يرى عبد القادر بن دعماش، رئيس المجلس الوطني للفنون والآداب، بأن حماية وحفظ الذاكرة واجب مشترك وبأن كل فنان عايش الأحداث ونتركه يرحل دون تدوين شهادته فإن جزءًا من الذاكرة الوطنية يرحل معه. وأكد ضيف فوروم «الشعب» بأن المجلس الذي يترأسه يتشكل من متخصصين كلٌّ في قطاعه، يعمل في تنسيق مستمر مع وزارتي الثقافة والعمل، ويطمح إلى تحقيق مكاسب أكبر للفنان الجزائري من بينها رقمنة بطاقة الفنان.
افتتح النقاش الذي أعقب مداخلة بن دعماش بكلمة لمديرة جريدة «الشعب» السيدة أمينة دباش، أشادت فيها بمجهودات ضيف الجريدة التي بذلها ويبذلها بشكل متواصل لإحياء التراث رغم العقبات المختلفة، واصفة إيّاه بالموسوعة في ميدان التراث والثقافة والفن. كما أعربت عن سعادتها البالغة باستضافته في فضاء هذا الفوروم الذي أكدت أنه مفتوح لكلّ من يعمل على ترقية الثقافة والتراث الجزائرييْن.
من جهته، تحدث مدير تحرير «الشعب» عن الصورة ودورها وتوظيفها في مجال الفن خاصة وأننا في عصر السمعي البصري، والصورة تلقى القبول لدى الجمهور بشكل أكبر، مشيرا إلى إمكانية أن يتحول ذلك إلى مورد مالي.
أما الفنان عبد الحميد رابية فاعتبر أن الثقافة الجزائرية مهددة مشيرا بالخصوص إلى الإنتاجات السينمائية المشتركة التي رأى فيها تلويثا للقيم والمبادئ الوطنية. كما أكد على أن الثقافة لا يمكن أن يكون لها مردودية مالية لأن ذلك سيفتح الباب للتحايل من أجل الربح المادي: «على الدولة أن تدعم الفعل الثقافي ككل» بحسب رابية.
إلا أن بن دعماش حافظ على طرحه الهادئ وتفاؤله، ما دامت عجلة الطباعة والإنتاج لم تتوقف، وما دام المثقف ما زال موجودا: «يجب إعطاء الحق للتاريخ، وهذا التدهور الحالي ليس هو ما يصنع الثقافة وإنما الوقت هو الذي يساهم في الفعل الثقافي».
كما تحدث عن إمكانية أن تمول الثقافة نفسها، وهو ما يهدف إليه المهرجان الوطني للشعر الملحون بمستغانم بإطلاقه منذ 2013 رسالة الملحون الجزائري، التي صدر آخر أعدادها منذ 10 أيام فيما سيصدر العدد السابع في الطبعة القادمة من المهرجان، وهكذا فإن المجلة توزع وتمول نفسها بنفسها.
سألنا عبد القادر بن دعماش عن سيرورة رقمنة بطاقة الفنان، ما من شأنه تسهيل الحصول على البطاقة من جهة، وإحصاء الفنانين من جهة أخرى. وأجاب ضيفنا بأن العمل في هذا الميدان ما زال يتمّ بالقلم للأسف، مشيرا إلى أن العاملين في حد ذاتهم متطوعون: «لا اقول إن الرقمنة ليست مدرجة ضمن المشروع، إذ نرمي إلى أن تكون بطاقة الفنان مرقمنة مثلها مثل بطاقة الشفاء، وتتضمن جميع المعلومات اللازمة، ولكن هذا المشروع يجب أن يمرّ على الوزارة.. الرقمنة في بالنا بشكل يومي، ولكن يجب النضال، والنضال نحن نعيشه يوميا»، يقول بن دعماش.
كما حدثنا عن علاقات العمل، وتقنين الإدارة التي يستعملها الفنان. وأعطى عددا من التوضيحات بخصوص المجلس الذي يشرف عليه، قائلا إن ارتباطه بمسألة التوظيف والضمان الاجتماعي يجعل من وزارة العمل والضمان الاجتماعي القاطرة في هذه العملية، ويقوم المجلس بالمتابعة والمرافقة.
يتكون هذا المجلس من الرئيس الذي يعينه وزير الثقافة، ومن نائبي الرئيس، أحدهما يمثل وزير الثقافة على أعلى مستوى، وثانيهما يمثل وزير العمل على أعلى مستوى، وهما إطاران ساميان بهاتين الوزارتين، وهو ما يسهل التنسيق بينهما وبين المجلس.
أما مجموعة العمل فكل متخصص في ميدانه، يقول بن دعماش، وذكر أسماء من بينها هلال زبير في الفنون التشكيلية، كمال رويني في المسرح، مليكة هيشور في السينما، الدكتور والناقد الأدبي سعيد بن زرقة، جميلة طلباوي، براهيم بهلول في الفنون الإيقاعية، حميدو وماسينيسا، وغيرهم.. «لما أعقد اجتماعا لا أجد إشكالا لأنني برفقة مثقفين»، يؤكد بن دعماش.
أما عن الانشغال الذي طرحناه بخصوص الأرشفة، والتي من شأنها حماية الإنتاج الفني الحالي من الضياع وهو الذي سيتحول بدوره إلى تراث بعد سنوات، استشهد بن دعماش في إجابته بمبادرة قام بها بنفسه حينما كان مدير الإنتاج بالتلفزيون الجزائري سنة 1998، في عز الأزمة الأمنية والمالية، حيث استقدم مجموعة من القدامى على غرار مصطفى قريبي، حميدو جعيدير، عليلو الدرابكي، عبد الغني بلقايد، رحمة الله عليهم جميعا، وكان يعرض عليهم تسجيلات وحصصا قديمة من أجل أن يتعرفوا على لأشخاص المشاركين فيها وأن يكتبوا سكريبت، والهدف هو الحفاظ على الذاكرة. وقد دامت هذه العملية إلى أن غادر بن دعماش منصبه فتمّ استبعاد أولئك القدامى الذين التحقوا بالرفيق الأعلى بعد مدة قصيرة لترحل معهم ذاكرة مهمة. كما تحدث عن عبد الرحمن تيباري الذي وصفه بحامي ذاكرة التلفزيون لما لديه من معلومات إلى غاية التسعينيات، وهو ما يزال حيا ولكنه يقبع في منزله ولا أحد يستفيد من هذه الذاكرة الحية.