رغم أن المسرح الروماني حسب مسؤولي القطاع الثقافي بسكيكدة، استنفاد من عدة اغلفة بغرض انهاء عملية الترميم، وزار الموقع فيما سبق خبراء من المركز الوطني للبحث الأثري بمعية باحثين لمعاينة المكان الذي يعد من بين أقدم المسارح الرومانية على المستوى الوطني، كما أن مديرية الثقافة أبرمت مؤخرا اتفاقية مع الديوان الوطني لتسيير الممتلكات الثقافية المحمية، قصد تقديم المساعدة التقنية لصاحب المشروع الذي أسندت إليه مهمة الانتهاء من الترميم وفق المعايير العلمية.
ما يلفت الانتباه هذا المعلم الأثري الثقافي يعاني في صمت، وتأخر عملية الترميم التي انطلقت عام 2006، وهذه العملية السابقة التي خضع لها هذا المسرح أعيد النظر فيها بشكل كلي تقريبا، خاصة أن المسرح الروماني لمدينة سكيكدة يكاد يكون الوحيد من بين المسارح الرومانية الذي يتواجد داخل نسيج عمراني قديم وحساس، مما يتطّلب توفير إمكانات مالية ضخمة ووسائل متطورة، إضافة إلى خبراء ومختصين، بما في ذلك المقاولة المكلفة بأشغال الترميم، إضافة إلى صعوبة ترميم هذا المسرح تكمن أساسا في التشوهات التي تعرض لها من قبل الاستعمار الفرنسي الذي بنى على أنقاضه المدينة، في إطار الاحتفال بـ 100 عام لاحتلاله للمدينة، والأخطر من ذلك حسب المختصين، قام الاستعمار الفرنسي بتغيير شكل المسرح وتحويله من روماني إلى إغريقي، إذ يتجلى ذلك حسب الدراسات التي قام بها خبراء مختصون في علم الآثار، في شكل الخشبة، فعند الإغريق تكون خشبة مسارحهم مرتفعة، بينما عند الرومان تنجز منخفضة.
وبالرغم من كل تلك الهالة التي صاحبت عملية الترميم، الا انها وصفت بالكارثية بعدما زارها خبيران مختصان من وزارة الثقافة، خلال سنة 2009، وأرجعا سبب ذلك إلى الدراسة التي لم تكن آنذاك مطابقة للمقاييس المعمول بها في الترميمات الأثرية، مستدلين بطريق تغطية كل أدراج المسرح بالحصى.
وسبق أن استفاد المسرح الروماني للمدينة سنة 2016، حسبما أكده مدير الثقافة للولاية عمر مانع قبل تحويله لمنصب مماثل بولاية اخرى، من عملية اخرى تتمثل في الأشغال الاستعجالية، بناء على توصيات مختصين من خبراء في علم الآثار من الوزارة الوصية، كانوا قد عاينوا الوضعية السابقة التي آل إليها المسرح الروماني، خاصة بعد توقّف أشغال إعادة الترميم التي انطلقت تقريبا سنة 2006، ورصد للعملية غلاف مالي قدر آنذاك بأكثر من 04 ملايير سنتيم، والمبلغ يخصّ أيضا أشغال تهيئة الحديقة الأثرية المجاورة له، زيادة على تخصيص مبلغ إضافي قدر بأكثر من ملياري سنتيم لإعادة التهيئة، من خلال إنجاز المرافق الملحقة كالأجهزة الصوتية والإنارة الخاصة بالمسارح، لكن ومع اكتشاف المدرج الروماني الأصلي وما نجم عن ذلك من توقف للأشغال، تدخّل المختصون والخبراء من جديد قصد إعادة وضع رؤية جديدة لأشغال الترميم، تأخذ بعين الاعتبار المعطيات الجديدة التي تمخضت عن عملية اكتشاف المدرج، مما أدى إلى إخضاع الموقع لدراسة استعجالية أخرى جديدة تعد الثالثة، رصد لها غلاف مالي قدر بحوالي 03 ملايين دينار، بهدف القيام بأشغال من شأنها إعادة الوجه الحقيقي للمسرح الروماني، كما كان في سابق عهده.
ويبقى إعادة بعث أشغال التهيئة الاستعجالية حتى يتسنى للمسرح أداء وظيفته، مطلب محبي المسرح من جمهور متعطش للأعمال في الهواء الطلق، كما كان الحال خلال التسعينات، أين كان المسرح الروماني يحتضن الأعمال الفنية الراقية، وكان محط اعمال العديد من الجمعيات الفنية والثقافية، حيث تربع بمعية المسرح الجهوي «البلدي في ذلك الوقت» المشهد الثقافي بمدينة روسيكادا، خصوصا اثناء الموسم الصيفي أو خلال الشهر الكريم، شهر الصيام.
ولهذا الأمر تطالب الفعاليات الثقافية بالمدينة من السلطات المركزية، التدخل العاجل من أجل إعادة بعث أشغال التهيئة الاستعجالية حتى يتسنى للمسرح أداء وظيفته، على غرار المسارح الرومانية المتواجدة بعدد من ولايات الوطن، مع فتح الحديقة الأثرية للجمهور، بعد تدعيمها بالجدار الذي سقط مؤخرا من الناحية الغربية بفعل انجراف التربة، جراء الاضطرابات الجوية التي تميّزت بسقوط كثيف للأمطار، مما أدى إلى إتلاف أجزاء من بعض القطع الأثرية.
المسرح الروماني بسكيكدة يتواجد بقلب المدينة، مستوحى من المسرح اليوناني، حيث يتشكّل من حجارة كبيرة محفورة في منحدر جبل يعتبر الأكبر والأوسع من بين كل المسارح التي شيدها الرومان في شمال إفريقيا، حيث أنجز على مساحة تقدر بـ4900 متر مربع، ويستقبل حوالي 6000 متفرج، ويعود عهد بنائه إلى فترة الإمبراطور «أدريان» في القرن الثاني بعد الميلاد، وحسب الروايات التاريخية، فقد تمّ تشييده بفضل تبرعات الأديب «أمليان بلتور»، قبل أن يعمد الاستعمار الفرنسي إلى تدمير أجزاء منها، لاسيما منصة «براكسينيوم» التي بنى فوقها ثانوية النهضة للبنات.