يرى الكاتب والناشر رفيق طيبي أنّه لا بدّ من النظر مجدّدا في المناهج التربوية التي لا تصنع قارئا اليوم، كما أكّد في تصريحه لـ«الشعب” على ضرورة وضع أطر قانونية ورمزية تشجّع البحث الجادّ والكتابة الرصينة، لمواجهة ما يشبه الفراغ في جانب التأليف العلمي في الجزائر.
أشار رفيق طيبي صاحب دار “خيال للنشر والترجمة”، أنّه انطلاقا من موقعه المهني والثقافي يمكن تقديم لمحة عن واقع القراءة في الجزائر. قائلا: “ما يمكنني الجزم به هو أنّ الجزائري يقرأ ويملك علاقة تكاد تكون علاقة تقديس مع الكتاب، الذي يراه النّاس بعين دينية تربط الكتاب واللّغة العربية خاصّة بالقدسية الدينية، وبعين أخرى تراه منقذا وكنزا فقد مفتاحه في واقع مقلق غالبا بالنسبة لملايين، تفطّنوا إلى كون عمق مشكلتنا حضاري سواء في الجزائر أو دول العالم الثالث ككلّ، والتي تركض في دائرة شبه مغلقة منذ عقود طويلة طوّرت خلالها جوانب تقنية وتكنولوجية لكنّها لم تشتغل على الإنسان باعتباره الركيزة الأولى لما يسمّى بجودة الحياة”.
وأضاف: “هذه الأخيرة سيصنعها الإنسان القارئ، المثقّف المعانق للكتاب على اختلاف أشكاله، والذي يؤسّس لرؤيته إلى العالم من منظور ثقافي موضوعي وعلمي وجمالي لديه استنادات وتراكمات حقّقتها الأنتلجنسيا عبر تاريخها، والتي كلّما تمّ الاجتهاد لاستبعادها من القرار ومن المشهد العام، كلّما غرقت حياتنا في السفاسف والعابر والعادي والأقلّ من العادي وغاب كلّ ما من شأنه أن يصنع سعادة دائمة وحياة تعجّ بالأسئلة الثقافية الكبرى.”
وأوضح المتحدّث، أنّ الجزائري دون تعميم، يعيش قرائيا تحت ضغط مركزيات أجنبية، وقال “يقرأ كثير من الناس انطلاقا من تأثير الميديا التي لم يعرف في تاريخها أنّها سوّقت للجيّد إلا ما ندر، أو يقرأ المثقّفون وهم قلّة أيضا تحت تأثير الجوائز وسلطتها الجائرة، ففي النهاية الأعمال التي تفوز بجوائز قد فازت لمعايير مرتبطة بهيئات أو أشخاص ولا يعني ذلك أنّ حكم القوّة والرّجاحة نهائي”.
لكنّ للجوائز اليوم سلطانها، يضيف طيبي “والأخطر منها هو دخول مواقع التواصل الاجتماعي على الخط، فصرنا نشهد مبيعات مهمّة لأعمال سطحية وفارغة، انطلاقا من كون أصحابها لهم حضور على الوسائط”، ليطرح بعد ذلك سؤالا جوهريا: ماذا نفعل من أجل مقروئية صحّية وسليمة؟ ويقول: “لا توجد أجوبة جاهزة بالضرورة لكن لا بدّ من إعطاء إشارات سريعة، مبدئيا ومن وجهة نظري لا بدّ من النظر مجدّدا في المناهج التربوية التي لا تصنع قارئا اليوم، وثانيا لا بدّ من وضع أطر قانونية ورمزية تشجّع البحث الجادّ والكتابة الرصينة لمواجهة ما يشبه الفراغ في جانب التأليف العلمي في الجزائر”، وتابع “كمثال وعند إجراء مقارنة بين عدد الجامعات وأساتذتها والمنتسبين ككل إلى النخب العلمية بعدد الإصدارات العلمية، سنجد فجوة كبيرة، في سياق يعيش البحث العلمي أو التأليف ككلّ ازدهارا في ظلّ عولمة سهّلت الترجمة وأتاحت البحوث والكتب وكلّ ما يخدم أيّ باحث في مهامه، لكن هذا لم يجعل المبادرة نحو التأليف مواكبة لحاجيات الطلبة والقراء”.
كما يشير طيبي إلى أنّ وفرة المؤلّفات وجودتها سيسهم في النهاية في ارتفاع نسبة المقروئية وصناعة نجوم حقيقيين في ميادينهم، وهذا سيحول بلا شكّ وسيمنع من الوقوع في مطبّات انتشار الكتب السطحية وميل الشباب إليها بشكل محيّر وبقاء الذائقة الجزائرية رهينة غالبا للمستورد.”
وختم “الجزائري يقرأ، لكنّ نسبة كبيرة من هؤلاء القرّاء بحاجة إلى تأطير وتوجيه معرفي وإبداعي، يُكوّن لديهم ذائقة سليمة ويبعدهم عن السطحي والسهل.”