السياسة الثقافية الفنية تنطلق من الفضاء المدرسي
يربط الأكاديمي والمخرج المسرحي الدكتور حبيب بوخليفة بشكل مباشر بين مسرح الطفل والمنظومة التربوية المدرسية، بتعليم الطفل المواد الفنية وتشجعيه على علمية الإبداع الفني عموما والمسرحي خصوصا. ويشترط هذا النوع من المسرح الكثير من المعرفة السيكولوجية لعالم الطفل وتركيبة شخصيته، وهذه المعرفة، يقول بوخليفة، ليست متوفرة عند ممارسي مسرح الطفل عندنا، بالنظر إلى الأعمال المقدمة التي تستغبي الطفل وتستهتر بذكائه.
يعتبر الدكتور بوخليفة أن صناعة متفرج الغد بشكل جدي لا تقتصر على سياسة «المواجهات المناسباتية»، ولا تعتمد على هذا الأسلوب في ترقية العرض المسرحي للأطفال، بقدر ما ترتبط بسياسة ثقافية فنية تبدأ من الفضاء المدرسي أولا، وتستمر في كل أطوار المنظومة التربوية، بتعليم الطفل المواد الفنية وتشجعيه على علمية الإبداع الفني عموما والمسرحي خصوصا.
من جهة أخرى، يرى الأكاديمي المتخصص في الفن الرابع بأن المؤسسات الفنية المسرحية لا تهتم كثيرا بهذا الجانب من إنتاج عروض مسرحية للأطفال، التي تتطلب بحسبه «الكثير من المعرفة السيكولوجية لعالم الطفل وتركيبة شخصيته، والمقاربة تمزج بين علم النفس الطفل والإبداع الفني». ويضيف بوخليفة: «ما نراه اليوم هو عموما «تهريج فوضوي» لا تتوفر فيه المحتويات اللازمة لبناء عرض مسرح الطفل.. إنها في أحسن الأحوال تنشيط بدائي مناسباتي قد يضّر أكثر مما يفيد».
يقارن بوخليفة واقع مسرح الطفل وطنيا بما هو موجود في المجتمعات الأخرى: «في المجتمعات المتقدمة هناك مسارح خاصة للأطفال حيث تختص الكتابة والإخراج والتمثيل للطفل. للأسف فإن السياسات الثقافية المتعاقبة لم تهتم بهذا الجانب الحيوي في نشأة البراعم وتعليمها تذوق الجمال والحوار وحرية التعبير، وأرى أن الطفل عندنا مهضوم حقه في هذا المجال».
يشير بوخليفة إلى أن «الكثير من الفرق تقدم عروضا مسرحية للأطفال ولكن بشكل غير مدروس، وهي عروض لا تتوفر فيها الشروط الفنية التي تناسب الطبيعة السيكولوجية للطفل». ويرى محدّثنا بأن هذا الأمر «قد يكون خطرا على تكوين الفكرة الجادة والصحيحة للظواهر، وهذا ما لاحظناه في كثير من المرات، حيث نجد أن الحوار مثلا يحمل نوعا من الغباء والاستهتار بذكاء الطفل، أما الإخراج فهو عادة ما يتجه إلى التهريج المفعم بالأفعال غير المنطقية، وهناك ألوان وموسيقى وأشكال لا علاقة لها بالعالم السحري للطفل». يستشهد بوخليفة بما ذهب إليه العالم الفرنسي بياجي، حينما أشار إلى أن الصورة التي تقدم للطفل في المرحلة الابتدائية تغرس إلى الأبد في ذهنه، لذلك «لابد من دراسة هذا النوع من العروض حتى تكون مساهمة بفعالية في تنمية الذوق الجمالي للطفل.. إن مسؤولية إنتاج عروض فنية مسرحية مسؤولية كبيرة ولا يمكن أن تعطى للمهرجين الذين لا يعرفون شيئا عن الفن المسرحي».
مع ذلك، يحافظ بوخليفة على تفاؤله، حينما يقول إن الأمور ربما ستتغير بتغيير نوعية الكفاءات في تسيير المؤسسات الثقافية، بهدف تجسيد سياسة ثقافية للطفل ترتكز على المعرفة ودراسة عنصر المتلقي الطفل، خاصة وما «للتربية الفنية المسرحية في الحياة المدرسية من أهمية بالغة، بحكم أن التعبير الفني هو جوهر تحرير الطفل من الإعاقات المختلفة التي قد يسببها التخلف».
لاحظ بوخليفة أن هناك «إرادة من طرف وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط في إعادة النظر في جملة من البرامج التي تحمل التربية الفنية خصوصا المسرحية».