ما تزال ولاية عنابة تعيش نوعا من السبات الثقافي، في ظلّ غياب النشاطات الأدبية الفعلية والتظاهرات الثقافية الكبرى، التي تحفظ للمدينة مكانتها كإشعاع ثقافي، مرت عليها العديد من الأسماء الثقافية والفنية، التي تركت بصمتها بجوهرة الشرق بونة، وينتظر من الخلف مواصلة درب من سبقوهم، وجعل من عنابة منارة للثقافة والفنون..
فعنابة وعلى مدار سنة كاملة، مرّت بها الأحداث الثقافية والفنية مرور الكرام، حيث لم تصنع أغلبها الحدث وسط سكان المدينة، كونها اقتصرت على بعض النشاطات الروتينية كالأماسي الشعرية والأدبية، وعدد من العروض السينمائية والمسرحية، ماعدا بعض المهرجانات التي تعدّ على أصابع اليد الواحدة والتي ما تزال تناضل لأجل البقاء، على غرار مهرجان المالوف حسان العنابي، المهرجان الوطني للموسيقى والأغنية الحضرية..
ويمكن القول، إن أهم ما ميز هذه السنة، تأجيل الطبعة الثالثة لتظاهرة «الفيلم المتوسطي بعنابة» إلى السنة المقبلة، حيث كان ينظم بين شهري أكتوبر ونوفمبر، ليغيب بذلك عن سنة 2017، أهم حدث ثقافي وفني تشهده المدينة، بعد أن تنفّس سكانها الصعداء بعودة المهرجان الضخم، والذي انتظروه في موعده المحدد، إلا أنهم تفاجأوا بتأجيله دون أسباب تذكر، في انتظار الطبعة الجديدة والمقرّرة شهر مارس المقبل حسب المنظمين.
«الشعب»، حاولت التواصل مع مدير الثقافة لولاية عنابة إدريس بوديبة، للحديث عن أهم ما ميّز هذه السنة ثقافيا وفنيا، إلا أنه اعتذر لارتباطاته وانشغالاته ـ كما قال ـ وبالمقابل كان لنا حديث مع شخصية فاعلة في الميدان الثقافي، ابنة بونة المتألقة الشاعرة عقيلة زلاقي، والتي أبدت لنا رأيها بخصوص الشأن الثقافي في هذه المدينة.
وفي هذا الصدد، قالت زلاقي بدون محاباة فإن الهيئات المشرفة على الثقافة في عنابة، لها برامج رائدة ومكثفة إذا ما قورنت بميزانية التقشف والإمكانيات التي توفرها الدولة، مؤكدة أنه بالرغم من ذلك يبقى طموح الكاتب والأديب أكبر مما يقدم على الساحة الثقافية بعنابة.
الأديب بحاجة إلى فضاءات تدفعه إلى الإبداع
وقالت إن الذي يحزّ في أنفسهم، أو على الأقل في نفس الشاعرة عقيلة زلاقي التي تناضل في هذا الميدان منذ شبابها، أنه على الرغم مما توفره الهيئات المشرفة على القطاع الثقافي والأدبي، إلا أنهم لم يصلوا بعد إلى طموح هذا الأديب الذي يريد أن تُخلق له أجواء مناسبة، وتُوفر له فضاءات تدفعه إلى الكتابة والخروج من بوثقة الألم، والبوح بما تمليه عليه نفسه إذا توفرت له هذه الفضاءات، مشيرة إلى أنه يبقى دائما بعيدا عن البوح، حيث يحمل الكتمان في نفسه، على الرغم مما يحمله من رغبة في الكتابة، وما يتكون في فضاء سماءه من سحب لتمطر، لكنها تبقى بدون هطول، نظرا للواقع الذي يعيشه الكاتب العربي في مختلف البقاع، تقول المتحدثة.
وأضافت زلاقي بأن طموح الكاتب يبقى دائما أكبر مما يوجد على الساحة وما تقوم به الهيئات الرسمية وغير الرسمية، على اعتبار أن هناك مجتمع مدني ينظم أحيانا بعض التظاهرات، بالرغم من أنها لا ترقى لمستوى المهرجانات والتظاهرات الكبرى، مشيرة إلى أن السبب يعود لكون الجمعيات الثقافية تكبتها القوانين والتي من شأنها توفير الإمكانيات المادية والبشرية، لتنظيم مثل هذه الفعاليات.
وعن دور المثقف في التحسيس بالوضع الثقافي ومحاولة النهوض به، أكدت الشاعرة زلاقي أن المهتمين بالحقل الثقافي لا يمكن أن تغيب عليهم هذه المطالب، وأشارت إلى أنها قد تكون مؤجلة لسبب أولآخر، وفي سياق حديثها قدمت مثالا عن النوادي الأدبية، والتي قالت بشأنها يجب أن تكون قارة على الأقل مرة أو مرتين في الأسبوع، يرتاد عليها الكتّاب والأدباء والمثقفون لخلق لقاءات تشدّهم إلى الكتابة والإنتاج الإبداعي، والذي اعتبرته المتحدثة ناقصا بهذه الولاية، مؤكدة بأنهم بحاجة إلى نوادي ثقافية، أدبية، شعرية حتى تستفيض فيهم الكلمة، وتجعلهم يحملون القلم ويكتبون، وتتمازج الأذواق وترقى الكينونة الأدبية إلى ما يطمح إليه المثقفون.
الشاعرة عقيلة زلاقي، أشارت إلى أن ألامهم واحدة، وهي تلتمس الأعذار للقائمين على القطاع الثقافي، على اعتبار أنها كانت مسؤولة ذات يوم في الحقل الثقافي، وهو ما يجعلها على علم بالصعوبات التي يلقاها المثقف وهو ينظم مثل هذه التظاهرات، مضيفة بأنهم مسؤولون عن هذه الفترة والتأسيس لها، كون التاريخ سيبقى يتحدث عنهم «ماذا قدمنا في مرحلتنا» وقالت «كما فعل الأوائل علينا أن نفعله نحن أيضا، نحن مسؤولون على الثقافة كغيرنا من المسؤولين في القطاعات الأخرى، لخلق مواطنا ومجتمعا جميلا».
في انتظار الانتعاش الثقافي والفني الدائم
من جانب آخر يمكن القول، إن عنابة بالرغم مما تنظمه من نشاطات ثقافية وفنية، إلا أن سكانها ومثقفيها وأدبائها يتطلعون للأفضل.. لمهرجانات ثقافية دائمة، مهرجانات سينمائية، ومهرجانات مسرحية،هذه الأخيرة التي تعتبر أيضا الغائب الأكبر عن ركح عز الدين مجوبي، بعد أن كانت عنابة تستضيف فيما سبق مهرجان المسرح النسوي، والذي كان بمثابة المتنفس للفنانين وأبناء بونة، إلا أنه انقطع فجأة بعد أن غابت عن مسرح عنابة، الفنانة الكبيرة صونيا والتي أنعشت في زمنها أبي الفنون.
كما يتطلّع العنابيون لأن تستضيف بونة كبار الفنانين الذين تزخر بهم الجزائر، وليس مجرّد أسماء لملء الفراغ الثقافي والفني بهذه المدينة المضيافة، على أمل أن تكون سنة 2018 سنة الثقافة والفن والإبداع بامتياز.