرات القارئ، ولكن اصطُلح على استعماله عندنا ليدلّ على فعل القراءة وانتشارها.
وقد شهدت الساحة الثقافية، في عديد المناسبات، نقاشات حول حقيقة وجود أزمة “مقروئية” من عدمه، في محاولات لفهم المشاكل التي قد يعرفها سوق الكتاب، باعتبار القارئ المستهلك الرئيس للكتاب، وتزايد أو تراجع إقباله على الكتب يؤثّر بشكل مباشر على سلسلة النشر بشكل عام، هذا من زاوية اقتصادية، ناهيك عن الأهمية المعرفية والعلمية/التعليمية والثقافية للموضوع. من أجل ذلك، يعود هذا السؤال في كلّ مرة: “هل توجد أزمة مقروئية في الجزائر؟”
شغف القراءة..ومعطيات الواقع
إنّ النجاح الكبير الذي يعرفه الصالون “مؤشّر صحّي على الدينامية القرائية التي تعرفها الجزائر، وهو ما يضرب عرض الحائط الأطروحات التي تنفي عن الجمهور الجزائري علاقته الوطيدة بالكتاب وشغفه بالقراءة”.
لقد كان إقبال الجمهور كبيرا جدّا، وسجلت هذه الطبعة رقما قياسيا جديدا قبل يوم واحد من اختتامها، بتسجيل أكثر من 4 ملايين زائر، ما يجعل “سيلا” في طليعة صالونات الكتاب الكبرى.
من جهتها، أكّدت محافظة الصالون، في بيان لها، أنّ التظاهرة سجّلت 4.3 مليون زائر، وكان يوم الذروة هو اليوم ما قبل الأخير في الصالون، أيّ الجمعة 15 نوفمبر، حيث تمّ تسجيل 863 ألف زائر.
ولم تأتِ هذه الأرقام من عدم..حيث أكّد مسؤولون أنّ صالون الجزائر الدولي للكتاب أصبح موعدا ثقافيا في غاية الأهمية على المستوى الوطني والدولي، ويحظى برعاية سامية من رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبّون، الذي ما فتئ يحرص على الارتقاء بالإبداع ومرافقة الأجيال الجديدة من الشباب والناشئة. و«لقد انتظم الصالون ونحن نحتفل بالذكرى السبعين لاندلاع ثورة التحرير المظفّرة، فكانت ظلال هذا المجد حاضرة في أروقة الصالون ليس تجديدا لعهد الذاكرة فحسب، وإنّما انتصار للمستقبل وللحياة، ومن وحي هذه العبرة الخالدة رفعنا الشعار “نقرأ لننتصر”.
ودأب قطاع الثقافة والفنون على تشجيع ومرافقة المبدعين عامة والشباب منهم، فإلى جانب مختلف آليات المرافقة والمسابقات والجوائز، استحدِثت جائزة “كتابي الأوّل” الموجّهة للشباب والناشئة، وهي خطوة حضارية للارتقاء بالفعل الإبداعي والقرائي على السواء، كما أنّ الاحتفاء بالكتاب راسخ ومستمرّ على مدار السنة، “إيمانا منّا بأنّ القراءة فعل حضاري لا ينقطع”.
الكتاب في الصدارة
وذكّرت الجهة المنظّمة بـ«الأهمية القصوى” التي تولى لصالون الجزائر الدولي للكتاب، باعتباره فعّالية ثقافية أدبية مهمّة في المشهد الثقافي الوطني، وفق توجيهات رئيس الجمهورية. وأنّ مكانة صالون الجزائر الدولي للكتاب “تتبوّأ الصدارة كونه محفلا معرفيا فارقا في الحياة الثقافية، لأنّه استطاع، وعبر العشرات من الطبعات، أن يكون فضاء اجتماعيا للارتقاء بالإبداع وللاحتفاء بالمعرفة وبالأقلام الجديدة، ناهيك عن الأسماء الوازنة في الجزائر، ومن كلّ ربوع العالم، يجتمعون في رحاب الكتاب، حيث تؤسّس دوما لميلاد جسور جديدة للتثاقف والحوار، تعميقا للشعور الإنساني النبيل بين الشعوب والأمم، ولعلّنا نلتمس ذلك من خلال البرنامج الثقافي المسطّر ضمن فعّاليات الصالون، والذي تحرص على أن يكون مواكبا وفاعلا ثقافيا في الحياة العامة، ومتنوّعا ثريّا في محاوره وندواته وضيوفه، واحتفائيا بالأصوات الجديدة في عالم الكتابة.”
ولمّا تزامنت هذه الطبعة مع سبعينية ثورة التحرير، وجب استخلاص العبر والدروس من هذه الثورة، وفي جميع المجالات، بما في ذلك الثقافة. وفي هذا السياق، ذكّرت الجهة المنظّمة، بأنّ “الثورة التحريرية الكبرى لم تكن ساحة معركة السلاح فحسب، بل معتركا لكلّ النخبة الجزائرية المثقّفة والمبدعة التي شاركت ورافقت ملحمة الرصاص بالفنون والآداب والصحافة على أرض الوطن وفي أكبر دول العالم، ترفع علم الجزائر خفّاقا، وتروي للعالم أجمع عدالة القضية الجزائرية، وقصّة شعب كريم أراد الحياة فاستجاب القدر.” كما أنّ ثورة التحرير “طرقت أبواب الحرية ليس بالدماء الزاكيات فحسب، وإنّما بكلّ ما جادت به هذه الأرض الشامخة من عقول ومواهب إيمانا بضرورة ارتكازها على الكفاح المعرفي والإبداعي والفني، وذكرت بأنّ الأوطان لا تتحرّر دون ظهير فكري يؤازرها، ويأخذ بيدها إلى نور الحرية والكرامة، لذلك كان شعارنا (نقرأ لننتصر)، وهو انتصار يطول مجالات عدّة، لكنّه في النهاية انتصار للمستقبل وللحياة.”
مقاربات متنوّعة
في هذه الطبعة السابعة والعشرين، لم يتم قياس الإقبال بالحضور “الجسدي” للجمهور فحسب، بل سُلّط الضّوء أيضا على الإقبال “الافتراضي”، ومدى حضور الصالون على الشابكة.
ووفقا لمنظّمي التظاهرة، فإنّه بالإضافة إلى التغطية الإعلامية التي حظي بها الصالون ومختلف أنشطته من قبل وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية، فقد رافقه موقع رسمي ونشرية خاصّة سهرت على تغطية مختلف أنشطته وفعّالياته، خاصّة عبر الوسائط الجديدة، “والتي سجّلت هي الأخرى 535 منشورا منذ بداية الصالون، حقّقت إجمالي مشاهدات قدّر بـ2.1 مليون مشاهدة على فايسبوك فقط، واحتلّت صفحة الصالون من خلال هذا التفاعل المرتبة الرابعة عالميا بعد معرض القاهرة والشارقة وفرانكفورت.”
ووفقا لنفس المصدر، فقد استحدثت محافظة الصالون في هذه الطبعة برامج رقمية مثل البودكاست “كتاب مفتوح” قصد توثيق الفعّاليات وتعزيز الحضور الرقمي للحدث الثقافي الأكبر في الجزائر، ما يجعله منصّة تواصل بالمحيط العالمي، إضافة إلى تسجيل تفاعل كبير على منصّات التواصل الاجتماعي، من خلال ضمان التغطية الشاملة للنشاطات المبرمجة عبر تقنية البثّ المباشر وإعادة البثّ.
نقطة أخرى وجب ذكرها، وهي تسجيل هذه الأرقام رغم تغيير موعد الصالون، فقد لاحظ المشرفون على التظاهرة (دائما وفق نفس المصدر) أنّ الطبعة السابعة والعشرين من “سيلا” حقّقت إقبالا كبيرا للجمهور من شرائح متنوّعة ومن مختلف مناطق الوطن “رغم تغيير موعد انعقاد الصالون الذي لم يتزامن هذه السنة مع عطلة الخريف، مثلما جرت عليه العادة في السنوات الأخيرة”، حيث كان الجمهور في الموعد، وسجّلت أجنحة مختلف دور النشر أعدادا قياسية خاصّة يومي نهاية الأسبوع. وبذلك يكون الصالون قد حافظ على جمهوره، وأكثر، بعد تخوّف من تراجع الإقبال بسبب تغيّر تاريخ التنظيم، وبقي الجمهور وفيّا لتقاليده مع صالون الجزائر. كما كشفت هذه الطبعة عن اتّجاهات جديدة لدى القراء الشباب، وأفرزت ظواهر عدّة تستدعي اهتمام الباحثين والنقّاد على غرار استقطاب المؤثّرين الذين قدم بعضهم مؤلّفات حقّقت أرقاما قياسية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19654

العدد 19654

الأحد 22 ديسمبر 2024
العدد 19653

العدد 19653

السبت 21 ديسمبر 2024
العدد 19652

العدد 19652

الخميس 19 ديسمبر 2024
العدد 19651

العدد 19651

الأربعاء 18 ديسمبر 2024