اقتحمت رسوماته عن جدارة واستحقاق كبريات الأوساط الفنية بالجزائر وخارجها، لذلك يسعى دائما لإنتاج أعمال فنية متكاملة بطريقة عصرية، تحمل في طياتها الموروث والهوية الجزائرية، إنه التشكيلي الجزائري كاملي إدريس إبن المدينة العريقة وهران، قاعدته في الحياة حرية الانطلاق والإبداع والتميّز، أما أسلوبه العالم الذي تجلى في مختلف لوحاته، يظهر جليا تأثّره بالحركة التعبيرية التجريدية بأبعادها الدلالية، وإيحاءاتها الرمزية وخصوصيتها الجمالية وقدرتها الفائقة في توصيل الرسائل والتعبير عن شخصية الفنان وبيئته الاجتماعية والثقافية والتاريخية، كما لو أن هذا كله يجري في مساحة رحبة للحرية بدون أية قيود. وانطلاقا من هذه النظرة للفن المعاصر وإمكاناته في التعامل مع المعطيات الواقعية، في عالم الإفراط العقلي العبثي، كان لنا معه هذا الحوار.
الشعب: كيف ترى دور المثقف في المجتمع وعلاقته بالسلطة السياسية؟
كاملي: المثقف هو مرآة مجتمعه يعكس طموحاته وهمومه وانشغالاته من خلال أعماله الثقافية المختلفة، ولطالما شكلت العلاقة بين المثقف والسلطة محور نقاش، وأثارت جدلا كبيرا بين المثقفين، لأنّ هذه العلاقة يكتنفها الكثير من الغموض واللبس. وبالنظر إلى الواقع – واقع العالم العربي عامة – نجد أن المثقف في علاقته مع السلطة أو السياسي (رجل السياسية) اتخذ مواقف مختلفة، فهنالك المثقف الذي ينبطح أمام قرارات السلطة وسياستها، ولا يهتم بانشغالات مجتمعه، وهذا الصنف من المثقفين لا يملك أن يقول للحاكم «لا»، ولا يجرؤ على انتقاد سياسته، فهو لا يعول عليه في مسيرة التغير التي يطمح إليها المجتمع بكل فئاته. وهو ما اصطلح عليه بالمثقف الموالي وصنف آخر اتخذ من السياسي موقفا حازما، ووقف ينتقد سياسيته بكل حكمة وصرامة، معبرا بذلك عما يطمح إليه المجتمع، وهذا الصنف هو المتفرد بآرائه كما ذكر ذلك المفكر اللبناني «علي حرب». ويذكر الدكتور رشيد قوقام أن العلاقة بين المثقف والسياسي صعبة للغاية فهي علاقة تتسم بالمد والجزر على مد تاريخ هذه الأمة والسبب يرجع إلى التداخل الموجود بين المثقف والسياسي.
هل أنت مع أو ضد الرأي الذي يتهم السياسي بتهميش المثقف وتعمّد تغييب مشاركته؟
بالنظر إلى واقع الأمة العربية، نجد أن هذا الواقع يتسم في أكثر مراحله التاريخية بالصراع بين المثقف والسلطة السياسية، وقد عرفت هذه العلاقة تصادما في المواقف، فقد أوصدت هذه السلطة كل الأبواب في وجه المثقف، وضربت بآرائه عرض الحائط، فحصل التهميش والإبعاد لهذا الطرف المهم في هذه العلاقة، وأقصد به المثقف، لكن متى يحصل ذلك ؟ عندما يتبنى المثقف آراءا تتعارض ومصالح السياسي.إن حالة التصادم التي بين المثقف والسياسي لها شاهد من التاريخ من خلال بعض النماذج، فمحنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد ماثلة أمام العيان وقد جسدت هذا الصراع والتصادم القائم بين الطرفين – المثقف والسياسي – في قضايا فلسفية وأخرى دينية. فما حدث لابن حنبل وابن رشد يجسد القطيعة التي بين المثقف والسياسي الذي غيب المثقف بالسجن تارة وبالنفي تارة أخرى ولنا في التاريخ الطويل نماذج أخرى كثيرة ( الأفغاني...وغيره). لكن لا يمكن دائما أن نتهم السياسي بأنه السبب في تهميش المثقف، بل قد يتخذ المثقف هو بنفسه هذا الموقف، فيفضل العزوف والانعزال، والاكتفاء بالفرجة، والالتجاء إلى الصمت بدل المشاركة الفعلية في تحسين أوضاع مجتمعه للسائد المألوف ويقدم لذلك تبريراته التي تبرر له هذا الموقف – السلبي – ولعل من بينها اقتناعه بأن المجتمع لم يعد يسير وفق ما تريده النخب المثقفة، ولم يعد بحاجة إليها خصوصا مع هذا التحول والتطور في التكنولوجية الرقمية، ودخول المعلومة حياة الناس بسهولة وبسرعة، فقد يجد المثقف نفسه على هامش الأحداث، بل أحيانا تتجاوزه المجتمعات بسبب وعيها، وتسارع الأحداث، والتغيرات التي طرأت على شتى الميادين السياسية منها والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
لكن أيهما أكثر احتكاكا بالقاعدة الشعبية؟
بناءا على ما سبق، فكل من الطرفين يطمح إلى إخضاع القاعدة الشعبية لصالحه، فالمثقف يعتبر نفسه الأكثر احتكاكا بها، والسياسي يعتبر نفسه الأكثر قدرة على تلبية رغباتها فكل منهما يعمل على توجيه المجتمع. ومن هذا المنطلق فإن تداخل الأدوار بين المثقف والسياسي، تدعو إلى أن تتكاتف جهودهما من أجل تحقيق الصالح العام ودفع عجلة التطور في الأمة وإنجاح عملية التغيير التي يسعى إليها كل منهما، فالسياسي بحاجة إلى المثقف وآرائه لخدمة قضايا الأمة، ومن هنا يمكن للمثقف أن يجد له مكانا في صناعة القرار السياسي فيتواصل مع السياسي، لكن بشرط أن يحافظ على استقلاليته وحرية آرائه فلا يخضع له، ولا يدافع عن سياساته بل يدعمه بالرأي الصائب والدور الإيجابي في التعبير عن انشغالات المجتمع وطموحاته، لأن المثقف كما يقول إدوارد سعيد – المفكر الفلسطيني – هو « من يمثل الفئات الشعبية والأغلبية الصامتة في مقاومة استبداد السلطة – أو السياسي – وتعسفها فهو من ينتصر للحرية وينبذ القيود والوصاية» وبهذا ينجح في أن يكون شريكا للسياسي في اتخاذ القرار، وفي الوقت نفسه في التعبير عن هموم الأمة وقضاياها المختلفة : الاجتماعية، السياسية، الاقتصادية والثقافية.
أشكر مداخلتك القيّمة وماذا تحب أن تقول في الختام
كنت ولا أزال أعتز بجريدة «الشعب» لاهتمامها البالغ والواعي بالحركة الفنية والثقافية في الجزائر، كما أعتز كثيرا بعدّة محطات مرجعية في مساري الوجودي إنها محك حقيقي بالنسبة لي داخل عالمي الخاص الذي أفرغ فيه حمولة فسيفسائية من المشاعر والأحاسيس والتصورات، ورغبتي العارمة رؤية الجزائر تتقدم وتتحرك إلى الأمام.