الحديث عن تجربة الكتابة حديث تحفّه الكثير من العثرات خصوصا في بلد كالجزائر، فعل الإبداع، طرائق الطّبع والنّشر، الملتقيات وقيمة فاعليتها، مسألة القراءة، الكتابة كفعل تغيير، جدل الثّقافة في خلق الوعي وبناء المجتمع من خلال هذه الوقفات، أجدني في فوضى موقف يحتّم عليّ العودة إلى البدء ربّّـما كي أرتّب نفسي والقارئ في وضع النّقاط على الحروف.
لا تسعفني الذّاكرة في العثور على رأس الخيط للبداية، لأجل ذلك فأنا أميل إلى أيسر الرؤى التي لا يخالطها ضباب البعد السّحيق في طفولة نسيت فيها، وعنها كلّ شيء إلاّ ما بقي من الأحلام المؤجلة والتي طاردتها بوحي الكتابة يوم استقام وجه الحرف، وتدلّىّ ثمره على شرفات واقع بدأ بي وبدأت فيه، هكذا كانت الأحلام تتجسّد في حرف عشقته بعد طول تجريد في أخيلة لم تنته إلاّ إلى حدود أوراقي..بدأ الشّعر وردة تفتّحت أكمامها في صباح القراءة، تركت الشّوك على حواف عتمة بائدة لأبدأ ترتيل ما أعرف، لا أذكر من سنوات البداية الشيء الكثير لكنّي أميل الآن إلى حاضري بكل ثقل الوعي المتعب، بقلقه وسؤالاته وأحلامه وآماله.
الإبداع في الجزائر يحتاج إلى الكثير من الصّفحات والجرأة والقوة واللاّخوف والضّمير الحيّ لتشخيص أمراضه، ومن ثمّ وضع طرق العلاج المناسبة له، مسألة الطّبع والنّشر التي تحتاج هي أيضا إلى أكثر من غربال، وأكثر من مؤسسة، وأكثر من يد مصلحة حتى يرتفع أدبنا إلى مستوى التّجويد والقيمة والوعي.
الملتقيات الأدبية أيضا يجب أن يراعى فيها ملمح الضّمير، بحيث تتاح الفرصة من خلالها للأسماء المبدعة الحقيقية لتتلاقى وتتواصل وتتلاقح فيما بينها من أجل تطوير المتن الإبداعي الجزائري، كما لا يجب أن نغفل العنصر الأهم والمهم وهو مسألة القراءة والجمهور، لمن نكتب؟ وماذا نكتب؟ وما هي ضرورة الكتابة المسهمة في بناء أفق الوعي للمضي قُدُما نحو العمل الجاد والإبداع والصّناعة والاكتفاء والتّطور، ووضع دولتنا على محكّ الدول المتطورة والمصنّعة الكبيرة.
السّؤال هو ماذا ينقصنا؟ والجواب بإمكان الثّقافة والتّي جوهرها الكتابة أن تجيبنا عن هذا السّؤال الكبير. هذه الأسئلة العارضة في الكتابة، قد تبدو بعيدة عن فكرة علاقة الكتابة بالإبداع لكن للحقيقة فهي تحمل صميم تلك العلاقة وتُظْهِرُها بما يجب أن تظهر به، وهي أنّ الكتابة المبدعة هي التّي تربّي وتغيّر وتطوّر وترفع وتحارب وتمجّد وتفكّك وتبني. الكتابة حالة حضور عظيم في كل ألوان حضورها شعرا، رواية وقصة، وفي العصر الجاهلي كانت القبيلة تستند على قوة وصوت شاعرها الفحل، وفي مجتمعاتنا الحديثة تستند الدّول على صوت المثقف والشّاعر والكاتب. قدّمت للمكتبة العربية شكله وردتان عن دار ضفاف الشّارقة بغداد عام 2013، كما قدّمت مجموعة أشتهي وطنا عن دار المثقف الجزائر عام 2017 أحبّ الشّعر صوت الرّوح الذي يعانق كل معاني الحياة.