إستقبل مسرح قسنطينة الجهوي في السنوات الثلاث الأخيرة ألاف المتفرجين من الأطفال، حيث ربطت هذه المؤسسة والجمعيات الثقافية المسرحية المختلفة عبر الولاية، صلتها بهذه الشريحة من المجتمع قصد نشر ثقافة تذوق فن المسرح لديها، وخير دليل على ذلك فعاليات «أيام مسرح الطفل»، الذي احتضنه ذات المسرح خلال العطلة الشتوية الماضية حيث استقطب نحو عشرة ألاف متفرج على مدار12 يوما، قدمت فيها عروض سبع مسرحيات بمعدل عرضين يوميا، مما جعل من هذه المؤسسة القبلة المفضلة للأطفال خاصة أثناء العطل، الأمر الذي فسره أغلب المتتبعين للشأن المسرحي بأن نشر هذه الثقافة لدى البراعم سوف يؤسّس دون شك لمتفرج الغد، خاصة إذا تواصلت مثل هذه المبادرات في المستقبل ولم يعتريها الانقطاع ؟
جريدة «الشعب»، وهي تتبع عن قرب هذه الفعاليات والإنتاج المسرحي الموجه للأطفال، ولمعرفة مدى كسب رهان هذه الثقافة في صناعة «متفرج الغد»، حاولت تسليط الضوء على هذه الظاهرة الايجابية من خلال رأي المخرج والممثل المسرحي» صلاح الدين تركي».
الطفل كتلة من الأحاسيس يجب التعامل معها برفق
قال»صلاح الدين تركي»، رئيس التعاونية الثقافية «الماسيل»، وهو أحد الوجوه البارزة التي أسهمت بصفة جادة في نشر هذه الثقافة منذ عقدين من الزمن:».. إن المسرح بصفة عامة يعتمد على المتفرج أولا ، وان المسألة تصبح جد حساسة ومعقدة إذا تعلق الأمر بالطفل كمتفرج، الشيء الذي يدفع بالطاقم المسرحي من كتاب نص ومخرجين الى اعتماد قواعد صارمة لتقديم أي عمل فني لمثل هذه الفئات، فكاتب النص والمخرج مثلا يجب أن يكونا عالمين بخبايا نفسية الطفل وهذا حتى يصلا الى مستواه الذهني وفق الفئات العمرية المختلفة، فالطفل يبقى دائما كتلة من الأحاسيس يجب التعامل معها برفق، كما أن البنية الدرامية في العمل المسرحي لدى الأطفال يجب أن تكون مبنية على الواقع وأن تصل هذه القصة الى حل ملموس فالطفل لا يؤمن إلا بالملموس..»
عن الدعوة الى نشر وتعميم ثقافة مسرح الطفل، أضاف تركي:».. إن وسائل الإعلام خاصة المسموعة والمرئية وكذا طرق الإشهار المختلفة، يجب أن تساهم وبشكل فعال في تحقيق هذه المهمة النبيلة، كما أن أولياء الأطفال وهذا ما لاحظناه على ارض الواقع، ـ ولا يخفى على الجميع ـ أن لهم الفضل الأكبر في نشر هذه الثقافة حيث يشاركون أبناءهم هذا الترفيه بل يندمجون فيه وهي في الحقيقة تحمل دلالة نفسية أخرى، وهي أن الأولياء أنفسهم يحملون بذرة الطفولة في وجدانهم، كما أن العائلات الجزائرية أصبحت مثقفة بما فيه الكفاية لتحبيب المسرح في قلوب أطفالهم ليس باعتباره طريقة للتسلية بل وسيلة تثقيفية تنمي وتبني شخصية الطفل ليصبح رجل الغد بكل المقاييس ..
التعويل على قصص التراث والالتزام بالجدية والواقعية
أكد «تركي» وفي نفس السياق قوله: «.. يجب أيضا أن تنقل مثل هذه العروض الى كل دور الثقافة الأخرى وأيضا المدارس ولا تبقى حبيسة المسرح فقط وهذا حتى تطال أكبر عدد ممكن من الأطفال، كما لا يجب أن نحصر هذه العروض في العطل المدرسية فقط، بل يجب إقامتها في الأعياد الوطنية والمناسبات الدينية، بل يجب أيضا إدراج المسرح في الساحات العمومية مثله مثل أي نشاط ثقافي أخر..»
فضل «تركي» العودة الى قصص التراث الثقافي الوطني عوض الاقتباس قائلا:».. حان الوقت عوض القيام بالاقتباس للأطفال من نصوص لكتاب عالميين وإسقاط مثل تلك القصص والأحداث على واقعنا، وهي في الحقيقة بعيدة كل البعد عن عاداتنا وتقاليدنا، الى توجه كتاب النصوص للتراث الوطني الزاخر والمتشبع بالقيم والاخلاق النبيلة لننسج نصوصا تراثية إبداعية كبيرة وبكل المقاييس، تسد هذا الخلل الموجود في الكتابة المسرحية وتعيد ربط أطفالنا مع ماضينا وهذا حتى لا نعيش التغريب الذي قد يؤثر في شخصيتنا كجزائريين، ومن هذه القصص نذكر» حب الرمان، عروس المطر، لونجة بنت الغول وغيرها .. والمهمة تعود طبعا الى الأكاديميين والأدباء وكتاب السيناريو للقيام بهذا الدور الواعد.. وأدعو ـ كما أضاف ـ الممثلين الكبار والمعروفين على الساحة الفنية المشاركة في تقديم مثل هذه المسرحيات على اعتبار أن مثل هؤلاء الممثلين هم قدوة للأطفال وان هذه الشريحة التي تعيش مرحلة عمرية ونفسية جد حساسة تثق أكثر في مثل الشخصيات وتجعل منها قدوتها ومثلها العليا..»
لخص «صلاح الدين تركي» في الأخير قوله: «.. حتى نضمن أن برعم اليوم سيكون هو «متفرج الغد» ومن رواد و عشاق المسرح، لابد أن نعمل و بكل جدية في الاستمرار في إنتاج مسرحيات الأطفال وكذا العمل على التجديد في هذه الأعمال باستخدام كل الوسائل التقنية خاصة السينوغرافيا فالألوان والحركية مطلوبة وبشكل ملفت للنظر لتشويق الطفل في العرض المقدم وهذا دون أن ننسى الالتزام بالواقعية بشكل كبير مع هذه البراعم ، فالطاقم المسرحي يجب أن يضع بين عينيه أنه لا نتعامل في الحاضر مع الطفل كطفل، بل نتعامل معه كرجل الغد، فالأطفال، لا يحبون من يضحك على أذقانهم في الصغر، بل سيتذكرون في المستقبل كل ما مرّ بهم من تجارب، ولهذا لابد أن نعمل لهم ألف حساب إذا أردنا وبكل جدية تمكين هذه الثقافة منهم والالتزام بحب الركح «.