قال الدكتور قريبع رشيد في مداخلته الموسومة بـ « الوجود بالكتابة دراسة في تجربة الكتابة لدى بعض الكاتبات الجزائرية «، ان» النقاد تعرضوا بالدراسة لما تكتبه المرأة وتراوحت مواقفهم بين مشجع ومستهجن ولم تفلت النصوص من الغربال الذي استعمله هؤلاء لفرز هذا الابداع»، والواقع كما أوضح « ان التصورات النقدية التي حاولت الاقتراب من إشكالية الادب النسائي قصد معالجتها واستخلاص ما تتوفر عليه من سمات مفيدة وتلك المنظورات الإبداعية التي انتجت هذا اللون من الادب تنزع الى رفض هذا المصطلح الذي يجزئ فعل الابداع».
أوضح المحاضر «انه حين حط مصطلح الادب النسوي رحاله بالجزائر لم يكن مرحبا به من طرف بعض المبدعات الناقدات، ولا شك ان الهوية الانثوية لا تعني بالنسبة لبعض الكاتبات شيئا لان الأساس في القضية هو التميز وهو الامر الذي لا ينفي الابداع عن كليهما، ولكن الادب شيء جميل لا يقبل التمييز، ورغم ان المرأة تملك خصوصياتها اللغوية وهواجسها الذاتية الا ان وجودها وهويتها تجدان حلاوتهما وحقيقتهما في الصراع المحتدم بين الانوثة والرجولة، وللأدب الذي تكتبه المرأة نكهة أخرى وهو في بعض الحالات يعكس تجارب شخصية واحاسيس عاشتها المرأة دون الرجل خصوصا حين كان جدار العزلة يرتفع بين الجنسين».
أضاف المحاضر «انه في الادب الجزائري عدد كبير من الكاتبات المتمرسات اللائي أبدعن نصوصا متميزة وتركن بصماتهن في الساحة الأدبية ومنهن من لم يفصحن عن اسمائهن، لكن بينهن نجيبات مصارعات رسخن أسماءهن وأكدن ان الكتابة لا تعرف الجنس ولا تعير اهتماما له، وهنا نتذكر زوليخة سعودي الكاتبة صاحبة القلم اللطيف، وجميلة زنير صاحبة الغيمة واحلام مستغانمي المكابرة المتفوقة وفضيلة الفروق الرائعة وربيعة جلطي الغراء وزينب لعوج الباهرة وحسيبة موساوي ومنى بشلم ووافية بن مسعود وانعام بيوض وزهرة ديك، ياسمينة صالح، وغيرهن من المبدعات وعلى رأسهن عميدة الكتابة النسوية في الجزائر زهور ونيسي التي تربينا وتعلمنا الوطنية والشعور بالكرامة من لسان قلمها ونضالها الذي لا يزال مستمرا مصرا».
أشار قريبع «استطاعت بعض النساء الجزائريات احتلال مساحة خاصة بهن وابدعن في الذود عنها ولم يلاقين مجابهة من الرجل بل وجدن احتراما واقبالا على القراءة ما كن يكتبن لأنهن لم يمثلن المرأة فحسب إنما أثبتن ان الرجل يمكن ان يجد الدعم عندهن، وزهور ونيسي واحدة من بين النساء اللائي يتميزن بالقوة في التعبير والقدوة على تسريب الذات ولفحات الزمن ضمن كتاباتهن».
ليؤكد الأستاذ «ان الكتابة النسوية لم تعد تثير حساسية لدى الرجال، بل على عكس ذلك، فإنها صارت تستقطب جمهورا من القراء الذين ينتمون الى كل القطاعات والمراتب الاجتماعية، والمرأة حين تصير كاتبة تكتسب أحاسيس أعمق ويمكنها ان تعبر عن هذه الأحاسيس وعرضها على الآخرين مادامت تمتلك الوسيلة التي تساعدها على ذلك، وهناك الكثيرات من الرائدات في هذا المجال مثل الفرنسية سيمون دي بوفوار التي كانت ترفض الخنوع والاعتراف بالضعف».
أردف المحاضر «ان الكتابة النسوية في الجزائر لم تبق حبيسة مواضيع السعي لإثبات الذات والبحث عن التميز عبر طرق الطابوهات والخوض فيها دون حدود، لكن المرأة الجزائرية كتبت في السياسة والايديولوجيا، وتحدثت عن التغير الذي مسّ الوطن العربي وغيّر وجه الأوطان والشعوب، وفي كنف النظريات والمقاربات الجديدة كتبت هذه المرأة معتمدة ما رأته مواتيا لانتمائها ومتسايرا مع طموحاتها في ظل الأعراف والتقاليد السائدة».
أشار في نفس السياق، «انه انعكس الوضع السياسي والخطاب الأيديولوجي ضمن نصوص هذه الفئة من المبدعين ومالت نصوص أخرى الى التوثيق والتسجيل، واخترقت المألوف وكسرت حائط الصدى الذي يمنع كتاباتها من الوصول الى الاخر، كما حققت بعض النصوص متعة القراءة لدى المتلقين وتنوعت التجارب «.
كما ان بعض الكتابات، أضاف الدكتور «استطعن منافسة الرجال في الميدان مع الإشارة الى ان الصراع يبقى شريفا يخدم الابداع ولا يسئ له، وقد تجسدت جماليات الادب النسائي من خلال ما قدم حوله من دراسات أكاديمية أثبتت ان الخصوصية لا يمكن ان تكون في مجال الفن فهو شيء مشاع يتسم الصراع فيه بالعفة والنقاوة وتنتج إثارته من حسن الترتيب وقوة امتلاك الوسائل المتاحة أمام الجميع لأن المبدعين صاروا سواسية أمام النقد الحديث».