بمناسبة إحياء اليوم الوطني للفنان في 8 جوان من كل سنة، تبقى مجموعة من الأسئلة تطرح نفسها بإلحاح وتتكرّر مع قدوم هذه الذكرى،هل حقق الفنان الجزائري كل المطالب التي كان يطمح إليها وطالب بها منذ زمن بعيد، وهل ما قدم له حتى الآن من مكاسب كفيل بحمايته اجتماعيا ودافع على المزيد من العطاء؟
هذه الإشكالية، أعدنا طرحها في هذه المناسبة من جديد على بعض الفنانين التشكيليين باعتبارها فئة مهمة في المجتمع من خلال ما قدمته في مجال الفن التشكيلي من أعمال مميزة أبرزت جانبا من العطاء الفني الجزائري ونشره خارج حدود الوطن، فكان الاعتذار والتحفظ عن الإجابة لأسباب أو لأخرى؟ وهو ما يبقي مرة أخرى علامات الاستفهام معلقة إلى إشعار أخر؟
الفضول المهني جمعنا بالفنانة التشكيلية « شفيقة بن دالي حسين» على هامش السهرة التي نظمها متحف سيرتا نهاية الأسبوع المنصرم، بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للطفولة أعدنا طرح نفس السؤال لكن هذه المرة كانت الإجابة.
في بداية حديثها، قالت بأن قضية الفنان بصفة عامة والتشكيلي على وجه الخصوص هي قضية مجتمع بالدرجة الأولى ويجب أن تحظى بالعناية الكافية حتى يمكن علاج الموضوع من جذوره.. وأضافت، «بن دالي حسين» بأن الفنان وهو في أوجّ عطائه لا يمثل في حد ذاته عائقا بالأساس، غير أن تقدم هذا الأخير في العمر هو المشكلة التي تحتاج إلى علاج، لأن الفنان في هذه المرحلة من حياته يفقد الثقة ويتراجع عن العطاء إذا لم يجد ما يعينه على مشاكل الحياة؟.
وأعطت محدثتنا أمثلة حية عن مثل هذه الحالات المؤسفة في مجتمعنا وهي تمثل مرارة يعيشها الفنان و يتحمل تبعاتها بمفرده، فالعمل أو الوظيفة القارة والثابتة وما يتبعها من حقوق كالراتب والتغطية الاجتماعية والحق في تقاعد محترم هو ما يضمن العيش الكريم للفنان الذي لا يتوقف عن العطاء في المجال الفني ولا يحول دونه حائل.
وتضيف بأن انتماء الفنان إلى مؤسسة خلال حياته المهنية هو ضمان الاستمرار في الحياة بكل أريحية، وفي نفس الوقت هو دعم في مسعاه في ممارسة فنه بكل روح ثقة بل والأكثر من ذلك هو دافع للإبداع، فالفنان العامل أو الموظف يلعب دوره على أحسن وجه وهو يمارس نشاطه اليومي بل يكون له الدور الكامل في المجتمع الذي ينتمي إليه فيبقى على اتصال دائم مع محيطه وهذا من خلال العلاقات التي يربطها مع الغير مما يجعله متقد الضمير ولا يجهل ما يدور حوله من إحداث؟ واعتبرت هذه الفنانة أن عدم انتماء الفنان الى مؤسسة او وظيفة ما هو من الأسباب الرئيسية التي تؤدي بالفنان إلى الانطواء على نفسه في أغلب الأحيان فيفقد الثقة في المحيط يتوقف عن الإبداع معللة في ذات السياق، مكامن هذا المشكل الذي يميز الفنان عن باقي أفراد المجتمع كونه يتمتع برهافة الحس وإيمانه بالقدر فالفنان ـ كما أضافت ـ لم يمتهن هذه المهنة إلا عن حبّ وصدق الهام باعتبارها منحة ربانية، لا دخل لإرادة البشر فيها ، مشيرة في الأخير أن العمل يبقى وحده الضامن للفنان في الاستمرار في العطاء وتقديم الأفضل في المجال الفني بعيدا عن الحاجة والفاقة التي قد تعترض سبيله لو لم يحتاط المجتمع لتحسين وضعه وقطع السبيل أمام كل الأسباب التي تقف أمام عطاءه وإبداعه.