إنّ الإنسان كائن جماليٌّ بقدر ما هو كائن إجتماعي يعيش و يتعايش مع غيره، له حاجاته الأساسية الّتي تغذي جوانبا قد يراها البعض ثانوية، لكنّها مهمّة بقدر ما تمنحه لنا من إتزان روحي و عاطفي لكلّ واحد منا ميولاته و رغباته الّتي من خلالها يعبّر عن أفكاره و هواجسه و من هنا جاء الإختلاف و المرأة بإعتبارها جزءا من المجتمع تحتاج إلى ممارسة مساهمتها و رسالتها الّتي من أجلها خلقت، أنا إمرأة لطالما آمَنَت بأنّ الكتابة هي رسالة إنسانية سامية تستطيع من خلالها التّعبير عن ذاتها و عن ما تحسّه و ما يحسه الآخرون أيضا.
الكتابة لديّ هي بمثابة العصا الّتي أهش بها على وجعي وجعي هو وجعك هو وجع الإنسان
من خلال الكتابة أستطيع النّفاذ إلى ذاتي عن طريق البحث و التّّساؤل الدّائم عن كلّ ما يحيط بي من أحياء و جمادات و بذلك أصبحت أرى الحياة بشكل أعمق لطالما اعتبرت أنّ الكتابة هي الصّوت العميق للرّوح، والتّرجمة الصّادقة للمشاعر،
كانت البداية منذ نعومة أظافري حيث بدأت ملامسة الورق عبر خربشات و لعلها كانت الشّاهد على بداية الحلم هذا الحلم الكبير الّذي لازمني منذ الصّغر، كنت في كلّ مرّة أكتب و أمزق الأوراق ربّما لأنني كنت أحسّ دائما أنّ تلك الخربشات لم ترق إلى كتابات بعد، هذا الإصرار و التّشبث بالحلم جعلني أواصل الكتابة رغم كلّ الظّروف، كانت البداية عبر نصوص جمعتها في كتاب يضم تجربتي الشّعرية الأولى «سطور خطّتها الذّاكرة» سنة 2014 وصولا إلى «تباريح الصّمت» الصّادر في مطلع 2017 حيث كان للصّمت أبجديات خاصّة عبر المواضيع الّتي طرقت أبوابها وذلك من خلال مناجاة الذّات الإنسانية في أدّق وأوسع تجلياتها، و الرّغبة في التّحرر والتّوق للانعتاق من كلّ الفضاءات المنغلقة الّتي تغوص فيها الذّات الإنسانية الممزقة في زمن طغت عليه الماديات
وبما أنّني أحسّ بأنّ الكتابة الأدبية لا حدود لها، أطمع دائما في أن أطرق عوالم شتّى تمنح لي متسعا للتّعبير عن هموم الإنسان و إرهاصاته الدّاخلية وما يعانيه من حروب و شتات و فقر و مشاكل إجتماعية .. فوجدت في القصّة القصيرة جدا فضاء رحبا للتّعبير عن هذه القضايا اللصيقة بالانسان و المجتمع حاولت عبر نصوصي أن أقدّم رؤيتي الخاصّة للحياة و الإنسان و الوطن، إذ يحق للكاتب أن يكون له موقف من الحياة أيضا، مؤخرا طرقت أبواب التّجربة الرّوائية لأنني دائمة البحث و التّساؤل لإكتشاف عوالم أرحب يمكنني من خلالها إستنشاق الجمال شهيقا و زفيرا، أنا الآن أكتبُ فيها بشغف أحسّ بأنّني أتعرّف على شخصيات جديدة و أتحدّث عن حياتها الدّاخلية وأغوص في الحوار الدّائر بين تلك الشّخصيات، أعالج من خلالها قضايا جديدة و متنوّعة نعيشها في الوقت الرّاهن، قطعت فيها أشواطا لا بأس بها سترى النّور في الوقت المناسب إن شاء الله، أحسّ أنّ مع كلّ نص أكتبه تولد ...قصّة حياة قصّة أمل و وجع و الأجمل من هذا كلّه أنّ النّص الأدبي محظوظ جدا لأنّه يعيش أكثر من حياة فحياته تتجدّد مع كلّ قراءة وقد يؤثر في حياة الكثيرين أيضا، هذا ما أسمعه من القرّاء فأستغرب و أفرح في الوقت نفسه لأنّ حروفي قد وصلت و أدّت الدّور المنوط بها أرى بأنّ على المرأة الكاتبة أو المثقفة أن تكون فاعلة في مجتمعها و أن تقدّم الإضافة متّى سنحت لها الفرصة و لإيماني بفكرة العطاء اللامحدود قدّمت من وقتي و جهدي لخدمة الإبداع لأنّني متأكدة أن للأدب والفنّ دور عظيم في التربية الفكريّة و تنمية الحسّ الجماليّ لدى النّاشئة و مدّها بالشّحنة العاطفية الّتي تهدف إلى الإستثمار في العنصر البشري و تكوين الإنسان الجديد المتطوّر تطوّرًا شاملاً من خلال نشاطاتي الجمعوية.
على المرأة أيضا أن تؤمن بأفكارها و تسطّر لنفسها أهدافا واضحة الملامح حتّى تستطيع أن تتغلّب على سلطة المجتمع الّذي يمارس معها رعونته و رفضه لها، و تحت تأثير كلّ هذه الظروف الّتي لا تخلوا من مخاضات عسيرة، تجد المرأة نفسها أمام تحديات كبيرة عليها أن تصمد أمامها و تتفوق عليها أو تصاب بالإحباط و تخضع لها و بالتالي تجهض أحلامها قبل أن تولد.
الجزائر خزان لا ينضب من المواهب في كل المجالات
أرى بأنّ المرأة الجزائرية قد استطاعت اليوم أن تنفض غبار الصّوت لتوصل جلجلة صوتها إلى الجزائر و إلى كلّ العالم أيضا من خلال مواهبها الأدبية المتميّزة، وبحكم احتكاكي المباشر وتتبعي للحراك القائم في الوسط الأدبي أرى بأنّ الجزائر تعدّ خزانا لا ينضب من المواهب في كل المجالات ، لدينا أقلام أدبية نسوية مشرّفة جدا سواء في الشّعر أو في القصّة أو في الرّواية وبذلك استطاعت المرأة أن تفرض نفسها على السّاحة الأدبية الجزائرية والعربية أيضا، فنجدها في مختلف المحافل والفعاليات الثّقافية قوية بشخصيتها ومؤثرة بأفكارها.
هكذا هي المرأة الجزائرية الّتي خطّت اسمها بحروف من ذهب على أنصع الصّفحات و التّاريخ سيظل شاهدا على ما قطعته من أدوارٍ نضاليةٍ مُشرِّفة أينما وجدت.